تعاني منطقة غرب إفريقيا منذ فترة من إضطرابات عميقة و عدم إستقرار سياسي خطير.
واقع شكل بئة خصبة ومناسبة للإطاحة بالأنظمة الديمقراطية المنتخبة و القائمة مع اتساع و انتشار موجات عدوي الإنقلابات داخل المحيط الإقليمي.
سرعان ما تحظي هذه الإنقلابات المتكررة بإجماع عسكري و تأييد شعبي واسع رغم إختلاف طبيعتها من انقلاب نخبة عسكرية علي رئيس منتخب إلي انقلاب نخبة عسكرية علي نفسها.
تثير في عمومها موجات إدانة و استنكار واسعة و مواقف دولية مطالبة بالإفراج الفوري و إعادة السلطات الدستورية و العمل بروح الدستور.
قد لا يمنع من وجود مفاوضات وترتيبات غير معلنة مع الأطراف المختلفة.
سرعان ما تتقلص هذه المواقف و يتلاشى هذا التعاطف مع مرور الزمن من خلال تجاوز بعض المعطيات و السكوت عن الممنوع منها في ظل تراجع وتيرة الرفض و حجم ضغوط المجتمع الدولي و الإتحادين الأوروبي و الإفريقي اتجاه الإنقلابيين بحكم العجز و الفشل في إيجاد حلول بديلة و تبني وسائل ردع مؤثرة في ظل ضعف تأثيرات العقوبات و عدم جدوائيتها و تقاطع المصالح و بالتالي الإستسلام و الإعتراف بأمر الواقع في إطار الشرعنة لمرحلة انتقالية جديدة وهكذا دواليك.
مما عزز من تنامي و تفشي هذه الظاهرة سيئة السمعة و مخلة بالقيم الديمقراطية و معيقة للتنمية المستدامة.
و يفاقم أيضا من تهديد الإرهاب و التطرف العنيف و الإنفلات الأمني داخل المنطقة.
في حين يري بعض المحللين للشان الإفريقي أن إفريقيا مازالت بحاجة ماسة إلي بناء مؤسسات راسخة تمنع تكرار هذه الظاهرة بقوة القانون و الدساتير و تعمل علي ترسيخ مفاهيم الحكم الديمقراطي و المدني علي جميع المستويات .
خاصة في ظل عدم استيعاب الدور الوطني للجيوش.
و عدم ممارسة النخب السياسية لما يكفي من العمل الديمقراطي و الإلتزام بالتناوب الديمقراطي و الإبتعاد عن تكريس حكم الفرد و تغليب المصلحة العامة علي الخاصة و محاربة الفساد في كل تجلياته.
جاء الإنقلاب الأخير في.جمهورية النيجر آخر معاقل النفوذ العسكري الفرنسي و الحليف الوحيد الاستراتيجي داخل المنطقة و سط تحديات أمنية كبيرة و في ظروف دولية و إقليمية خاصة و في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة و تأثيراتها علي أسواق المحروقات و الحبوب.
و بالتزامن مع انعقاد القمة الروسية الإفريقية في سان بطرسبرغ و ما صاحبها بالمقابل من تلويح غربي بفرض عقوبات عبر المؤسسات المالية البنك و صندوق النقد الدولين المهيمنة و المتحكمة في اقتصاد العالم.
علي كل من يتعاون مع روسيا من الدول الإفريقية في ظل عجز الولايات المتحدة الآمريكية لتصدي و مواجهة الدول المطالبة بالتعددية القطبية ( روسيا و الصين ....) الخ.
جاءت ردود الفعل و المواقف إزاء الإنقلاب في النيجر متباينة من خلال الإدانة الدولية الواسعة والمطالبة بالإفراج الفوري عن الرئيس المخلوع و العودة الي الحياة الدستورية بالإضافة إلي ما حملته دعوات المجتمع الدولي و الإتحادين الأوروبي و الإفريقي من تلويح بفرض عقوبات علي قادة الإنقلاب سوف لن تكون الأنجع من سابقاتها في ظروف و مناسبات مشابهة.
