أجرى الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، مساء الاثنين، مقابلة صحفية مكتوبة مع خمس مؤسسات إعلامية موريتانية، هي الأولى من نوعها منذ وصوله للسلطة.
وجرت المقابلة المشتركة باللغة العربية مع وكالة الأخبار المستقلة (الهيبه ولد الشيخ سيداتي)، والصحراء (أحمدو ولد اتليميدي)، وصحراء ميديا (الشيخ ولد محمد حرمه)، وباللغة الفرنسية مع “اكريدم” ( بابكر باي انجاي ) و”لرنوفاتير" (اصنيبه محمد)، وهذا نص المقابلة:
السؤال الأول من وكالة الأخبار المستقلة:
كشفت المفتشية العامة للدولة أرقاما كبيرة في مجال الفساد، وهناك من يجزم اعتمادا على الأرقام والمعطيات أن الفساد خلال سنوات حكمكم زاد مقارنة مع السنوات التي قبله، هل أنتم راضون عن جهودكم لمحاربة الفساد؟ وهل ترون أنه تراجع فعلا أم زاد عما كان عليه؟ ما هي المؤشرات أو الأرقام التي لديكم؟ ولماذا لم تنشروا تقارير محكمة الحسابات كما ينص على ذلك القانون؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
قبل الدخول في تفاصيل الإجابة على هذا السؤال أستسمح في إبداء استغرابي بشأن استدلال البعض بحجم الجهد الذي تقوم به محكمة الحسابات والمفتشية العامة للدولة والأجهزة الرقابية الأخرى وما يكشف عنه من اختلالات تسييرية كدليل يحسب على الحكومة بدل أن يحسب لها. لو لم تكن الحكومة جادة في محاربة الفساد لما وجهت المفتشية العامة بكشفه ولما تعاونت مع محكمة الحسابات وسهلت مهمتها.
الفساد والتحايل على الأموال العمومية أو صرفها خارج الأهداف التي رصدت لها ظاهرة عالمية، حتى البلدان التي لها منظومة قانونية وممارسة إدارية وتجربة عريقة في هذا المجال لم تسلم منها.
وطبعا لا أظنكم تتوقعون مني نفي وجود هذه الظاهرة عندنا لسببين:
أولا، لاستحالة ذلك في أي بلد من العالم كما أسلفت،
وثانيا، لأني لست ممن يهتمون بخطابات ديماغوجية تغطي على الحقائق. ما أنفيه هو تفاقمها وزيادة انتشارها في الأربع سنوات الأخيرة.
فعلى العكس مما يوحي به منطوق سؤالكم، فإن حجم الأرقام الذي تحدثتم عنه لا يشكل دليلا على تفاقم هذه الظاهرة، بل على العكس يدل بشكل قاطع على نجاعة وجدية عمل أجهزة الرقابة التي تكافح هذا المرض العضال المنتشر في البلد منذ عدة عقود للأسف الشديد. وكأي مرض، فكلما تحسن أداء نظام الكشف، ظهر الحجم الحقيقي لانتشار المرض في الواقع.
لقد بادرت فور تسلمي مقاليد الأمور، إلى انتهاج مقاربة جديدة في مجال محاربة الفساد تقوم على المؤسسية والصرامة والاستمرارية، مع الحرص على ألا تكون محاربة الفساد هي نفسها فسادا يتم في إطاره تصفية الحسابات مع البعض وحماية البعض الآخر والتستر والتعمية على فساد أكثر ضررا في مواقع خاصة.
ومع أنه ما زال الكثير يتعين القيام به في هذا المجال، إلا أنني أعتقد أننا حققنا تقدما ملموسا على طريق إرساء أسس حكامة رشيدة ضرورية لصيانة الممتلكات العامة وتسخيرها لمصلحة المواطن وخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد.
أظن أن بإمكانكم وبإمكان أي صحفي متابع رصد عدة أمور طرأت على ديناميكية محاربة الفساد. منها ترفيع المفتشية العامة للدولة وتعزيز طواقمها وأخلقتها من خلال تأدية اليمين، ومنها أن تقارير محكمة الحسابات التي سألتم عنها تنشر لأول مرة في تاريخ البلد. وفي هذا الإطار، فقد وجهت بالنظر في إمكانية نشر تقريرها سنويا بدلا من نشره كل ثلاث سنوات وذلك من أجل أن يتسنى اتخاذ كل الإجراءات المناسبة في حق المتهمين بالتجاوزات وهم ما يزالون في مناصبهم ومن أجل وقف الاختلالات والتجاوزات دون تأخير.
