الشيخ بدي ابراهيم الغيلاني
عالم التواصل الاجتماعي، هذه المساحة الرقمية الشاسعة التي تجمع بين الأصوات والأفكار من مختلف الأنحاء. هنا، نمتلك حريةً مذهلة للتعبير والتفاعل وتقديم الإبداعات. لكن هل يمكن لهذه الحرية أن تكون مسؤولة؟ هل يمكن للإبداع أن يتداول بحرية دون أن يتم انتهاك حقوق الآخرين؟
في سياق هذا الموضوع، دعونا نستعرض سيناريو تكرار المحتوى المعبّر بالطرق ذاتها، بمفردات مماثلة، وبأسلوبٍ يشبه نسخةٍ إلى نسخة. قد يبدو هذا الأمر مألوفًا؛ حيث يمكن للقصة الرائعة أن تجذب انتباهنا في البداية. قد تلامس الرواية خيوط القلب وتنسج علاقات مع عوالم جديدة.
ولكن ماذا إذا كُرّرت الرواية مرارًا وتكرارًا، بلا تغيير ولا تجديد؟ ماذا لو جاءت في كل مرة بنفس الأسلوب الذي تعودنا عليه؟ هنا يبدأ السؤال الحقيقي، هل هذا ما نعرفه بالإبداع أم بالتقليد الأعما؟
على منصات التواصل الاجتماعي، تنعدم الحدود. الأفكار تتداول بين الأفراد وتنتقل بسرعة الضوء. ولكن إذا انحصر الإبداع في تقديم الأمور بنفس الأسلوب وبنفس العبارات، هل نفتقر إلى القدرة على الابتكار؟
تبدو هذه الحالة كما لو أن الفنان رسم لوحة جميلة، ثم استمر في نسخها مرارًا وتكرارًا بدون أي تغيير. قد يبقى لدينا الاعتراف بالجمال في البداية، ولكنها سرعان ما تفقد تأثيرها السحري.
تكمن جمالية الإبداع في تقديم طرقٍ جديدة للنظرة إلى العالم، في إبراز التفاصيل المختلفة، في توصيل المشاعر بأسلوبٍ فريد. عندما نستمتع برواية أو قصة أو شعرٍ بلمسةٍ خاصة، نترقب دائمًا تجديد تلك اللحظة.
ولكن ماذا لو حُرِمنا من هذا التجديد؟ ماذا لو لم نجد سوى نسخٍ ولصقٍ متكرر؟ قد نشعر وكأننا نسمع نفس الأغنية مرارًا وتكرارًا بدون تغيير.
هنا تبرز أهمية الإلهام والإبداع. يمكن لمشاركة الأفكار المستوحاة أن تُثري الحوار وتفتح الأبواب لعوالمٍ جديدة. لا ينبغي أن يكون الهدف هو محاولة تكريس نفس القصة مرارًا وتكرارًا، بل أن نجعلها تتحدث بأصواتٍ جديدة، بألوانٍ مختلفة.
على منصات التواصل الاجتماعي، نحن مدعوون لتقديم مساهماتنا بطرق تحترم حقوق الآخرين وتُقدّر الإبداع المستقل. عندما نشارك محتوى أصليًا بتعليقات تفيده وتثريه، نجمع بين الحرية والمسؤولية في تجربة تواصل تثري الفرد والمجتمع.
في النهاية، حريَّة التعبير تأتي مع مسؤولية كبيرة. إذا كانت لدينا الحرية لتقديم أفكارنا وآرائنا، فيجب أن نكون على استعداد لاحترام حقوق الآخرين ومساهماتهم. الإبداع الحقيقي لا يأتي من نسخ ولصق المحتوى، بل من تقديم نقاط نظر جديدة وطرق فريدة للتعبير.
تكمن قيمة المحتوى في توصيل فكرة أو قصة بأسلوبٍ يلامس المشاعر ويثير الفضول. عندما تُعاد قصةٌ ما بنفس الكلمات والعبارات بدون تغيير، يمكن أن يُفقد هذا المحتوى متعته وفائدته. يصبح مكررًا وربما يفتقر إلى الروح التي جعلته مميزًا في البداية.
لذلك، دعونا نسعى دائمًا لإثراء المحتوى المشترك بلمساتنا الشخصية. يمكن أن يكون ذلك من خلال تقديم تفسيرات جديدة، أو إضافة ملاحظات شخصية تعكس فهمنا ورؤيتنا. هذا لا يعني أننا يجب أن نعيد صياغة كل جملة، بل أن نستمتع بتقديم أفكارنا بأسلوبنا الفريد.
المنصات الاجتماعية تقدم لنا فرصةً لتبادل الأفكار وتقديم المساهمات بحرية. ولكن هذه الحرية تأتي مع مسؤولية تجاه الإبداع الأصلي واحترام حقوق الآخرين. عندما نُشارك محتوى آخر، لنجعل ذلك بطريقة تُظهر امتناننا وتقديرنا للمبدع الأصلي.
في الختام، دعونا نسعى لتحقيق توازن بين حرية التعبير واحترام الملكية الفكرية. الإبداع يزدهر عندما نُقدم أفكارنا بأسلوب مميز، ونحترم في الوقت نفسه حقوق الآخرين في الإبداع والتميز. لنجعل من منصات التواصل الاجتماعي مجالًا ينعكس فيه الإبداع الحقيقي وثقافة الاحترام والتقدير.