محمد عبداوه
ينظر العلم إلى الشخصية باعتبارها بناء معقد يشمل الصفات الجسمية الوجدانية العقلية الخلقية في تفاعلها و تكاملها ، و الحقيقة أننا حين نتعرض لتحديد مفهوم الشخصية فإننا نتعرض لشخصيات تتعدد بتعدد ما في العالم من وجوه لذالك فإن ظاهرة الثبات و السكون التي تتجلى من التحديد الفلسفي ليست ميسورة لأن الشخصية مظهر ديناميكي يعود في أصوله الاولى إلى العلاقة التي تجمع بين الغرائز لذالك لا يمكن تحديد الشخصية انطلاقا من أحد العوامل مفصولا عن غيره !!
اعتبر علماء الاجتماع أن المجتمع هو المحدد الأساسي للشخصية و يتمثل ذالك في دور المجتمع في تزويد الطفل بمجموعة من الآليات الثقافية التي تشكل ضوابط اجتماعية لسلوكه و تلعب الأسرة الدور الفعّال في تحديد شخصية الطفل باعتبارها المنطلق الاول للتربية من مرحلة الطفولة إلى مرحلة ما بعد الطفولة ، لهذا نجد الغزالي يقول : " قلب الصبي جوهرة نقية بريئة و هو قابل أن يُمال به إلى كل ما يمال به إليه "
واطستون بدوره يؤكد ذالك بقوله :" أعطيني عددا من الأطفال الأقوياء الأصحاء و مكني من البيئات التي تريدها لهم و أضمن لك أن اجعل من كل واحد منهم نوع الشخصية التي تريدها له "
يقول قسدروف:"ليست شخصيتنا ما نحن عليه و إنما شخصيتنا ذلك الذي نريد إقناع الغير به ، أو ذالك الذي يريد إقناعنا الغير أننا هو "
و هذا دليل_عند علماء الاجتماع_ أن شخصيتنا نكتسبها من محيطنا الاجتماعي ، من التنشئة الاجتماعية بدرجة أولى ، يعني أن القضية خارجة عنا ، فالمجتمع هو من يصنع شخصيتنا و يحدد لنا ما يجب أن نكون عليه لذالك نجد هلفاكس يقول : "الأنا الاجتماعي في كل واحد منا هو مصدر شخصيتنا " بمعنى أن "الأنا" هذه لا وجود لها إطلاقا كما يثبت ذالك دوركايم :" عندما يتكلم الفرد فإن المجتمع هو الذي يتكلم "
فأخص خصائص الإنسان يكون مستعدا للتنازل عنها نظرا لقوة ضغط المجمتع "كوأد البنات عند الجاهليين مثلا " تماشيا مع العادات و التقاليد و هذه حجة على هيمنة المجمتع على سلوك الفرد ....!!
في المقابل نجد أن المحدد الأساسي للشخصية عند علماء الوراثة من أمثال "مندل" ليست التنشئة الاجتماعية و إنما الموروثات التي تنتقل إلى الأبناء عن طريق الآباء من خلال الحيوان المنوي أو البويضة ، فهما يحتويان على سبغيات تنقسم الى وحدات تسمى الموروثات أو الكرومزنات و هي تحمل الاستعدادات الوراثية لتكوين الكائن البشري حيث تكون عند التقاءها عددا لا حصر له من التشكيلات المختلفة مما يجعل الناس يختلفون عن بعضهم البعض و هذه الموروثات تنقسم الى قسمين :
_صفات بدنية: و تتمثل في لون العينين و البشرة الشعر و شكل الانف و حجم الجسم من حيث القوة و الضعف....!
_صفات نفسية:و تتمثل في الاستعدادات و الدوافع في حالتها الأولية ، فيذهب علماء الوراثة أن الذكاء يتحدد في حدوده العامة عن طريق الغدة الدرقية أو الصماء ، فإذا كان إفرازها طبيعيا يكون الشخص ذكيا و إذا كان زائدا يكون الشخص سريع الإنفعال و إذا كان بطيئا كان الشخص بليدا بطيء التفكير و الحركة ...!!!
علماء البيئة و الجغرافيا اعتبروا أن للمحيط البيئي دورا فعّالا في صقل شخصية الشخص و موهبته ، فاعتبروا أن البيئة هي المحدد الرئيسي لبناء الجسمي و النفسي للفرد بحسب ما تحمل هذه البيئة من معطيات مادية أو معنوية ، فالنظام الحياتي عند مجتمع " الاسكيمو " يختلف تماما عن نظام الحياة عند قبيلة "أوراج" في غينيا ، فاختلاف النظام الحياة هنا يختلف باختلاف نوعية البيئة و بالتالي يكون الاختلاف الموجود بين الناس على مستوى شخصياتهم يعود الى هذا التفاعل و الإندماج بين العوامل الإبيولوجية و الاجتماعية و البيئية و التي تشكل المعطى المادي و المعنوي لسلوك شخصية ما
الباحث محمد عبداوه