وانتهز هذه السانحة لأقدم للجمهور نبذة محدثة عن عمل واحد فقط من أجهزة الرقابة وكشف الفساد، وهو الجهاز الذي ذكرتموه بالاسم في سؤالكم. فقد بلغ إجمالي النفقات التي خضعت للتفتيش منذ إلحاق المفتشية العامة للدولة برئاسة الجمهورية 24.181.338.865 أوقية جديدة، من بينها 2.569.094.307 أوقية جديدة لوحظت أخطاء تسييرية في تنفيذها (10,6%). الأخطاء التسييرية التي شكلت أضرارا مالية على حساب الدولة تمثل (35%) من الأخطاء التسييرية المكتشفة أي مبلغ 907.210.877 أوقية جديدة. وقد تم استرجاع هذا المبلغ بطرق مختلفة حسب مرحلة النقفة. وتشمل هذه الطرق الاسترجاع بالدفع في الخزينة العامة إن كانت المبالغ المعنية قد سددت بالفعل، وعدم التسديد في الحالة المعاكسة. هذا فضلا عن إلزام المقاولين بإصلاح الخلل الملاحظ في المنشآت التي تعاقدت معهم الدولة على إنجازها. تجدر الإشارة إلى أن عدة مشمولين بتقارير المفتشية أحيلوا للقضاء.
صحيح أنني فعلا أوصيت أن يتم ذلك من دون تشهير وبعيدا عن الاستغلال الإعلامي. أكثر من ذلك أستطيع أن أؤكد أنني لم يصلني تقرير نهائي عن أي مؤسسة بتوصيات محددة إلا واتخذت القرار المناسب على الفور، عقوبة إدارية كانت أو قانونية أو تقنينا.
وأخيرا، أجدد التأكيد على عزمنا مواصلة جهود محاربة الفساد وتعميقها، بصرامة ومؤسسية، مع التنفيذ الحرفي لتوصيات تقارير أجهزة الرقابة. فالفساد، بطبيعته، مقوض لدعائم التنمية، بهدره موارد الدولة، وتعطيله المشاريع عن تحقيق أهدافها، وإخلاله بالعدالة التوزيعية للثروة، وهتكه قواعد دولة القانون، بما يضعف ثقة الأفراد فيها، ويصيب النسيج الاجتماعي في الصميم.
ومن حسن الحظ أن الاستراتيجية الوطنية الجديدة لمحاربة الفساد تفتح المجال واسعا أمام كل الفاعلين والقوى الحية للمساهمة في التصدي لهذا المرض العضال وننتظر من الصحافة، على وجه الخصوص، أن تضطلع بالدور المنوط بها في هذا المجال، بكل مهنية وحياد ومسؤولية.
السؤال الثاني من وكالة الأخبار المستقلة:
أطلقتم منذ وصلوكم للسلطة ما اصطلح على تسميته بـ"التهدئة السياسية"، لكن البعض يرى أن هذه التهدئة قتلت الفعل المعارض وكانت على حساب الحريات والحصانات؛ الحريات العامة من خلال استخدام القوة المفرطة من طرف أجهزة الأمن لتفريق عشرات التظاهرات، وتوقيف المتظاهرين والمدونين وإدانتهم، والحصانات، كحصانة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وحصانة النائب محمد بوي الشيخ محمد فاضل؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
فيما يخص الشق الأول من سؤالكم، فعلا، بالنسبة لي، نهج التهدئة السياسية بين الشركاء في الوطن هو قناعة راسخة وخيار ثابت ومسؤولية وطنية. ما تشهده مناطق عدة في العالم من عدم استقرار سببه في المقام الأول هو انقطاع خيط الصلة بين الشركاء في الوطن وسيادة منطق الإقصاء وتوفير الظروف المناسبة للتخوين والتشنيع والإقصاء.
