رسالة الى فخامة رئيس الجمهورية الاسلامية الموريتانية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني المحترم
تحية احترام،
بعيداً عن السياسة الداخلية الموريتانية،
وبعيداً عن دوافع ما آلت إليه العلاقة الشخصية بينكم وبين رئيس الجمهورية السابق السيد محمد ولد عبد العزيز،
وبعيداً عن الانقسامات الداخلية بين الموالاة والمعارضة، وفي القانون والأخلاق،
أكتب إليكم هذا الرسالة المتواضعة المباشرة بصفتي سيّدة لبنانية، محامية جنائية،
تعهّدت في القضية رقم ١/٢٠٢١ بموجب وكالة قضائية موقّعة مباشرة من الرئيس محمد ولد عبد العزيز،
ولأننا نحن اللبنانيون نكنّ لموريتانيا وشعبها كلّ الحبّ والتقدير،
ولأنّنا نحمل من بلاد الأرز لشعبكم ودولتكم وفخامتكم شخصياً كلّ الشكر والتقدير على مواقفكم الداعمة لاستقلال لبنان، ووقوفكم إلى جانب الشعب اللبناني سيّما إثر انفجار مرفأ بيروت الأليم،
ولأنّنا نكنّ لمؤسسة رئاسة الجمهورية في بلادنا العربية كلّ الحِرص الوطني من تسلّلات التدمير والانتقاص الممنهج،
ونسعى إلى تحقيق حلم العدالة النبيهة،
ولانّكم آمنتم بدور المرأة وشرّعتم موجب احترامها وصونها،
ولأنّكم حرصتم على استقبالنا في بلاد المليون شاعر استقبال الأخوة الكرام الأفاضل،
ولأنّكم أصدرتم الأوامر بوجوب الحفاظ على أمننا وأماننا، كضيوف اختصاصيين متواجدين في بلدكم العامرة بالأدب والثقافة والفنون
وعبق التاريخ المشرّف،
أضع بين أيديكم ما يلي،
•تعرّضت وأتعرّض بصفتي الشخصية والمهنية من جانب محامين يمثلون في المحاكمة كطرف مدني
عن الدولة إلى إهانات وإساءات وقذف وسبّ وشتم، لم نألفها في أيّ محاكمة في العالم العربي بين الزملاء؛ لا لسبب سوى أنّي امارس مهنتي بجدّية، أجادل بالتي هي أحسَنُ بالقانون، وأرفض التمادي والتعالي عليّ ب"ذكورية" لفظية في أيّ ظرف كان، سيّما أثناء قيامي بواجبي المهني الذي ألتزم فيه بمعايير العلم والأدب والأخلاق.
ولأنّي، وبتواضع شخصي، وفخر مهني، تفوّقت بالحجج القانونية على ما قدّمه خصوم موكلي، وذلك بشهادة كبار القضاة والمحامين والأكاديميين من العالم العربي الخبراء في القانون الجنائي.
نقدّم لكم عيّنة موثّقة عمّا تعرّضت له في جلسات المحاكمة العلَنية:
•المحامي عبدالله احبيب، ترافع امام المحكمة مستشهداً بمقارنة مع قوانين الكيان الاسرائيلي، واصفاً الكيان الغاصب ب "الدولة"، ما استدعى رفضي أيّ ذكر لتشريعات العدوّ واعتراضي ومقاطعتي له وايقافه عن التمادي بهذه "السَقطة"، هو ومَن سقطَ معه.
النتيجة، يقذفني المحامي المذكور ويشتمني، في اكثر من جلسة محاكمة، وعلى مسمَع ومرأى الجمهور والزملاء والقضاة والإعلام ، وقد نقلت هذه الوقائع مواقع الكترونية وقنوات ومواقع عربية دولية، منها "العربية".
•المحامي فضيلي ولد الرايس، القاضي السابق، يصف خيار الرئيس عزيز بتوكيله محامية لبنانية مسيحية بالانحطاط.
يصفني وصفاً مشيناً، "ساقطاً" في ذلّة أخلاقية ليس أمام المحكمة مكانها، واقعاً في ارتكاب جرم مشهود أمام القضاء والمحامين والاعلام والجمهور بما هو خارج حدود المرافعة المسموح بها شرعاً وقانوناً وعرفاً دولياً.
