تكررت حالات الإساءة إلي مقدسات المسلمين في الآونة الأخيرة بشكل مثير و لافت للنظر ، نالت من الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم و من كتاب الله عز وجل و غير ذلك من المقدسات الإسلامية .
حملات إساءة متكررة و تشويه صورة الإسلام و ربطه زورا بالإرهاب و التطرف بدوافع كراهية و حقد دفين اتجاه المسلمين ليس إلا.
كما تنوعت مصادرها و تعددت اتجاهاتها مما يوحي و ينم عن منهجية غربية ثابتة و معادية في مواجهة معتقدات الأمة الإسلامية و ثوابتها.
فلا شك أن هذه الإساءة تصرف مدان وعمل مرفوض شرعا و عقائديا
و ان مقاصد تعمد الإساءة يدخل ضمن الصراع الأزلي بين الحق و الباطل و هو الرغبة في القضاء علي الإسلام لكن هيهات !!! ( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ) صدق الله العظيم.
التمادي و الإصرار علي الإساءة من خلال مسوغات و حجج واهية تارة بحجة حرية التعبير عذر أقبح من ذنب و جريمة لا تغتفر في حق الإنسانية.
لكن أن تأتي هذه الإساءة و للمرة الثانية من بين ظهرانينا و من داخل مجتمع مسلم محافظ و من خلال أكبر مسابقة تعليم علي المستوي الوطني نضجا فتلك مسألة فيها نظر!!!
ينبغي أن لا تقف عند حد الإنفعال العاطفي العفوي المجرد.
إن نصرة النبي صلي الله عليه و سلم من أقوي الجهاد في سبيل الله و و من أسمي واجبات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لقوله تعالي في سورة التوبة ( إلا تنصرونه فقدنصره الله ) و كذلك أيضا في سورة الصف ( يا أيها الذين آمنوا كونوا انصارا لله كما قال عيسي ابن مريم للحواريين من انصاري إلي الله ...) صدق الله العظيم .
فمهما أستهزأ المستهزئون و سخر الساخرون فإن الله تعالي قد تكفل بحماية نبيه و نصرته منذ أكثر من أربعة عشر قرنا و نيف و سيظل الأمر كذلك إلي أن يرث الله الأرض و من عليها .
كما في الآية الكريمة من سورة المائدة( و الله يعصمك من الناس ) و كذلك في سورة الحجر ( إنا كفيناك المستهزئين ) و أيضا كما في سورة الكوثر ( إن شانئك هو الأبتر ) صدق الله العظيم .
لقد أثار هذا التباطؤ و التراخي الحاصل في قضية المسيء الأخير حفيظة الشارع الموريتاني و خلق مخاوف لدي البعض من التساهل و التستر في هكذا أمر .
في ظل عدم الإعلان رسميا عن هوية المسيء لحظة اكتشافه و كشف المستور منها وفضحه أمام الملأ و اضطلاع الرأي العام علي ملابسات و تفاصيل القضية التي شكلت رأيا وطنيا أعاد إلي الأذهان قضية المسيء الأول ولد امخطير التي أثارت موجات غضب واسعة و جدلا فقهيا كبيرا حينها بين قائل بقبول توبة من ساب الرسول صلي الله عليه وسلم و رافض لذلك لدرجة قيام الحد عليه حتي الموت.
و بعد قرابة خمس سنوات من الإحتجاز بين أخذ و رد حكم عليه قضائيا بالإعدام في تهمة الردة و إهانة النبي صلي الله عليه وسلم.
فترة زمنية كانت كفيلة و كافية لإمتصاص غضب الشارع و فرصة لترتيب خروجه و إطلاق سراحه في خطوة مفاجئة و بضغط من جهات و منظمات دولية هيأت له المأمن و المأوي لاحقا.
تفيد المعلومات والتسريبات حينها أن معظم الفقهاء أفتوا رئيس الجمهورية انذاك بأنه يجوز إطلاق سراح المسيء إلي النبي صلي الله عليه وسلم بعد أن يعلن توبته علي التلفزيون و هو ما حصل في شبه إخراج مسرحي
اللافت فيه أن هؤلاء العلماء هم من طالبوا في السابق بإعدام المسيء و رفضوا حكم القضاء بإطلاق سراحه بعد توبته أمام محكمة الاستئناف متمسكين بمشهور مذهب الإمام مالك و هو أن الزنديق يقتل ولو تاب.