لقد سعيت إلى التهدئة السياسية والاجتماعية منذ البداية وحاولت تجسيدها في الاتصال المباشر وربط الصلة بأغلب الفاعلين أحزابا وتيارات وشخصيات اعتبارية. منذ اليوم الأول لتقلدي لهذه المسؤولية، بادرت بالاتصال بالجميع ولم أستثن أحدًا، وطلبت من أغلبيتي السياسية ومن الحكومة اعتماد خطاب جديد لا مكان فيه للتنابز والإساءة. قناعتي هي أننا باللقاء المباشر والنقاش الهادئ والتشاور وبقليل من التنازل والمرونة يمكن أن نتفق ونوحد الرؤى حول الكثير من القضايا وإن تعذر ذلك يتفهم ويعذر بعضنا البعض في المواضيع التي لم ننجح في توحيد المواقف حولها. باختصار لقد اتضح أننا يمكن أن نتنافس في خدمة البلد لا أن نتصارع للإضرار به. كيف بنهج كهذا أن يوصف بأنه يقتل الفعل المعارض؟
وعليه يمكن أن أؤكد أن ما طبع ساحتنا السياسية طيلة الأعوام الأربعة الماضية من الهدوء، والاختلاف في ظل الاحترام، والتباين في المواقف دون تشنج ودون تخوين، بقدر ما كان تعهدا والتزاما قطعته على نفسي، وبذلت جهودا كبيرة في تحقيقه، أعتبره مكسبا وطنيا لنا جميعا. طبعا ما كان لهذه التهدئة أن تتم لولا استعداد وتجاوب جميع الشركاء ومساهمتهم الفعالة في ترميم ما أفسدته الأجواء المتوترة والمشحونة التي سادت ساحتنا السياسية والاجتماعية خلال مراحل سابقة. فلهم مني جزيل الشكر وعظيم الامتنان. وأؤكد لكم أنني سأواصل على نفس المنوال وبذل كل الجهد اللازم للمحافظة على منهجية الانفتاح والتشاور الدائم مع كل الفاعلين.
بالنسبة للشق الثاني من سؤالكم والمتعلق بالتضييق على الحريات وعدم احترام الحصانات الدستورية والقانونية، فالفيصل في ذلك سيكون بالضرورة هو حقيقة ما حدث في الواقع ومدى احترام القانون فيما يتعلق بكل حالة. حق التظاهر وحق الاحتجاج وحق التعبير مكفولة بالدستور وبالقوانين لكنها في نفس الوقت منظمة ومقيدة ومضبوطة بالقوانين.
لا يمكن أن نختلف على أن الهدف الأسمى لنا جميعا هو أن تكون دولتنا دولة قانون ودولة مؤسسات. وحدها الحريات المضمونة والمحصنة بالقوانين والمحمية بالمؤسسات هي التي تدوم. هذه قناعتي وقد عملت على تجسيدها في الواقع.
كان سؤالكم سيكون أكثر وجاهة لو أعطيتم أمثلة بعينها تم فيها التعدي على أحد هذه الحقوق دون احترام للإجراءات والمساطر القانونية. فقد نظمت تظاهرات ومسيرات عدة واحتجاجات مختلفة دون خوف أو تضييق. لأنها وببساطة احترمت الإجراءات والمساطر القانونية ذات الصلة. بالمقابل إذا منع تنظيم نشاطات أخرى فإما لأن الشروط القانونية غير متوفرة أو لأنها تشكل تهديدا مباشرا للأمن والسكينة العامة. طبعا لا يمكن القبول تحت أي ظرف من الظروف بأي تصرفات من شأنها المساس بالاستقرار والأمن والسكينة وبحرمة الممتلكات العامة والخاصة وإن صاحب تطبيق القانون بعض التجاوزات فهي مدانة ومرفوضة.
أما بخصوص السؤال المتعلق بعدم احترام الحصانات الدستورية والقانونية، فلن يكون بمقدوري الخوض فيه. بصفتي رئيسا للسلطة التنفيذية، واحتراما لمبدأ فصل السلطات، فقد حرصت على تجنب أي تدخل من طرفي فيما مضى، ولن أعلق الآن ولن أقوم قرارات سلطات مستقلة تعمل وفق رؤيتها وفهمها لممارسة صلاحياتها القانونية.
السؤال الثالث من وكالة الأخبار المستقلة:
أجمعت الأحزاب السياسية في البلاد – مع استثناءات قليلة ضمنها حزب الإنصاف الحاكم – على تزوير الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية الأخيرة، وأنها أعادت التجربة الديمقراطية عقودا إلى الوراء، ألا ترون أنها أثرت على صورة ديمقراطية البلاد وتراكم تجربتها ومصداقية مؤسساتها؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
هذه الانتخابات نظمت بعد حوار سياسي شامل، وعلى أساس اتفاق سياسي بين كل الأحزاب الوطنية، معارضة وأغلبية. وقد تم تنظيمها وتسييرها بشكل تشاركي كما اتفقت على ذلك كل الأطراف. ما أوكل للحكومة والتزمت به هو توفير الظروف المناسبة والوسائل اللوجستية الضرورية لتنظيم العملية في الآجال المحددة. ولم أسمع منكم ولا من غيركم أي ملاحظة تتعلق بهذا الجانب.
اللجنة المستقلة للانتخابات هي التي أشرفت على العملية بالكامل. وهذه اللجنة، كما تعلمون، قد تم تشكيلها على أساس اقتراح قدمته جميع الأحزاب ومثلت فيها مناصفة المعارضة والموالاة، وأنا شخصيا، رغم أن القانون منحني الاختيار من بين 22 مقترحا قدمت لي، وافقت على خيارات الأحزاب كما وردت ولم أمارس حقي في تغيير الترتيب.
