يبدو أن العادات الاجتماعية الموريتانية بدأت تتأثر بالعولمة الجارفة التي طغت على كل شيئ في عالم اليوم وكسرت جدار الهويات الثقافات والعادات لمختلف الشعوب على الكرة الأرضية.
ولعل من آخر ما أثرت عليه العولمة في عاداتنا هو اعتماد "شهر العسل" بديلا لترتيبات حفل الزفاف الذي ظل وإلى عهد قريب أهم مظاهر الاحتفال بالأسرة الجديدة في المجتمع.
ويرى البعض أن سبب هذا التحول يعود للحرص على بناء الأسرة على أسس متينة تتجلى في التفاهم بين الزوجين منذ الأيام الأولى لارتباطهما بعيدا عن المؤثرات الخارجية كالأهل والأصدقاء والمتهمين على نطاق واسع في تعكير صفو العلاقات بين الزوجين والتسبب في الكثير من حالات الطلاق بالمجتمع.
وتعتبر موريتانيا الأكثر في نسبة الطلاق بين دول العالم العربي وكذا في نسب الفشل العائلي نظرا لسهولة الزواج والطلاق وعدم تدخل الدولة لضبطهما وترتيب الحقوق الواجبة على كل منهما وترك كل ذلك لصالح عادات بائدة لم تعد تواكب العصر.
في التحقيق التالي نتعرف على أسباب تغير عادة حفل الزفاف إلى "شهر العسل".
شهادات من الواقع...
ترى عينة من المستجوبين ان الفتيات المقبلات عل الزواج يولين "شهر العسل" عناية كبرى ولو على حساب حفل الزفاف نظرا للكثير من الاعتبارات.
تقول الشابة زينب شهر العسل يحفظ "لبريستيج" (جاه) العائلة ومن دونه سيلاحق "القيل والقال" العرسَين مهما بذلا من مال وجهد لإكرام الضيوف في حفل زفافهما".
ويرى العريس احمد الخارج للتو من شهر العسل انه ضروري كفترة هامة لكسر الحواجز بين الزوجين قبل الاختلاط بالعائلة، وخصوصاً أن فترة الخطبة قصيرة جداً في موريتانيا حيث لا تقبل العائلات بإطالتها حرصاً على السمعة ورغبة في إضفاء طابع رسمي على العلاقة وهو ما يمنع الشريكين من التعارف على بعض أكثر قبل الارتباط".
وتقول مريم وهي أم لبنت مخطوبة لا نحبذ إطالة الخطبة كثيرا في موريتانيا و لا نسمح بالتعارف الحقيقي للخطيبين في اللقاءات قبل إتمام مراسيم الزواج لأننا نعيش في مجتمع محافظ والعلاقات فيه بين الجنسين محدودة جدا ويكثر فيه القيل والقال في الأمور الاجتماعية ويصعب الحفاظ على العرض في ظل البيت المفتوح". مضيفة القول: "نرى إن أسلم فترة للتعارف الحقيقي هي بعد ترتيبات الزواج حيث يجب على العريسين أن يأخذا فترة "شهر عسل" في مكان يريان فيه راحتهما ويتعارفان ويتفاهمان ويضعان أسس حياتهما الجديدة دون أي تأثيرات خارجية.
باباه شاب مقبل على الزواج يرى أن أسباب حرص العائلات على الاهتمام بشهر العسل أكثر من مراسيم حفل الزفاف، يعود في جزء منه لصعوبة تغطية التكاليف المادية للمناسبتين في وقت واحد ولأهمية شهر العسل في المحيط الاجتماعي الموريتاني لمختلف الأسر في الوقت الراهن".
وبدوره يرى عيسى المقبل على الزواج ان صعوبة تكاليف الزواج في موريتانيا وتعدد المطالب لأهل العروسة المقبلة وعادات البذخ التي تصاحب وليمة الزواج جعلت الكثير من المقبلبن على الزواج يفضلون تكاليف ضئيلة مصاحبة للمراسيم الشرعية مقابل الاستمتاع بشهر عسل وراحة، بعيدا عن الضغوط الاجتماعية والمصاريف الباهظة في حفلات الزفاف التقليدية.
أهداف وأسباب....
رغم محدودية الفنادق وأماكن الراحة في البلد وغياب الكثير منها كالمنتجعات مثلا وصعوبة الوضع المادي العام فإن هنالك ارتفاعا في نسب الحجوزات الخاصة بشهر العسل في هذه الفترة من كل عام التي تتزامن مع عطلة رأس السنة الميلادية وعطلة دجمبر التي يستغلها المهاجرون والموظفون لإقامة أفراحهم بحضور أفراد العائلة والأهل والأصدقاء.
يقول المختار متعهد حفلات زفاف " إن شهر العسل فترة لا غنى عنها، نظراً للذكريات الجميلة التي تتشكل خلالها ولفائدتها على الشريكين اللذين يختليان بنفسيهما ويهربان من أجواء الفرح العائلي وكثرة الزائرين والمهنئين ويتخلصان من ضغط العادات التي تصاحب العرس الموريتاني وعادة ما يكون شهر العسل في الخارج بالنسبة للموسرين وبالنسبة لذوي الدخل المحدود يكون في إحدى الولايات الداخلية.
