تأتي مناسبة ذكري الستين لتأسيس وقيام الاتحاد الافريقي الذي يصادف 25 مايو من كل سنة .
في ظل ظروف إقتصادية و سياسية خاصة و تحديات أمنية و مناخية تشهدها القارة علي نحو غير مسبوق وفي وقت يعاني فيه العالم تراجع معدلات نموإقتصادي يصاحبها إرتفاع في التضخم ما أثر بدوره علي القارة الإفريقية .
حيث لا شك ان معظم الأزمات التي تعاني منها افريقيا اليوم ترتبط بميراث الفترة الإستعمارية
وغياب القيادة الصالحة بالإضافة الي سوء إدارة الدولة وتراكم الفساد وهشاشة المنظومة الصحية و فشل نظام التعليم وارتفاع المديونية والصراع الطائفي و العرقي....الخ
مما ساهم في عدم تحقيق غايات التنمية المنشودة .
إن السياسات الخاطئة والظالمة للمجتمع الدولي و الحكومات الغربية اتجاه حكومات وشعوب القارة الأفريقية المبنية علي منطق دول مانحة واخري مستفيدة في ظل صراع المصالح المحتدم بين القوي الإقتصادية العالمية في القارة ،هي التي زادت من تفاقم و تفشي الفساد وتردي الأوضاع.
وفتح الباب امام الاهتمام المتزايد بالقارة الأفريقية لكل من الصين وروسيا و تركيا وعودة النفوذ الجيوسياسي العالمي .
تعتبر افريقيا محط طموحات يمكن ان تختار شركائها بنفسها طبقا لما يلائم مصالحها و توجهاتها في ظل مجموعة من المتغيرات يجب ان تشكل قطيعة تامة مع ممارسات الماضي وسياساته المؤلمة.
فحكومات وشعوب القارة اليوم ينبغي أن تتطلع اكثر من اي وقت مضي الي شراكة واسعة مع مختلف القوي الاقتصادية العالمية قائمة علي الثقة المتبادلة و الفهم الواضح للمصالح المشتركة عبر رؤي واسترتيجية شاملة للإستثمار تؤسس لعلاقة اقتصادية قوية واستقرار دائم من خلال المحاور والآليات التالية : ‐
1 - سعي القوي الاقتصادية العالمية الجاد الي دعم وايجاد الحلول الناجعة للنزاعات و الحروب الأهلية الإفريقية كخطوة أولي نحو الإستقرار.
2 ‐ العمل علي صناعة واشاعة ثقافة السلام و التسامح في إفريقيا.
3 - ضرورة تمسك دول القوي الاقتصادية العالمية باحترام المبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد و دولة القانون و حماية حقوق الإنسان و الابتعاد عن سياسة الكيل بمكيالين
4 - الغاء المديونية و إطلاق حزمة استثمارات دولية أفريقية طموحة تعمل علي تحسين وتقوية اقتصاد بلدان القارة .
5 - توجيه الدعم ليلامس عمق المجتمع من خلال الدعم المباشر لتنمية محلية لها القابلية لخلق فرص عمل في الأوساط الهشة و امتصاص اكبر كم من البطالة كعامل استقرار سيحد من عمليات الهجرة غير شرعية وعدم تقوية و دعم الجريمة المنظمة بالعنصر البشري .
6 - عدم قبول منطقة الاتحاد الأوروبي ومناطق العالم ملاذ آمن من التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتهريب أموال الشعوب الأفريقية المسروقة باعتبار ان القوي الاقتصادية العالمية شريك وفاعل اقتصادي داخل القارة السمراء .
7 - التخلي تماما عن استباحة الاراضي الأفريقية بحجة الحرب علي الإرهاب والتطرف عبر انتشار قوات أمن خاصة وكبيرة ،فحكومات المنطقة لها سياساتها الامنية و آلياتها الرادعة في هذا المجال فأهل مكة ادري بشعابها.
8 - يجب ان يقتصر العمل في هذا الشأن علي تقديم الدعم اللوجستي المباشر والتكوين العسكري المستمر لابناء القارة وتبادل المعلومات الاستخباراتية سبيلا في كسب الخبرة وضبط الأمور.
9 - تمكين القوة المشتركة لدول الساحل من القيام بالدور المناسب و المنوط بها كتكملة اساسية لجهود بناء السلام وإضفاء الشرعية الدولية علي كل تحركاتها اقليميا و تقديم كل الدعم العسكري و اللوجستي لها ورصد كل التمويلات الضرورية للقيام بمهامها في ظل تحديات أمنية خطيرة قائمة داخل المحيط الإقليمي لدول الساحل كالتطرف والإرهاب والجريمة المنظمة ....الخ .
علي غرار ما حصل ومازال يحصل داخل أراضي مالي الشقيقة و غيرها من دول المنطقة بعيد خروج و إخفاق قوات برخان الفرنسية ميدانيا و دخول مجموعة فغنير الروسية من الباب الواسع كبديل لقوات فرنسا في مناطق نفوذها التاريخية و التي لم تغير بدورها أو تحد من مستوي العنف و العنف المضاد ضمن مهامها داخل المناطق المالية.