من الطبيعي أن بعض الأطراف قد لا ترضى عن النتائج المتحصلة وقد تكون سجلت، في بعض الأحيان، خروقات وتجاوزات لكنها تبقى دائما عرضة للتصحيح من قبل الهيئات المعنية والمخولة. وعلى العموم فإن ما تم الحديث عنه لم يرق حسب اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وحسب الجهات القضائية المختصة إلى الطعن في مصداقية هذه الانتخابات.
أؤكد على أن ما قلته سالفا لا يعني عدم وجود نواقص، لكنها لا ترقى حسب ما لدي من معلومات للتوصيف الذي ورد في سؤالكم. على العكس من ذلك وحسب اعتقادي أنه يجب وصف الأمور كما حدثت، ويجب استخلاص الدروس المفيدة من النواقص المسجلة، ويجب أن يكون كل ذلك دافعا لتحسين منظومتنا الانتخابية وتعزيز التجربة المتراكمة لمؤسساتنا الديمقراطية. ومن جانبنا سنبقى جاهزين لكل ما من شأنه المساعدة في ترسيخ وتطوير آلياتنا الانتخابية بشكل توافقي.
السؤال الرابع من وكالة الأخبار المستقلة:
بدأت الأنظار تتجه إلى الانتخابات الرئاسية العام المقبل، ماذا أعددتم لهذه الانتخابات بعد أن تفككت – أو تأثرت - أغلبيتكم بسبب ملف العشرية؟ وهل تتوقعون أن يعيد الشعب ثقته فيكم؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
في تقديمكم لسؤالكم السابق ذكرتم أننا قتلنا المعارضة بالتهدئة، في حين يفهم من هذا السؤال العجز عن المحافظة على الأغلبية!!
هذا الخطاب الذي استسمح بوصفه بالمتناقض يروج في الساحة ضمن خطابات أخرى لأغراض دعائية، وكنت أربأ بالصحافة الجادة عن تكراره وترديده. الحقيقة أن المعارضة حية وموجودة وتمارس دورها في النقد والتوجيه والأغلبية هي الأخرى قوية ومنسجمة ومتماسكة أكثر من أي وقت مضى.
من جهة أخرى، من المسلم به أن الانتخابات هي المؤشر الوحيد على ثقة الشعب ورضاه عن نظامه وحكومته أو عكس ذلك. وأظن أن نتائج الانتخابات البلدية والجهوية والبرلمانية الأخيرة أجابت بوضوح على هذه الأسئلة التي راجت بكثرة قبل وأثناء الحملة الانتخابية.
شعبنا ذكي ولديه وعي ويحلل ويقارن، ويستقي معلوماته من الواقع، وهو وحده من يقرر - عبر الانتخابات - من يمنحه ثقته. ما سوى ذلك دعايات لا تجد ما يسندها في الواقع المعاش.
وبالعودة إلى نتائج الانتخابات نجد أن الأغلبية التي تحدثتم عنها تعزز تمثيلها على المستوى البلدي والجهوي وفي البرلمان. هذا إذا اعتمدنا المعيار السياسي الانتخابي الصرف، أما ثقة الشعب الموريتاني، والتي منحني في الرئاسيات الماضية، فقد عملت على تعزيزها من خلال الجهود المستمرة الهادفة إلى:
- تنفيذ نموذج التنمية ذي الطابع الاجتماعي، والذي قررت الانحياز من خلاله للشرائح الأكثر فقرا وهشاشة،
- تعزيز اللحمة الاجتماعية من خلال استراتيجية التآزر ومكافحة الإقصاء ومن خلال إطلاق المدرسة الجمهورية التي يدرس فيها كل أطفالنا نفس البرنامج وتحت نفس السقف وأمام نفس المدرس وبنفس الزي،
- تعزيز جو التهدئة والتشاور والاحترام الذي أرسيناه مع كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين،
- السعي إلى رفع المظالم وإنصاف كل من تضرر من ظلم تم التثبت منه،
- العمل على كل ما من شأنه تعزيز وترسيخ المؤسسية ومنح واحترام صلاحيات كل حلقات الإدارة،
- إدخال الرقمنة في الممارسة الإدارية اليومية من أجل تبسيط الإجراءات وتحسين الخدمة وضمان الشفافية،
- إيلاء أهمية قصوى لحفظ أمن المواطن وسكينته والدفاع عن الحوزة الترابية للبلد،
- تقوية حضور بلدنا في المحافل الدولية وتعزيز الدور المحوري لنا في المنطقة.
