تعد المهرجانات الثقافية و التراثية مناسبة وطنية هامة للإحتفاء بثقافة و تراث الوطن.
كما تعتبر مؤشرا مهما للدولة علي مدي إهتمام القيادة السياسية للبلد رئيسا و حكومة بالإعتناء بالتراث و الثقافة و إعطائها أولوية خاصة ضمن خطة عمل ثقافي مؤسسي .
فموريتانيا بحكم موقعها الجغرافي تزخر بإرث وطني غني و متنوع عربي إفريقي إسلامي نراه و نلمسه في العادات و التقاليد و سلوك المجتمع.
لذا جاءت توجيهات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني متخذة كافة الإجراءات الكفيلة بالحفاظ علي التراث الوطني و صونه و رعايته و إحياء الموروث الثقافي و إبراز مضامينه من خلال تنظيم المهرجانات التراثية و الثقافية لما لها من أثر كبير في ترسيخ مفهوم الهوية الوطنية و تحقيق منظومة التلاحم الوطني و تعزيز الساحة الثقافية التراثية داخل محيط مدائن التراث دعما للتنمية المحلية.
كما تعد المهرجانات فرصة مناسبة لإلتقاء كل أفراد العائلة أو الأسرة في حدث واحد يستعيد أجواء الماضي و يقدم الموروث في صورة تجعله جزءا من الذاكرة الوطنية و يؤسس للحاضر.
تأكيدا لما يمثله الحفاظ علي التراث الوطني من صورة حضارية تتجسد فيها أصالة خصال شعبنا و قوة ارتباطه بجذوره .
لاشك أن مهرجانات مدائن التراث ساهمت بشكل أو بآخر في صيانة و حماية و تثمين الموروث الثقافي للمدن القديمة علي التوالي شينقيط ، وادان ، تيشيت، ولاتة .
إضافة إلي خلق فرص إقتصادية و وظيفية مؤقتة للساكنة دعما وترويجا للمنتج المحلي.
كما لاقي هذا الحدث إقبالا جماهيريا واسعا و تعاط و إسهامات فلكلورية شعبية كبيرة.
ذلك ما تجلي لدينا من خلال خطاب رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني علي مستوي مهرجان مدائن التراث نسخة ولاتة لموسم 2023 م.
حيث قال : إن مدينة ولاتة شرقي البلاد تعد كنزا تراثيا فريدا يتطلب تعهدا مستمرا للمحافظة علي مظاهره المادية من عمران و مخطوطات و تحف فنية .
بالترميم و الصيانة المنتظمة خوفا عليها من الإندثار.
و أضاف ايضا في خضم كلامه ضمن جهود المحافظة علي المدينة .
أنه حرص علي أن تحمل هذه النسخة من المهرجان مكونة إنمائية تتعلق بفك العزلة و تحسين مستوي النفاذ إلي الخدمات الأساسية من ماء ، كهرباء ، صحة ، تعليم ، و اتصالات ....
و أكد أن المكونة الإنمائية ستعمل علي دعم قدرة المواطنين علي الصمود بتوزيع إستفادتهم من من شبكة الأمان الإجتماعي و العمل علي ترقية انتاجهم المحلي و توفير انشطة مدرة للدخل موازاة مع دعم قدراتهم في مجال صيانة المخطوطات و المحافظة علي العمران الأثري .... الخ .
في حين يري بعض المراقبين أن أداء و دور مهرجانات مدائن التراث في نسخه السابقة جاء دون المستوي المطلوب .
بقدر ما هو إعادة و تكرار لنفس المشاهد و الإخراج .
كما أسست لممارسات و مفاهيم خاطئة من خلال الخلط بين موسمين متباينين الموسم الثقافي و الموسم السياسي حيث أضحت هذه المهرجانات مناسبة للفساد و لهدر المال بالتزامن مع التحضير لها في ظل ما تشهده الساحة من تنافس سياسي و محاولة البعض التباهي و الهيمنة علي المشهد السياسي من خلال القيام بانشطة موازية خارج نطاق المهرجان .
كرست للنفاق السياسي و الإنشقاق و ترسيخ مفهوم القبيلة و الجهوية في ظل تجاذبات سياسية كثيرا ما تلقي بظلالها علي المشهد الوطني و علي فعاليات المهرجان علي المستوين التحضيري و التنظيمي.
شئ جميل أن نناصر النظام و نؤيد رئيس الجمهورية .
لكن بما يخدم المصلحة العامة و يراعي مصلحة الوطن و لا يعكر صفو الإحتفال أو يعيق عمل المهرجان دون الوصول إلي الأهداف المرسومة سلفا دعما للتنمية المحلية.
سبق أن قيل : ليس في القيم عموما ماهو مادي مطلق و ليس فيها أيضا ما هو مثالي مطلق .
إنما يتوقف الأمر علي جلب المصالح و درء المفاسد .
فما القيم إلا عملات إجتماعية تختلف بإختلاف الزمان و المكان .
متي تحققت لها الوظيفة كانت مشروعة.
و متي انتفت كانت خارجة عن وظيفتها .
و إن ترتبت عليها المفاسد صارت شرا لا خيرا .
صحيح أن العودة إلي التراث و استلهامه في انشطة ثقافية صارت ضرورة في ظل عولمة عارمة غزت البيوت و استباحت الأعراض و تلاشت معها القيم .
فلم يعد أمام الشعوب إلا أن تكشف عن تراثها و تطلقه في وجه عالم اليوم الذي يستهدف هويتها و كيانها.
وزيادة علي ذلك البعد فإن التراث اليوم صار دافعا للتنمية .
وبالتالي فإن القائمين علي شأن قطاع الثقافة و المهرجان مطالبون أكثر من أي وقت مضي
بالتفكير بالإرتقاء بمستوي عمل مهرجانات مدائن التراث و تطويره في اتجاه البعد الثقافي و العلمي .
و التوفيق بين مختلف الأبعاد المطروحة من ثقافة و ترفيه تنمية و فرض للهوية .
و استحداث الجديد علي غرار ما حصل مع تبني مهرجان جول الثقافي بتعليمات من رئيس الجمهورية.
انصافا لأهل الضفة من أجل إبراز البعد الثقافي و التراثي لدي الساكنة و الدفع بعجلة التنمية داخل المنطقة .
ليشمل مجالات داخل الفضاء الثقافي و المعرفي من قبيل المطالبة بدمج فعاليات توزيع جوائز شينقيط ضمن انشطة مهرجانات مدائن التراث مما سيخدم الحدث عرضا و بحثا في إطار إحياء التراث و الحفاظ علي الهوية و تثمين الخصوصية الشنقيطية و تعميق البحث العلمي في مجال التراث و إعطاء الحدث بعدا دوليا إضافة إلي بعده الوطني.
إذا كان البعد الإحتفالي ضروريا في العمل المهرجاني فإن الإحتفاء بالتراث هو في النهاية عمل له ابعاد اقتصادية و ثقافية و اجتماعية متنوعة .
ينبغي أن تتجسد علي أرض الواقع حتي لا تذهب جهود الجميع في مهب الريح .
طابت أوقاتكم