بعد تأمل وإعادة قراءة متأنية لمضامين الملحق المشفوع بالوثيقة بنظرة واعية وموضوعية لما يحمله من إيحاءات سياسية وفكرية، خلصت إلى أن المقترح ينذر في مؤداه المتوخى منه بمخاطر جمة تهدد مرتكزات (الثابت الوطني) وتفتح باب الاحتمالات أمام المتغير المجهول إيذانا بانتكاسة تاريخية للمشروع الوطني...لذاك نرى ما يلي:
أولا - إن شركاء المنظومة السياسية في البلد هم ( مجتمعون) من لهم كامل الأحقية في الإشراك في صياغة البنية القانونية ذات الصلة بالممارسة الإنتخابية باعتبار هذه المنظومة هي المستفيد المفترض من المعالجة والإصلاح، وبقدر استفادتها المتوخاة نظريا تكون سواسية في الإشراك عمليا وعليه يكون أي انفراد بدراسة النظام الإنتخابي مخالفا لمقاصد النهج الديمقراطي بل وتهديدا للأمن القومي.
ثانيا - إن إعادة البحث في ملفات حقوق الانسان في راهن الحال ليس إلا محاولة لإحياء أزمة وطنية نجمت عن وضع سياسي سابق متجاوز لا يخدم اجتراره اليوم غير التحريض السياسي لواقع التعدد العرقي والتعريض بجيشنا الشريف والاستهتار بتضحياته وتهديد السلم الأهلي والإضرار بالوحدة الوطنية.
ونسجل بهذا الصدد :
١ - رفض تسييس القضية المعنونة بالإرث الإنساني.
٢ - إخراج القضية من دائرة التعاطي السياسي بعيدا عن الأحزاب والمنظمات غير الحكومية والقوى الأجنبية .
٣ - تثمين الخطوات المقام بها في المراحل السابقة(قانون العفو، التسويات المباشرة...).
٤- حصر الطرفية بين طرفي الشأن(الضحايا أو ورثتهم والدولة).
ثالثا - إن أسوأ ما في "الوثيقة المقترحة" خطورتها على الهوية الحضارية للمجتمع، فالنزعة إلى تعدد اللغات الرسمية إنما هي محاولة لتمييع المقوم الثقافي بما يعني الحيلولة دون ائتلاف أبناء الأمة في تصور موحد للهوية وانسجام فكري في الإنتماء.
إنه خلاف المألوف عالميا، فالبلد - أيا كان- لا يحتمل تعدد للغات الرسمية ووحدانية اللغة الرسمية ضرورة تلازمية مع الهوية الواحدة والعلم الواحد والشعار الواحد.
ثم إن أصحاب الدعوة إلى ترسيم اللهجات الوطنية(الإفريقية) يدركون جيدا أن دعوتهم تلك نشاز على الواقع القانوني والدستوري لدى دول الجوار المعنية -خلافا لنا- بالإشكال الثقافي وحاجات الترسيم.
وحتى لا نضاعف من عبء الإشكال اللغوي نسترعي الإنتباه إلى أن وجود اللغة الفرنسية (كلغة رسمية واقعا لا قانونا) كان له الأثر السلبي على وحدة المجتمع وقطع أدوات الإتصال بين المكونات المجتمعية فما بالكم لو زدنا من تعدد الترسيم اللغوي..؟؟ تلك -إذن- فكرة ستتحطم على صخرة الواقع في مواجهة القواعد العامة للسانيات والمناهج البيداغوجية.
وعلى صعيد آخر تعتبر هذه الجزئية شطبا على سجل نضالي مشرف من أجل الهوية وتعطيلا لمقتضى دستور 20 يوليو1991 الذي طالما شوشت عليه نزعات التشبث باللغة الفرنسية.
إنه من الجلي التناقض بين المنطق والسلوك لدى صانعي - الوثيقة المقترحة- فعلى الرغم من تشوقهم للديمقراطية فإنهم يضنون على أكثر من 85% من المكون الإجتماعي بحقه الحضاري ويحرمون المكون الزنجي من التشبث بسنة أسلافه في الاعتزاز باللغة العربية والتراث الإسلامي.. وأكثر من ذلك يكون المقترح جرما في حق المكونين معا ونسفا للناظم المشترك بينهما.