السؤال الخامس من وكالة الأخبار المستقلة:
تعاني أعداد متكاثرة من الموريتانيين من ضعف أو انعدام الخدمات الأساسية، كما يواجهون ظروفا معيشية توصف بالصعبة، وهناك من يرى أن السبب الأول للارتفاع المتزايد للأسعار في البلاد، هو غياب السلطة في مجال الرقابة، ويدللون على ذلك بأن السوق المحلي يتأثر بارتفاع الأسعار عالميا دون هبوطها، كما يتحدثون عن تغول رجال الأعمال على المصالح الحكومية، وتحكمهم فيها، أنتم، كيف ترون الواقع المعيشي لعموم المواطنين؟ وما هي إجراءاتكم لتحسينه؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
هذا السؤال فعلا مهم، رغم أن صياغته تأثرت بالدعاية التي ينقصها بعض التأسيس. لا يخفى عليكم أننا مع الأسف بلد مستورد لأغلب حاجياته الغذائية والاستهلاكية وبالتالي فمستوى الأسعار عندنا تابع لمستواها العالمي. كما أننا نستحضر جميعا جائحة كوفيد 19 التي ضربت العالم في بداية هذه المأمورية، والتي جرت الاقتصاد العالمي إلى ركود وكساد كبيرين وإلى ارتفاع الأسعار وتكسير سلاسل التموين.
يضاف إلى ذلك الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا والتي زادت الطين بلة وعقدت الأمور أكثر. حيث أدت بشكل مباشر إلى ندرة في المواد الغذائية الأساسية والمدخلات الصناعية وزيادة كبيرة في أسعارها وفي أسعار المحروقات. كما تأثرت حركة التصنيع وتأثرت بشكل خاص حركة النقل البحري مما زاد في تكاليف توصيل تلك المواد إلى بلادنا، وزيادة التكاليف تعني بطبيعة الحال زيادة الأسعار.
هذه الأزمات ضربت في الصميم وأعاقت الخطط الاقتصادية والتنموية في كل البلدان. فالدول الكبرى ذات الامكانيات الهائلة، والتي لا وجه لمقارنتها ببلادنا، تجد اليوم صعوبات كبيرة في مواجهة آثار هذه الأزمات: فمعدلات النمو في تراجع، مستوي العجز والمديونية يزداد والأسعار ترتفع بشكل يومي. فكيف إذا ببلادنا التي نعرف جميعا مستوى إمكانياتها ومستوى قدراتها على مواجهة أزمات من هذا الحجم؟
ومع ذلك فلم نبق مكتوفي الأيدي، فبالرغم من التأثيرات السلبية لكل هذه الأزمات المتلاحقة فإن الحكومة استطاعت تعبئة موارد كبيرة جدا وتدخلت في الوقت المناسب عبر حزمة من الإجراءات لولاها لكانت الأوضاع وصلت لمستويات أخطر وأصعب.
ففي الأيام الأولى لأزمة كورونا تتذكرون جميعا أني أعطيت التعليمات للحكومة من أجل تنفيذ خطة واسعة لمواجهة الجائحة وتأثيرها على المواطن بشكل عام والفئات الأكثر حاجة بشكل أخص. من أهم الإجراءات التي اتخذت حينها:
- تمويل برنامج واسع لاقتناء التجهيزات الصحية والأدوية الضرورية للتكفل بالمرضى،
- إنشاء الصندوق الخاص للتضامن الاجتماعي ومكافحة كورونا
- إطلاق برنامج واسع للتحويلات المالية شمل 396 ألف أسرة،
- التكفل بفاتورة الماء للأسر الفقيرة في نواكشوط لمدة شهرين، وفي الوسط الريفي طيلة السنة. واستفاد من هذا التكفل 2055 تجمعا قرويا، و192 ألف أسرة في الوسط الحضري،
- الإعفاءات الضريبية لبعض الأنشطة الاقتصادية، (القطاع غير المصنف) وللمواد الغذائية الأساسية،
- دعم بعض الشرائح الهشة الأخرى من خلال: مضاعفة تعويضات التقاعد، التكفل بمرضى السرطان ومرضى الفشل الكلوي وصرف إعانات شهرية لصالحهم،
- التكفل بالتأمين الصحي لـ620 ألف شخص،
- المحافظة على تموين البلد بالمواد الأساسية والطبية طيلة مراحل الجائحة.
الحكومة أيضا اتخذت مبكرا إجراءات عديدة ومكلفة لمواجهة آثار أزمة ارتفاع الأسعار وخصوصا بعد اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية. من أهم هذه الإجراءات، إنشاء مركزية عمومية لشراء المواد الغذائية عند الحاجة. وقد اقتنت هذه المركزية كميات كبيرة من المواد الغذائية والأعلاف والأسمدة من أجل تثبيت الأسعار في الاسواق الوطنية.
