مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

المحامية اللبنانية سندريللا مرهج تدون: "في التعليق الأوّلي على الحكم الصادر بحق الرئيس السابق محمد_ولد_عبد_العزيز"

بادئ ذي بدء، لا بدّ من الإشارة أنّ الحكم الصادر عن المحكمة المختصّة بالجرائم المتعلقة بالفساد في موريتانيا، بات وكأنّه لم يكن بعد الطعن به عن طريق الاستئناف.

أمّا في معرض التعليق القانوني، نتوقف هنا إختصاراً عند بعض الملاحظات، على أن نتقدّم أمام المحكمة الأعلى درجة بالأسباب القانونية التفصيلية التي

أسند عليها دفاع الرئيس عزيز الطعن.

استوقفنا الآتي:

أوّلاً: الأمانة.

حاول الحكم سرد إجراءات المحاكمة بأمانةٍ مطلقة، فوقع بالانتقائية والنسبية من باب استحالة أو عدم صوابية ضمّ مختلف المرافعات الشفهية والخطية وكذا محاضر الجلسات، في تحرير حكم.

لذلك، درجت الاحكام القضائية في القضايا الضخمة، وفي مبحث الاجراءات، على ذكر عناوين مجريات جلسات المحاكمة دون تفنيد أحداثها، وتفصيل الطلبات النهائية دون اختصارها.

مع الإشارة دون أي لبس، وبالعودة إلى الحكم الحاضر، أنّ نية الأمانة لدى رئيس المحكمة المحترم والمستشارين الجليلين واضحة دون أي لبس من روحية النصّ.

ومعلومٌ إنّ من شروط صحة الحكم القضائي الجنائي غير المشوب بعيب، وجوب تضمنّه ملخّص لوقائع التهم، وليس اجراءات المحاكمة، مع الحرص كما أسلفنا على ذكر طلبات الخصوم والردّ عليها بتعليل.

لكنّ خليط وقائع الاتهامات وتشابكها وعشوائيتها في القضية ١/٢٠٢١ أغرقها بالفوضى الواقعية والقانونية، فأتى الحكم محاولاً تفنيدها، ولكنّ فصول القضية كما سبق ووصفناها في مرافعتنا سعت إلى "التعجيز".

برزت الانتقائية جليًا في اختصار بعض الاجراءات والوسائل الدفاعية القانونية لا سيما في الدفوع، حيث وُصّفت جميعها بالشكلية، وغابت عن مندرجات الحكم الدفوع المتعلقة بالانتظام العام و المرافعات التفصيلية بشأنها التي قدمها الدفاع.

في هذا السياق، تمّ إدراج مرافعة السيد وكيل الجمهورية المحترم حرفيًا، والتي أصرّ فيها بالردّ على الدفوع الشكلية وأهمل فيها قصداً الردّ على دفوع الانتظام العام.

إنّها مرافعة سبق وقدمها شفهيًا وبعدها خطياً وعاد ونقلها الحكم.

وعلى غرارها، تمّ ضم مرافعة الطرف المدني، بينما اقتصر الحكم على تلخيص بعض مرافعات الدفاع وردّت حيثية التعليل على بعضها.

ما سبق حول الدفوع تكرر في الإساس،

ما ينزع عن الحكم القضائي شرط "صحة التسبيب" سواء في الاجراءات و المرافعات والتعليل،

مع الإشارة أنّ "الانتقائية" حَرِصت على إيصال صلب الموضوع والرسالة منه وأغفلت بعض النقاط القانونية المثارة،حيث بيت القصيد.

يكون الحكم والحالة هذه، نجح جزئياً في القسم الخاص بإجراءات المحاكمة والدفوع والمرافعات، بشقّ قصد "الأمانة"، وتعثّر في شقّ "الدقّة" ما يجعل الشروط الثلاثة المتوجبة في التسبيب وهي : وجود الاسباب، كفاية الاسباب ومنطقية الاسباب غير متوافرة في السردية الواقعية والتعليل القانوني عليها.

وعليه، يكون الحكم مشوباً بعيب " انعدام التسبيب الكلي المستتر " ما يستوجب قبول الطعن.

ثانياً: الانكفاء

أ- إنّ الحكم موضوع التعليق لم يتناول في أي سبب تعليلي قانوني عطفاً أو إسناداً على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أو غيرها.

انكفأ كلّياً عن القوانين الدولية على عكس الإسناد في قرار الاحالة.

إنّ لذلك أسباباً عدّة داخلية تؤكّد أنّ قضية الرئيس عزيز تبقى شخصية وداخلية.

عكسَ الحكمُ بتغييبه القوانين الدولية

في التعليل، أو حتى مرافعات الدفاع التي أسّست عليها، بعضاً من أجواء جلسات المحاكمة حسب ما تلقفناها حيث أنّ المحكمة لم تحبذ ضمناً اثارة مسائل قانون دولي أمامها،ولو أنصتت.

ربما، لقناعتها المسبقة أنّ الحكم العتيد سينعقد تعليله في /حدود/ القوانين الوضعية دون تخطّيها.

لذا، لم يدهشني هذا الجانب في الحكم.

كان متوقعاً. وسبق ان ابلغت موكلي وزملائي عن قناعتي أنّ الحكم لن يتضمن اي إشارة إلى اي قانون دولي.

إنّه عيبٌ من عيوب "القصور في التسبيب والتعليل" يستوجب قبول الطعن، في قضية بُنيت على اتفاقية دولية تعلو مرتبة من قانون الفساد وقانون العقوبات وغيرهما.

ب-إن التفسير القضائي للنصّ التشريعي الداخلي أتى بجزء كبير منه يفتقد لشرط "منطقية التسبيب" حيث انه اكتفى بالتفسير الضيق للقاعدة القانونية والاختيار بين النصوص لا تكييفها، منتقصاً من الاستدلال القانوني .عيب يستوجب قبول الطعن.

ثالثاً: المنهجية

إنّ الحكم موضوع التعليل صدر في منهجية واضحة الشكل.

حيث ان المحكمة عمدت في اسلوبها على ترتيب الأفكار في منهجية وصفية واضحة بدءاً من التهمة، القاعدة القانونية ، تفسيرها وبعض من تكييفها مع الواقعة والظروف المخففة

ولكن افتقد الحكم لمنهجية التعليل المعمقة مع الاستدلال بالاجتهادات والفقه،

فأتى تفسير النصوص القانونية وشرحها ذاتياً محضاً، غير مبني على مراجع فقهية او اجتهادات قضائية داخلية او مقارنة، ما أفقد التعليل موضوعيته القانونية واقعاً بعيب "عدم منطقية التسبيب"، ما يستوجب قبول الطعن

نكتفي هنا بهذا القدر، رافضين القبول بالحكم صراحة وضمناً، متمسكين ببراءة موكلنا الكاملة.

ولا بدّ من الاشارة أنه من حيث الشكل خلا الحكم رقم ١/٢٠٢٣ من الإشارة إلى أنّه تم النطق به في جلسة علنية.

عيب، على بساطته،

يستوجب قبول الطعن.

جمعة, 19/01/2024 - 13:06