رابعا - إن الإهتمام بالقضاء على الآثار التاريخية لظاهرة الاسترقاق مسلمة إجماعية بيد أن التجربة أثبتت أن النصوص الزجرية واختلاق الآليات لا تشكل الحل الأمثل.
وتنطلق رؤيتنا في حزب الإصلاح للمسألة من الإعتراف مبدئيا بالحيف التاريخي الواقع على أخوتنا العرب السمر، ومن ضرورة انتهاج سياسة اجتماعية تكفل القضاء على الفوارق الناجمة عن الظاهرة، حسب الآتي:
١- تحقيق المساواة مع اقتضاء تمييز إيجابي لصالح المعنيين، عبر منح رخص الامتياز التي تمنح الدولة في المجلات الحيوية ( المعادن، الصيد، العقارات، البنوك التجارة ؛ الصناعة...لخ) من أجل خلق طبقة وسطى عريضة من العرب السمر
٢- إعادة النظر في الوضع العقاري بما يتلائم مع الحق التاريخي لهذه الفئة مراعاة لأهداف الإصلاح المتضمن في الأمر القانوني 127/ 1983 الذي ينهي الإقطاع العقاري والملكية الجماعية للقبيلة وإبدالهم بالتفريد وملكية الدولة ونتطابق بذلك التشخيص مع رؤية فخامة رئيس الجمهورية المقدمة في خطاب تشيت الأخير..
٣- تفعيل البعد الإجتماعي للمدرسة الجمهورية وفق المفهوم الوطني الشمولي في وحدة الطاولة المدرسية بين المواطنين وتقريبها من ضحايا الإسترقاق بالتعريب والكفالات ...
تلك هي النقاط الأربعة الأخطر (1,2,3,4) من ملحق الوثيقة المقترحة و التي لم نطلع عليها رسميا لتشبث معدها بالتستر عليها لإدراكه لما تحويه من الإثم ( فالإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) ولذا نرى أن ما تحيك هذه النقاط من أفكار يجب من المنظور الوطني تصنيفه في عداد المساس الخطير بالثوابت الوطنية وبالمقومات المجتمعية لكيان الدولة.
أما باقي مقترحات الوثيقة فليس إلا اقتباسا من المبادء الدستورية أو من مرامي البرنامج الإصلاحي الطموح لفخامة رئيس الجمهورية وهو ماض فيه تفكيرا وتنفيذا ومتابعة دون الحاجة إلى مباركة ممن هم في آخر القافلة.
إننا ندرك جيدا طبيعة الباعث الحقيقي لأصحاب وثيقة المقترح الذي لا يعدو كونه بحثا عن قوة قاهرة أو مدد صناعي لإلحاقهم بالمركب السياسي الذي تركهم على الأثر بعد معاناة طويلة من المراوحة اليائسة في تسويق هذه البضاعة المزجاة
لذلك فنحن على ثقة من أن فخامة رئيس الجمهورية يعي جيدا صورية الوثيقة والغايات التكتيكية لأصحابها.
ولا يفوتنا التأكيد على الاستخلاصات التالية:
أولا: عدم مراعاة (الوثيقة) للتطورات الحاصلة على مسار التحول السياسي والاجتماعي في البلد، بعد أكثر من ثلاثين سنة على دستور 1991.
ثانيا: تجاهل (الوثيقة) للظرف الإقليمي المحتدم بالصراعات، وما يشهده من متغيرات استقطبت اهتمام قوى دولية كبرى على نحو لم تعرفة القارة الأفريقية من قبل في تتطلع جيلها الجديد إلى استئصال ديمقراطية ( لابول) ونظام الحكامة والوصاية الفرنسية الرافضة للسيادة والهوية الوطنية.
ثالثا: النزعة الإقصائية لمقدمي الوثيقة بدلالة القفز على واقع الخريطة السياسية بالعزوف عن إشراك باقي الأحزاب .
رابعا: المخاطرة بالمآلات غير المحسوبة والرعونة في تقدير احتمالات الموقف الوطني، من خلال الإثارات المتعمدة حول قضايا من شأنها المساس بوحدة الهوية والإنسجام المجتمعي، وهيبة المؤسسة العسكرية الشريفة...