من أجل أخذ فكرة عن حجم الجهد الذي قيم به لتخفيف أثار هذه الأزمات وخصوصا على الأسر الأقل دخلا، فقد بلغت تكلفة النفقات ذات الطابع الاجتماعي في الفترة 2020 - 2023، 623 مليار أوقية قديمة. ينضاف إلى ذلك، النفقات الاعتيادية للميزانية من أجور وتسيير واستثمار والتي بدورها شهدت زيادات معتبرة خصوصا بند الأجور لرفع القدرة الشرائية. كتلة أجور عمال الدولة انتقلت من 156 مليارا أوقية قديمة سنة 2019 إلى 242 مليار سنة 2023.
وبالموازاة مع هذه الإجراءات وضعنا خطة استراتيجية لتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل الزراعية ذات الأولوية. وقد مكنت حتى الآن هذه الخطة من رفع مؤشر الاكتفاء الذاتي الوطني من الأرز إلى 89%، ورفع الانتاج الوطني من الحبوب إلى ما يناهز542.000 طن. ونتقدم بشكل واعد في مجال زراعة الخضروات والعمل جار على تشييد عشرات السدود وشق قنوات الري واستصلاح ألاف الهكتارات.
السؤال السادس من صحراء ميديا:
في برنامجكم الانتخابي منحتم حيزًا كبيرًا للمكونة الاجتماعية، وحتى بعد وصولكم إلى السلطة، كان تركيزكم على هذه المكونة واضحًا للعيان، وزاد مع جائحة كوفيد – 19 وتداعيات الحرب في أوكرانيا، هل أنتم راضون عن الحصيلة؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
بالفعل، وكما أشرت إلى ذلك فيما سبق، لدينا اهتمام خاص بالفئات ذات الدخل المحدود والهشة ونوليها عناية كبيرة. في الحقيقة لست مقتنعا باستراتيجية تنموية لا تأخذ بعين الاعتبار ضرورة مساعدة الفئات الهشة اقتصاديا على مواجهة ضغوطات الحياة اليومية وزيادة تلك المساعدة كلما تحسنت الظروف المالية للدولة. إن جني ثمار الإصلاحات البنيوية الهادفة إلى تحقيق تنمية تسع كل المواطنين يتطلب وقتا. وفي انتظار ذلك فإنه يتوجب وضع الفئات الهشة اقتصاديا في ظروف تساعدها على انتظار نجاح الإصلاحات المقام بها في تغيير حياتهم للأفضل. انطلاقا من هذه القناعة عملنا خلال السنوات الأربع الماضية قدر المستطاع على دمج هذه الفئات اقتصاديا واجتماعيا وتحسين ظروفها المعيشية وتعزيز نفاذها إلى الخدمات الأساسية. ولهذا الغرض أنشأنا المندوبية العامة للتضامن ومكافحة الإقصاء "تآزر" والصندوق الوطني للتأمين الصحي التضامني، وأطلقنا عدة برامج أخرى لمصلحة الفئات الأكثر حاجة.
وفي هذا الإطار، تمكن الإشارة إلى بعض الأرقام التي توضح الاهتمام الذي توليه الحكومة للفئات الأقل دخلا. فقد استفاد 210000 تلميذ من الكفالات المدرسية، وتم التكفل بتكاليف مرضى الكلى والمعوزين (840 مريضا) ودعم 845 أسرة تتكفل بالأطفال ذوي الإعاقات المتعددة من خلال تحويلات نقدية شهرية منتظمة قدرها 20000 ألف أوقية قديمة. كما تم توزيع بطاقات معاق على 5384 شخص معاق يستفيدون من رعاية خاصة ومستمرة، وتوفير مساعدة اجتماعية لـ3357 من ذوي الأمراض المزمنة من خلال تحويلات نقدية منتظمة. وتتقدم مشاريع السكن الاجتماعي في جميع عواصم الولايات، باستثناء نواكشوط والزويرات، من خلال العمل على تشييد ما يناهز2300 سكن اجتماعي، وتوزيع القطع الأرضية المستصلحة والمجهزة بجميع الخدمات والتي كان آخرها مشروع حياة جديدة في القطاع 22 بالترحيل بمقاطعة الرياض. وزيادة على أكثر من 1,5 مليون مواطن استفادوا من برامج التأزر وخصوصا التحويلات النقدية والمعونات الغذائية والتأمين الصحي، سيستفيد مئات آلاف المواطنين من خدمات الصندوق الوطني للتأمين الصحي التضامني الذي ستنطلق أنشطته في الأسابيع المقبلة.