دون ان ننسي او نتناسي الإشادة الواسعة بالدور الريادي لموريتانيا في قوة الساحل الصاعدة علي المستوين السياسي و العسكري عبر العمل الدؤوب و السعي الي تقارب وجهات النظر و الطرح بين قادة دول الساحل حول ضرورة إرساء وتبني سياسة أمنية مشتركة قوية علي وقع المقاربة الأمنية الموريتانية و ما شهدته من استقرار أمني وسياسي .
مدعوما بتعزيز المنظومة العسكرية وجاهزيتها للتدخل في اي وقت وتحت اي ظرف .
في ظل ضبط محكم للحدود ومنافذ العبور عبر انشاء مناطق عسكرية معزولة متاخمة لطول حدود الصحراء الكبري الممر الرئيسي لتهديدات الإرهاب و الجريمة المنظمة مما ساهم ايجابا في الحد من و تيرة و مخاطر
التهديدات الأمنية وانعكاساتها علي البلد .
إننا في محيط إقليمي ودولي نؤثر كما نتأثر.
إن القارة الافريقية اليوم تجد نفسها أمام تحاديات كبري جسام : -
أولها تداعيات الخروج من تبعات جائحة كورونا المتحورة التي شلت اقتصاد العالم كما شلت حركته .
بالإضافة إلي ما يشهده العالم من أزمات متكررة متباينة نتيجة تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة و انعكاسها علي أسواق المحروقات والحبوب .
كما تسببت في التراجع الكبير و النقص الملحوظ علي مستوي حجم الدعم الدولي و التمويلات و تجفيف منابعها و مصادرها مما كان له الأثر الضار المباشر علي الإقتصاد الإفريقي المشلول والمعدوم في الأصل.
إن الأوضاع المتسارعة و المتأزمة التي شهدها السودان الشقيق مؤخرا في ظل الصدام الحالي والصراع القائم بين الجيش الوطني و مابات يعرف بقوات الدعم السريع تغذيه جهات خارجية تعكس صورة فوتواغرافية لمستوي و هشاشة الوضع الأمني داخل دول القارة.
واقع ألقي بظلاله علي إستقرار و أمن السودان حيث تسبب هذا الإقتتال في مئات القتلي و الجرحى و تهجير و تشريد آلاف العائلات مما ضاعف من خطورة الوضع في ظل عجز بعض المنشآت الصحية عن العمل و عدم قدرة الآخر علي إستعاب المزيد و تصاعد مستوي الإنفلات الأمني مع فشل عدة محاولات لتحقيق الهدنة و عجز الملتزمين و الموقعين علي اتفاق جدة لإحتواء الأزمة من خلال وقف إطلاق نار شامل و فتح ممرات إنسانية .
إن إستمرار الأزمة يقع علي كاهل طرفي النزاع و الجهات الخارجية الداعمة لكل طرف .
لذا ينبغي علي هؤلاء الأطراف جميعا تغليب المصلحة العامة علي الخاصة حرصا علي أمن وإستقرار السودان قبل أن يتحول إلي دولة فاشلة لا قدر الله.
بالإضافة إلي ضرورة تحرك المجتمع الدولي بالتنسيق مع الإتحاد الإفريقي ضمن مساعيه الحثيثة لوقف إطلاق النار و الدخول في مفاوضات جادة لدعم وتعزيز مساعي السلام و المحبة بين أبناء الشعب الواحد.
في حين و علي الرغم من الهواجس و التحديات يبقي من الجائز إبقاء الأمل قائما و المراهنة علي نهوض مستقبلي لإفريقيا علي ضوء عوائد انتاج نفط و غاز مرتقبة و احتياطات كبيرة من الطاقة الأحفورية و استغلال مشاريعها في مجال الطاقة المتجددة الآخذة في التوسع مما يعزز مسار التنمية الإقتصادية و يوفر مصادر العيش للملايين بالإضافة إلي انعكاساته الإيجابية علي قطاعات الصحة و التعليم و ضخ المياه و تحليتها و الأغذية الزراعية.
كما يري بعض المراقبين للمشهد السياسي الإفريقي ان القناعة الراسخة و الوعي السياسي الحاصل إفريقيا و الرافض ديمقراطيا لعهدة أو ولاية ثالثة للرؤساء علي مستوي القارة هو مؤشر جيد لمستوي النضج نحو إشاعة ثقافة التناوب الديمقراطي السلمي و احترام المضامين الدستورية.
هذه أمور من بين أخري ستجعل من المواطن الافريقي البسيط يحتار من أمره في هكذا ظروف غير مستقرة ولا آمنة بين الإنصياع و الإنخراط في دوامة العنف والعنف المضاد أو الاستكانة لظروف معيشية ضنكة وصعبة لا تحتمل الإنتظار الطويل أو التفكير مليا في رحلة موسم هجرة خارج الديار تتطلب هذه المرة عبور محيط أطلس و قفز من فوق جدار عازل بين دولة المكسيك و الولايات المتحدة الآمريكية سعيا وبحثا عن غد أفضل و حياة كريمة قد لا تكون أكثر مما تتخيل.
حفظ الله إفريقيا من كل سوء و فتن .
اباي ولد اداعة .
.