•المحامي محمد عبد الرحمن ولد عبدي يتعرض لديانتي وشكلي وجنسيتي، ويطلب من المحكمة طردي لاني بحسب فكره لم احترم البلد بقدومي اليه دون غطاء على شعري، وذلك على مرأى من الجمهور والاعلام والقضاء، ناقلاً صورة غير حقيقية عن المجتمع في موريتانيا
ما دفع بقناة "بي بي سي" العالمية الى نشر تقرير عن الواقعة مدته نصف ساعة وكذلك قناة "الجزيرة"
وأيضا"، كُتبت مقالات اتهمتني بالتعرض لآداب المهنة، ونشرَ مدوّنون مأجورون الاساءات على صفحات جرائد الكترونية.
تصدّيت لما سبق بأخلاقي وأسلوبي، ودافع عني عمداء وزملاء محامين عريقين من داخل هيئة الدفاع وخارجها، فضلهم في قلبي ووجداني،
تصدّى القاضي عمار الأمين، رئيس المحكمة مشكوراً، و أكثر من مرّة بحضوري وغيابي،
واجهت ُ حيث يجب،
وترفّعت حيث يجب،
ولكنّ ما يحصل في هذه المحاكمة من تجريح واساءات بحقّ رئيس جمهورية سابق وعائلته ومحاميه وبحقّي،
لا يليق لا بالمجتمع الموريتاني،
ولا بأصول ممارسة مهنة المحاماة،
ولا بقاعدة التعامل بالمثل بين المحامين العرب،
ولا يليق بهيبة القضاء الذي يقف في كلّ مرة سدّاً مانعاً، فيفرض سحب المصطلحات المهينة .
لكنّ التمادي بات سيّد الموقف، حتى بات يبدو لنا وللرأي العام أنّه اسلوب معهود مدروس من جانب بعض المحامين
بعنوان "إشتم واسحب"، وانتهى الأمر .
ما استدعى منّا مراجعتكم بصفتكم أيضاً القاضي الأعلى.
فخامة الرئيس،
نحن من بلد الفكر والحرف، تعلّمنا في مدرسة الكرامة، وتربّينا على احترام الأديان ورموزها وشعائرها وعاداتها ومعتنقيها.
عائلاتنا أصيلة، وشهاداتنا العلمية من بين الأرقى في العالم، تدرّبنا في أهمّ المحاكم والجامعات الوطنية والدولية،
ولا نرضى، كما لا ترضون، أن يتمّ تقييمنا الشخصي والمهني بالحقد والتدليس والقدح والتحقير والذمّ باسم الحقّ بالمرافعة. كما ضرب جهودنا في الحياة، ومراكزنا، وأدبنا، وشرفنا وشرف بلادنا ومسيرتنا
في محاكمة رئيس جمهورية سابق على أرضكم وفي عهدكم ،
لا بدّ وأنّها تعني لكم الكثير، لأنها تتناول أولاً وآخراً مؤسسة رئاسة الجمهورية ومهامها وسلطتها وحصانتها.
فخامة الرئيس،
إنّ موقفكم الداعم للقضية الفلسطينية، ودعوتكم المجتمع الدولي إلى نصرة الإنسانية وإنقاذ القانون والاعراف الدولية والمعاهدات تركَ صدىً ايجابياً في نفسي حول الأهمية التي تولونها للقانون الدولي.
وهنا لا بدّ من أن نقول كلمة حقّ.
تشهد محاكمة رئيس جمهورية موريتانيا السابق محمد ولد عبد العزيز تشويهاً صارخاً لبنود اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقّعت وصادقت عليها الدولة الموريتانية وادرجت جزءا منها في نظامها التشريعي الداخلي في قانون مكافحة الفساد.
وتشهد القضية تضليلاً إعلامياً كارثيا في التأثير السلبي على الرأي العام بما سموه محاكمة الرئيس عزيز سنداً إلى "القانون الدولي "، وكأنّ الرأي العام جاهلٌ لا يقرأ، ولا يفقه القوانين، أو أنّ العالم العربي خلا من الخبراء والجامعات والكليات الحقوقية التي تتابعنا،
حيث باتت "قضية عزيز" محلّ دراسات واطروحات وأبحاث علمية.