بالرغم من أن الحصيلة في هذا المجال كبيرة وإيجابية جدا، إلا أنه لا يمكنني أن أقول إنني راض عما حققناه حتى الآن. سأكون راض فقط عندما يكون كل مواطن موريتاني له القدرة على تلبية كل حاجياته بشكل مستقل من خلال دخله المتأتي من عمل لائق. لكنني متفائل بالمستقبل وواثق من أننا سنتمكن من تحقيق كل أهدافنا وطموحاتنا التنموية.
السؤال السابع من صحراء ميديا:
لعل من أبرز ما ينتقدكم به معارضوكم، ما أصبح يسميه بعض الموريتانيين بـ"التدوير في المناصب"، هل هنالك آلية معينة للتعيين، وما هي المعايير التي تختارون عليها المسؤولين؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
التعيين يخضع لمعايير فنية ومهنية تأخذ بعين الاعتبار حاجات المرافق العمومية في مجال المصادر البشرية، والخبرة ميزة وليست نقيصة، ومن لم تمنعه موانع قانونية سنستفيد من خبرته وتجربته دون تردد.
السؤال الثامن من صحراء ميديا:
عددٌ من مشاريع البنية التحتية التي أطلقتم في مأموريتكم الأولى، شابها كثيرٌ من التأخير والتوقف، وجرى الحديث في أكثر من مرة عن انزعاجكم من الأمر، والموريتانيون يسألون دومًا: هل فعلًا غضبَ الرئيس، فهل فعلًا غضبتم فخامة الرئيس؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
بذلنا جهودا كبيرة في مجال البنى التحية، خلال المدة المنصرمة من هذه المأمورية وقد أنجز الكثير في هذا المجال.
فعلى سبيل المثال لا الحصر وفيما يتعلق بالبنى التحتية الإدارية، فقد تم اكتمال الأشغال في مباني الجمعية الوطنية والمجلس الدستوري ومجمعين وزاريين و12 مجلسا جهويا وبنى تحتية مهمة في قطاع العدالة.
وعلى مستوى قطاع التعليم، فقد تم إطلاق برنامج واسع يهدف إلى بناء 3600 فصل دراسي من بينها 2300 فصل انتهى العمل فيها. ويجري العمل الآن على بناء مؤسسات للتعليم العالي كالمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، والمركب الجامعي الجديد الذي يتسع لأكثر من 11 ألف طالب وهو ما سيزيد الطاقة الاستيعابية للجامعة لتصل 25 ألف طالب، والمدرسة العليا للتجارة، والمعهد العالي للرقمنة ومدرسة التكوين المهني والفني في مجالات الطاقة والبترول والغاز، وتوسعة المعهد العالي للتعليم التكنولوجي. كما تم بناء وتجهيز مدرسة التعليم التقني والتكوين المهني للبناء والاشغال العمومية بالرياض.
وعلى مستوي قطاع الصحة، فقد اكتمل بناء مستشفى سيلبابي بسعة 150 سريرا، كما اكتمل بناء 20 مركزا صحيا بالداخل، و28 نقطة صحية. كما أن الأشغال متقدمة في بناء مستشفيات ألاك والعيون وتجكجة، وفي توسعة وتجهيز مركز الاستطباب الوطني وتوسعة وتجهيز المركز الوطني للتخصصات.
وفي مجال الطرق، تم إنجاز وإعادة تأهيل 700 كلم من الطرق وتتقدم الأشغال في 1450 كلم أخرى. كما يجري العمل في 3 جسور تشيد لأول مرة في العاصمة نواكشوط (جسر باماكو، جسر الحي الساكن وجسر كارفور مدريد). كما أن الأشغال متقدمة في الجسر الذي سيربط موريتانيا والسنغال.
من جهة أخرى، يجري العمل حاليا في أكثر من 140 مشروعا استثماريا كبيرا كلفة إنجازها تزيد على 500 مليار أوقية قديمة، ومن المتوقع أن تنتهي الأشغال في ثلثها قبل نهاية شهر إبريل المقبل.
صحيح أني عبرت عدة مرات عن عدم قبولي للوتيرة التي يتقدم بها تنفيذ بعض المشاريع العائد إلى عدة عوامل، وألزمت الحكومة بأن تفرض على الشركات المنفذة اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لاحترام الآجال التعاقدية، وأسهر شخصيا على المتابعة اليومية لتنفيذ محفظة المشاريع الكبيرة.
