الأستاذ محمدو بن البار
تركزت الحلقة الأولى على إظهار أن موضوع القرآن كله هو الإنسان: نشأته؟ وكيف خلق؟ وكيف يحي في الدنيا؟ وعن مصير حياته في الآخرة؟
كل هذا جاء مفصلا في القرآن {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم} إلا أن ما كان منه فى الحياة الدنيا رأيناه كما هو بأعيننا ومنه كيف بدأ خلقنا ونحن في أرحام أمهاتنا، ومدة ذلك حتى وصولنا إلى الدنيا، وبعد ذلك كيف نمونا فوق الأرض فى أجسامنا وكيف نتحرك لإطعام أنفسنا في الدنيا ومن أين تجى مواد هذه الإطعام: كل هذا رأيناه بأم أعيننا كما هو موضح في القرآن، وقد بين القرآن أن مصيرنا كلنا بعد هذه الحياة هو الموت جميعنا بعد اكتمال العمر غير المحدد زمنه إلا عند الله تبارك وتعالى.
هذه هي بداية الحياة فيها والنهاية وكل هذا سمعناه من القرآن مفصلا وشاهدناه يقع كما هو.
فإذا قرأنا القرآن وتدبرنا معني دلالة ألفاظه لنعرف مراد الله منها وهذا هو نتيجة تدبر القرآن ولا يكفي فقط التدبر في أسلوبه وفصاحته في نقله لحقائق الأشياء كما هي، فهذا تدبر ولكن لا يأتي بثماره المرجوة من إنزال القرآن إلا بعد الاطلاع مباشرة على الدلالة النهائية لمعنى ألفاظ القرآن.
ومن هنا نعود إلى ما كتبنا أعلاه لنتبين دلالة بعض ألفاظ القرآن على الواقع الذي لا دخل للإنسان أي إنسان فيه حتى الأنبياء في تغيير دلالته.
ففي خلقنا كما نعلم وردت آيات كثيرة وبما أن دلالتها على خلقنا مطابقة فإني أقتصر على بعضها يقول تعالى: {ألم يك نطفة من مني تمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} أما كيف نحيا يقول تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف} إلى قوله {وشيبة يخلق ما يشاء}، أما بماذا نحيا فيقول تعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه إنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الارض شقا} إلى قوله {متاعا لكم ولأنعامكم}.
أما نهايتنا كلنا بالموت فيقول تعالى {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء} إلخ.
أما نهايتنا فبعد أن وردت آية تقول لنا: {كل نفس ذائقة الموت} وفسرتها آية أخرى في قوله تعالى: {ألم نهلك الاولين ثم نتبعهم الآخرين}.
ومن تدبر في موضوع هذه الآيات يدرك أن الله يلفت نظرنا أن ما نشاهده من فعل الله في الدنيا فينا سوف هو نفسه يكون دلالة ما جاء في القرآن من ما غاب عنا من موضوع دلالة الآيات القرآنية يقول تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون} فأخذ ملك الموت لأرواحنا المشاهد نتيقن به أننا نعود إلى الله بعد موتنا المشاهد مباشرة، وفي آية أخرى بنفس المعنى وزيادة، وهي قوله تعالى: {ولا تزر وازرة أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور}، فتدبر هذه الآيات يوحي أنه بعد الرجوع إلى الله سينبئ كل واحد منا بما كان يعمل وأنه يعلم ما في قلب كل واحد منا.
وبهذا التدبر في موضوع الآيات القرآنية الواردة في الدنيا يتيقن المسلم أن ما دلت عليه الآيات في الدنيا سيكون هو نفسه دلالة ما تدل عليه الآيات الواردة في قضايا الآخرة.
ولذا ننتقل إلى تلك الآيات لنتدبر في دلالة موضوعها أنها ستقع كما قالها القرآن وسنشاهدها عيانا كما شاهدنا دلالة موضوع الآيات في الدنيا كما هو مبين أعلاه.
فبعد الموت المجهول ساعة وقوعه والذهاب بنا إلى قبورنا ففي نفس اللحظة التى تكون هي ساعة لقائنا مع ربنا يتقرر مصيرنا الأخروي كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن وضعيتنا في القبور وهي إما أن تكون روضة من رياض الجنة أو يكون الميت في حفرة من حفر النار أعاذنا الله وأعاذ كل مسلم من ذلك الوضع.
فإذا جاء وقت انتهاء مدتنا ووضعيتنا في القبر أعلاه فستبدأ آيات الآخرة يأتي تأويلها يقول تعالى: {ويوم نسير الجبال وترى الارض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة} والمتدبر في موضوع الآيات القرآنية يلاحظ أن جميع الخطاب من الله المشترك في الآخرة بين أهل الدنيا إذا تبعه أي عتاب يكون رأسا موجها لأهل المعاصي في الدنيا مذكرا فيه بفساد عقائدهم في الدنيا يقول تعالى: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلي} فالجميع هنا يقول بلي، فيفصل الله هنا بين مصير أهل قول بلى في الآخرة فيقول تعالى هنا: {ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين}، وهذه الآيات الخاص موضوعها بالآخرة عندها بداية العرض ومناقشته ونهايته، وإلى أبد الابدين.
فهي كما قلنا أعلاه تبدأ من ساعة الموت ولقاء الله بعده مباشرة كما قال تعالى: {فإذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} وكلمة " الحق" رد على موالاة أهل الدنيا لغير أهل الحق.
فيوم القيامة يقول فيه تعالى: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون}.
ومن الآيات التي تتكلم عن الآخرة هو كيفية عرض العمل على الله يقول تعالى: {يومئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية}، أما كيفية هذا العرض فبينها الله بقوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}.
وهذا الكتاب تتكلم آيات أن إعطاءه لصاحبه بيمينه أو بشماله كلها يعبر عن مصيرنا بألفاظ واضحة في القرآن علينا أن نتدبر مدلول أسباب إعطائه باليمين أو الشمال لنجتهد في تحصيل تلك الأسباب..
فلا يكفي فيه مجرد أمنية العطاء باليمين دون القيام بالعمل مظنة السبب في العطاء باليمين.
والآن سوف أسرد بإذن الله في الحلقة الثالثة مقابلة بين الآيات المشاهدة في الدنيا وآيات الاخرة التي نؤمن بوقوع ما دلت عليه أنه سيقع كما هو إيمانا غيبيا يقول تعالي في مدح المسلمين: {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب} إلخ الآية.