أي مفارقة إذن ؟
إن الشارع الموريتاني يتطلع اليوم أكثر من أي وقت مضي إلي الإحتكام إلي الشريعة فمن قتلته الشريعة فلا أحياه الله.
خاصة إذا ما علمنا أن تنامي ظاهرة الإساءة إلي المقدسات و إلي الرسول صلي الله عليه و سلم داخل مجتمعنا مردها الإبتعاد و التخلي عن قيم و مبادئ الإسلام السمحة في ظل إكراهات و تأثيرات عولمة أختزلت المسافات بين العالم عبر فضاء أزرق و سوشيال ميديا بلا حدود استباحت البيوت و المحرمات و الثوابت الدينية و الوطنية و الأخلاقية .
و أثرت سلبا في سلوك و مسلكيات الفرد و المجتمع .
في ظل امتناع و عزوف الأجيال الصاعدة من الشباب للرجوع إلي الدين و الرغبة في التحرر من تقاليد و عادات و ضوابط المجتمع المحافظ..
بالإضافة إلي تراجع دور رجال الدين من علماء و فقهاء في تبيان شرع الله و قول الحق و إنارة الرأي العام في كل القضايا التي شكلت مواقف متباينة و مصدر غلق لدي البعض و خاصة في هكذا ظروف.
تأسيسا لما سبق فإن ثمة عدة عوامل ساهمت من بين أمور أخري في تنامي هذه الظاهرة داخل أوساط الشباب تسببت في هذا السقوط الحر نحو التهلكة.
‐ تدني مستوي التعليم تراكميا و ضعف المنظومة.
‐ عجز النخب الدينية و الثقافية و الوطنية في خلق وعي ديني و وطني داخل المجتمع.
‐ طغيان المادة.
‐ تراجع دور الإعلام الوطني المسموع و المقروء في التوعية و عجز المرئي عن ملأ الفراغ.
- عدم خضوع و سائل التواصل الإجتماعي للرقابة الصارمة.
‐ تراجع وتراخي دور الأسرة في التوجيه و الرقابة.
‐ تقلص حجم الصحوة داخل المساجد و تراجع مستوي الدعوة لتغيير المنكر و التوعية عبر المنابر.
‐ التساهل و عدم الصرامة في تطبيق الشريعة.
في حين ثمة من يري أن لا حاجة في عرض هذه المسألة من جديد علي هيئة العلماء بحكم ما حصل من تبيان حكم فقهي في سابقتها.
لعل هذا ما جعل هيئة علماء الموريتانيين تجيز علي وجه السرعة إحالة صاحب الورقة المسيئة إلي الجناب النبوي الشريف إلي القضاء لإقامة الحد عليه دون إطالة أو مماطلة.
الشئ الذي أكده جليا وزير الشؤون الإسلامية و التعليم الأصلي السيد اداه ولد اعمر طالب في خضم خرجته الإعلامية المنتظرة في إطار مخاطبته الرأي العام بأن ورقة الإساءة أحيلت إلي هيئةالعلماء لتبيين الموقف الشرعي والعمل بمقتضاه حرفيا.
كما أضاف أيضا و بين أن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مهتم وعلي اضطلاع تام بالقضية و يتابع من الوهلة الأولي موضوع الإساءة و أنه أكد عليه ضرورة اتخاذ موقف يبرئ فيه ذمتنا قمة و قاعدة أمام الله.
هكذا تم الإعلان عن الموقف الرسمي اتجاه القضية.
(قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) صدق الله العظيم .
في حين يظل من الضروري مواكبة الحكومة و رجال الدين من علماء و فقهاء وفاعلين اجتماعيين للعصر و لوسائل التواصل الإجتماعي و ما أحدثته من ثورة و تغيير في المفاهيم داخل المجتمع قد تحتاج إلي أكثر من رأي فقهي و ديني في انتظار تبني استراتيجية وطنية جديدة للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قبل فوات الأوان .
نسأل الله تعالي أن يهدينا و يهدي بنا و يجعلنا سببا لمن اهتدي.
و صل اللهم وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله و صحبه حق قدره و مقداره العظيم.
كل عام هجري و انتم بخير و صحة و عافية و هداية.