السؤال التاسع من صحراء ميديا:
فخامة الرئيس، بعد أربع سنواتٍ في الحكم، هل تغيرت قناعات وترسخت أخرى؟ ما هو الفرقُ بين المرشح والرئيس؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
أعتقد أن الظروف والإطار العام هو الذي قد يتغير بين مرحلتين وليس الشخص، فمتطلبات وإكراهات الواقع ليست بالضرورة هي نفسها في المرحلتين.
من القناعات التي كانت عندي فترة الترشح وترسخت مع الممارسة أن الديمقراطية والتشاور والعدالة الاجتماعية والأمن والمؤسسية تشكل ثوابت لا بد منها لتحقيق التنمية المنشودة وبناء دولة مستقرة.
السؤال العاشر من مركز الصحراء:
يتواصل مسلسل محاكمة الرئيس السابق وبعض المشمولين معه في ملف العشرية وسط حديث من هنا وهناك عن وساطات لإنهاء هذا الملف.. هل أنتم على علم بهذه الوساطات أولا؟ وهل ستقبلونها إن وجدت؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
من الأمور التي أعتبرها مهمة وأساسية في بناء دولة المؤسسات احترام مبدأ فصل السلطات.
وأود هنا التذكير بما تعهدت به للشعب الموريتاني بشأن الالتزام بفصل السلطات وترسيخ القيم الديمقراطية، وتعزيز دولة المؤسسات، وهذا الملف، كما تعلمون، بدأ من لجنة تحقيق برلمانية، والبرلمان سلطة مستقلة، ولاحقا أحيل للسلطة القضائية، وهي سلطة مستقلة كذلك، وليس من صلاحيات الرئيس التدخل في عمل أي من السلطتين، ولا يسمح لي الدستور برفض أو قبول أو التحكم في مسار أو الوساطة في هذا الملف، فالقضاء وحده هو الجهة المختصة.
السؤال الحادي عشر من مركز الصحراء:
قلتم قبل أيام إنكم تتركون ملف ترشحكم لمأمورية ثانية للشعب.. وخرجت بعد ذلك عدة مبادرات تطالبكم بالترشح.. هل حسمتم قرار الترشح؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
صحيح أني قلت إن الأمر بيد الشعب الموريتاني، وأغلبيتي السياسية بشكل خاص. الأولوية الآن للعمل وكل شيء في وقته.
السؤال الثاني عشر من مركز الصحراء:
شهدت عدة دول إفريقية في الفترة الأخيرة انقلابات أو محاولات انقلابية. ما موقفكم من هذه الانقلابات؟ وهل وفقت المؤسسات القارية والاقليمية في معالجتها؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
صحيح، كل ذلك يجب أن يفهم في إطار أعم له علاقة بالظروف والأزمات الصعبة وغير المسبوقة التي تشهدها كل دول العالم وخصوصا في منطقتنا الإفريقية، كما يعكس من جهة أخرى قدرة الدول ونجاحها في التعامل بشكل مناسب واستيعاب الأثار السلبية والمتعددة الأبعاد لتلك الظروف والأزمات.
على العموم موقف موريتانيا ثابت، وقد عبرت عنه أكثر من مرة، وهو رفض تغيير الأنظمة بالطرق الغير دستورية، واعتبار الأساليب الديمقراطية هي السبيل الوحيد للتناوب على السلطة. ليس من منهجيتنا التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة، ونعمل ضمن الأطر الإقليمية والدولية من أجل استتباب الشرعية والمحافظة على السلام في المنطقة.
السؤال الثالث عشر من مركز الصحراء:
موضوع فلسطين هو حديث الساعة. عبرت الدول الغربية صراحة عن وقوفها واصطفافها مع إسرائيل في هذه الحرب في حين طالعتنا بيانات خجولة لبعض الدول العربية، بينما فعلت أخرى وضع الصامت. وموريتانيا بلد الفصاحة كما يقال. هل يمكن أن تعبر لنا بلسان فصيح وبلغة واضحة عن موقفكم من هذه القضية؟
الرئيس محمد ولد الغزواني:
الموقف في قمة الوضوح، فموريتانيا قيادة وشعبا مع حق الشعب الفلسطيني الشقيق في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، والمبادرة العربية. نتضامن مع هذا الشعب الذي يتعرض لأبشع أنواع الإبادة والتهجير على مرأى ومسمع من العالم، وقد عبرت عن ذلك في وقته وفي أكثر من مناسبة. نتحرك في كل الدوائر الدبلوماسية من أجل الوقف الفوري لهذه الحرب المجنونة ومن أجل إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة ودعم كل الجهود الرامية إلى إطلاق ديناميكية جديدة وجدية للسلام تفضي في أسرع وقت لحل دائم يسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ينعم فيها الشعب الفلسطيني بالأمن.