وثّقت مقابلات اعلامية ظهر بها محامون موريتانيون على قنوات دولية ومحلية، وكذلك مرافعات أمام القضاء، تلطّيهم بالاتفاقية المذكورة من باب التظلي بها لتبرير محاكمة رئيس جمهورية بالقفز على الدستور،
ما أضفى على هذا الاسلوب الهشاشة والركاكة القانونية للقضية، امام المجتمع الحقوقي العالمي.
معلومٌ لدى كافة الامم ان الاتفاقية الدولية تحيل الى النظام التشريعي والمبادئ القانونية الداخلية،
وهي في موريتانيا لا تتقدم على الدستور، بل على القوانين.
الدستور الموريتاني
اعطاها كالقانون المصري واللبناني وغيره مرتبة اعلى من القوانين، ولكن ليس اعلى من الدستور.
وعجبي! من محامين من الطرف المدني، الذي طعنّا بشرعية تمثيله الدولة، يدلون بالعكس ولو على حساب السيادة الدستورية للدولة!!
نجحنا وبعد مداخلاتنا الاعلامية والمرافعات امام المحكمة الجنائية المختصة بالجرائم المتعلقة بالفساد والتي دفعنا امامها بعدم شرعيتها ودستوريتها لمحاكمة موكلنا،
في رفع الالتباس والخطأ القانوني في تفسير آلية تطبيق الاتفاقية الذي وقع به البعض، ما بدّل من الخطابات العلنية والخاصة،
فوضعوا جانبا "القانون الدولي" واستندوا إلى القانون الداخلي، بتفسيرات تارةً ضيقة، تارة ًواسعة وحدّث ولا حرج.
فخامة الرئيس،
إنّ محاكمة الرئيس محمد ولد عبد العزيز بُنيت على "نظريات" تفسير دستورية وقانونية لا محل لها لا في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ولا في النظام الدستوري والقانوني الموريتاني.
إنّ بعض أرباب هذه النظريات يتغنون بقربهم من فخامتكم، وبتقديركم الشخصي لهم، وباتخاذكم من بعضهم مستشارين قانونيين خاصّين، كما يروّجون،
ليسمحوا لأنفسهم، وبما لا أظنّ أنكم تسمحون، بالتمادي في الاساءات .
ندعوكم إلى اتخاذ ما ترونه مناسباً بصفتكم رئيس جمهورية حالي،
لوضع حدّ لانتهاكات القانون الدولي والدستور في القضية رقم ١/٢٠٢١
ورفع انتهاكات الحقوق التي تُمارس بحق رئيس جمهورية سابق.
أمّا بما يخصّني شخصياً،
يشرّفني فخامة الرئيس،
أنّي رفضت أن أُلبس ما مورس بحقي ثوباً نقابياً عاماً تمسّكاً بأهمية احترام حقوق الزملاء الموريتانيين الذين قد يترافعون في وطني لبنان،
ولأنّي أتمسّك بالحفاظ على مبدأ المعاملة بالمثل بين المحامين العرب، ولأنّ ما صدر لا يمثّل لا الدولة الموريتانية ولا الشعب الموريتاني ولا العدالة الموريتانية،
وإنّي ساعية باذن الله الى تمتين العلاقات بين البلدين والشعبين.
قرّرتُ وبإرادة منفردة، أن أتوجّه إلى فخامتكم بهذه الرسالة المفتوحة وكلّي ثقة أنكم لن تضيعوا حقي بوضع حدّ علني للإساءات التي أتعرض لها من جانب محامين يمثّلون الدولة، والتي تسبّب لي أضراراً فادحة خاصّة، نفسية ومهنية،
نصرةً لحقّ المرأة، وحماية لدورها وكرامتها،
ورِفعةً لمهنة المحاماة في موريتانيا والعالم العربي ،
وصوناً لواجبي ودوري كمحامية دفاع قَدِمت إلى بلدٍ شقيق أشعر فيه أني بين أهلي وعائلتي التي لا ترضى لنسائها أيّ هتك عرض،
وفي ركن دار رئيس جمهورية لا يتهاون مع من يتعرّض لكرامة وشرف ضيوفه،
ولا يسكت ولا يحمي من ينتهك حرمة الديانة المسيحية أو الإسلامية ومعتنقيها، على أرض موريتانيا الحضارة.
ولكم منّا جزيل الشكر،
وتفضّلوا بقبول أصدق التمنيات بدوام التقدّم والازدهار للجمهورية الاسلامية الموريتانية