في حين دخل قائد قوات فغنر المتواجدة داخل المنطقة علي خط الأزمة في إطار صراع النفوذ العسكري الروسي داخل القارة السمراء .
حيث أشاد بالإنقلاب واصفا إياه بأنه انتصار لإرادة الشعب النيجري في وجه الإمبريالية العالمية.
ما ساقه القادة الجدد للإنقلاب في سياق دوافع و أسباب الإستلاء علي الحكم و الإطاحة برئيس منتخب ليس سوي تبريرات اعتادها الإنقلابيون في هكذا ظروف غير مقبولة ديمقراطيا في ظل نظام مدني منتخب تم إسقاطها علي مقاسات جلباب العسكر بحثا عن مسوغات من قبيل إستمرار تدهور الأوضاع الأمنية و سوء الإدارة الاقتصادية و الإجتماعية في البلاد مما يتطلب إعادة تصحيح مسار.
بينما أرجع آخرون دوافع الإنقلاب إلي نية الرئيس المخلوع بازوم عزل الجنرال عبد الرحمن تشياني قائد الحرس الرئاسي من منصبه ضمن خطة للتخلص من صراع الأجنحة داخل النظام الحاكم.
نسخة طبق الأصل لسيناريوهات انقلاب موريتانيا 2008 م الذي تمت الإطاحة من خلاله علي أول رئيس مدني منتخب في عهد التعددية الحزبية المرحوم سيدي ولد الشيخ عبدالله من طرف قائد حرسه أنذاك الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز.
لاشك أن معظم الأزمات التي تعاني منها إفريقيا اليوم ترتبط بميراث الفترة الإستعمارية و غياب القيادة الصالحة بالإضافة إلي سوء إدارة الدولة و تراكم الفساد و هشاشة المنظومة الصحية و فشل نظام التعليم و ارتفاع المديونية و الأسعار و تدني مستوي المعيشة و تراجع النمو و انتشار البطالة و إثارة النعرات و النزاعات و الإحتراب الطائفي و الإثني.
مما ساهم في عدم تحقيق غايات التنمية المنشودة.
و زاد من تفاقم أزمة هجرة الشباب و الكفاءات خارج الديار في ظل عجز و فشل سياسات الحكومات لتشغيل و اندماج الشباب داخل الأوطان.
تأسيسا لماسبق يلاحظ جليا أن أغلب الدول الناطقة بالفرنسية و المستعمرة سابقا تصنف اليوم من أكثر دول القارة الإفريقية فقرا و أقلها إستقرارا حيث مازال أكثرها يخضع لأنظمة سلطوية أو تعاقبت فيه إنقلابات عسكرية مقارنة بالدول الناطقة.بالإنجليزية الأكثر إستقرارا و الأنجع إقتصادا.
وضع ألقي بظلاله علي العلاقات جيوسياسية و المزيد من التوتر في المواقف الدولية من دول المنطقة اتجاه فرنسا لتبنيها سياسات و استراتيجيات خاطئة ضد حكومات و شعوب مناطق نفوذها التاريخية مما أفقدها دورها الريادي و قلص من نفوذها لصالح قوي اقتصادية و عسكرية صاعدة كروسيا والصين و تركيا ...الخ
يجمع بعض المختصين في قضايا الأمن و التطرف والإرهاب أن من شأن دخول النيجر في فوضي سياسية و أمنية عارمة أن تكون له تداعيات عصيبة داخل منطقة الساحل الإفريقي و علي الدول العربية المجاورة علي غرار الجزائر و ليبيا و ايضا موريتانيا و السودان بحكم و قوعهما في منطقة الساحل سواء من حيث تدفق المهاجرين و المجموعات المسلحة المرتزقة و الإرهابيين و نشطاء الجريمة المنظمة و ضياع المصالح الاقتصادية و الإستراتيجية.
إننا في محيط إقليمي و دولي نؤثر كما نتأثر.
فإلي متي ستظل الإنقلابات العسكرية تجسد و تكرس لعقدة الأفارقة في تدبير الوصول إلي السلطة ؟!
حفظ الله موريتانيا .