فالمهم هو الراحة وبقاء العريسين لوحدهما حتى يتعرفا على بعضهما وينسجان خيوط أسرتهما الجديدة في ظل تفاهم تام".
ويضيف "إن النساء الموريتانيات أصبحن مهووسات بشهر العسل، حتى إنهن في بعض الأحيان يتنازلن عن المهر ويتغاضين عن بعض الأمور في حفل الزفاف ويقبلن عدم إتمام بيت الزوجية لأنهن يعتبرن هذا الشهر هدية الزواج الرئيسية".
وننوه بأن "غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف العرس والعنوسة المنتشرة حالياً، أسباب تدفع الكثير من الأسر إلى البحث عن حلول لتسهيل الزواج وعدم ربطه بأمور غير مهمة ومكلفة".
ويقول الحافظ وهو عامل في فندق "إن الكثير من الأزواج يفضلون قضاء شهر العسل في محيط خارج جو العائلة، وتجبر الظروف المادية الصعبة الكثيرين على تمضية شهر العسل في ولايات غير ولاياتهم الأصلية". ويؤكد على أن شهر العسل ما زال يحتفظ بأهميته لدى المتزوجين حديثاً كما في السابق، وإن اقتصرت الفترة إلى أسبوع أو عشرة أيام بسبب ضغوط العمل أو ضعف الميزانية. ويوضح أن "الموريتانيين عادة ما يقضون ذلك خارج موريتانيا، مثل المغرب والسنغال وإسبانيا وفرنسا، ومنهم من يسافر إلى ماليزيا وإندونيسيا أو حتى أميركا. ومن لا يملك الإمكانات المادية يكتفي بإحدى المدن الداخلية".
سيد أحمد، العامل في جمعية غير حكومية لتسهيل الزواج خاصة للشباب، يقول أن على الجهات الحكومية ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات المعنية بتسهيل الزواج أن تنضم لمجهود تنظيم "شهر العسل" وتساعد في إقامة "شهور عسل" للمتزوجين الجدد خاصة ممن لا يملكون وسائل مادية أو لديهم وسائل محدودة لأن هذه الفترة ستساهم بالتأكيد في تثبيت دعائم الأسرة الجديدة
ويضيف وبذلك سنحارب ظواهر اجتماعية ضارة ومعيقة للزواج كغلاء المهور والتباهي بالتبذير والإسراف بالمناسبات الاجتماعية "حفلات الزفاف" خاصة.
إحصاءات هامة
نسبة العنوسة "تقديرات 40 %"
زواج المطلقات 70.5 %
نسبة الطلاق 44 %
سبب الطلاق "الخلافات البينية" 20 %
الطلاق بسبب الاكراه على الزواج16 %
الطلاق بسبب الخيانة 14 %
نسبة الزيجات الفاشلة 49 %
نسبة الطلاق اجمالا 42%
نسبة النساء في موريتانيا52 %.
رأي علم الاجتماع:
"شهر العسل ضمانة لاستقرار الزواج"
يقول باحث في علم الاجتماع إن شهر العسل يحظى بأهمية كبيرة في موريتانيا، إذ يضحي العروسان بكل شيء من أجل الحصول على فرصة للاستمتاع ببضعة أيام بعد الزواج. ويشير إلى أن أهمية شهر العسل عند الموريتانيين تصل إلى حد إلغاء حفل الزفاف أو الاستقرار مؤقتاً عند الأهل كحلّ لترشيد التكاليف وإيجاد ميزانية كافية لشهر العسل .
ويرى أنه بسبب العادات والتقاليد التي تحرّم اللقاء المباشر بين الخطيبين، فإن هذه الفترة وعلى الرغم من قصرها، إلا أنها الأساس الذي تبنى عليه العلاقة الزوجية الأيام الأولى وما تتخللها من مواقف تظل عالقة في الذاكرة وتزيد من ترابط الزوجين وصبرهما في فترات المشاكل والأزمات".
ويؤكد أن تخصيص شهر العسل وتجديده من فترة لأخرى مهم جداً، لاستقرار الحياة الزوجية وبعث روح التجديد والإثارة فيها. وينصح الأزواج "بعدم المبالغة في التخطيط لشهر العسل وتضييع الأموال على فترة قصيرة في مقابل التخلي أو تأجيل أمور مهمة في الحياة الزوجية ".
ويقول: "يكفي تخصيص ميزانية معقولة والسفر إلى منطقة قريبة، فالاستمتاع بالصحبة أهم من رؤية المناظر والسفر إلى الخارج، كما أن تحمّل الديون مقابل الاستمتاع بشهر العسل يمكن أن يؤدي إلى تدمير العلاقة الزوجية الوليدة وإنهاء الزواج في سنواته الأولى".
نقلا عن أسبوعية "الصحيفة"