مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

جاري البحث عن إرهابي خطير!!

محمد الأمين ولد الفاظل

هذه مجرد محاولة لكتابة نص مسرحي من فصلين وخمسة مشاهد، ولذلك فإنه من اللازم ومن قبل البدء في هذه المحاولة أن أنبه القراء الكرام على أن أي تشابه قد يجدونه بين مشاهد هذا النص المسرحي وأحداث الواقع هو تشابه مقصود، مقصود، مقصود. الفصل الأول : حراس نائمون وسجناء يقظون المشهد الأول المكان : السجن المدني الزمان : مطلع العام 2015 في الشهر الأول من العام 2015، وتحديدا في مساء الجمعة الموافق 23 يناير تم رفع الستار فتحولت الأنظار إلى خشبة مسرح السجن المدني لمتابعة أحداث عملية اختطاف نوعية وجريئة. في بادئ الأمر ظن الجمهور بأن ما يشاهدونه من أحداث لم يكن أحداثا واقعية، وإنما هو مجرد لقطات من فلم سينمائي مثير!!

تمثلت هذه العملية الجريئة في اختطاف عناصر من الحرس من طرف سجناء سلفيين، لتبدأ من بعد ذلك عملية تفاوض بين المختطفين والسلطات الرسمية استمرت لساعات طوال وانتهت برضوخ السلطات الرسمية لمطالب المختطفين، ومما زاد من إثارة هذه العملية هو أن متابعة تفاصيل أحداثها لم تقتصر فقط على الجمهور الذي قطع التذاكر وحضر إلى دار المسرح، عفوا إلى السجن المدني، وإنما تابعتها أيضا جماهير غفيرة من الموريتانيين لم تحضر لدار المسرح، ولكنها تابعت الأحداث من خلال النقل الحي والمباشر، والذي تكفلت به مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والقنوات التلفزيونية المحلية. المشهد الثاني المكان : السجن المدني الزمان : آخر يوم من العام 2015 في يوم الخميس 31 ـ 12 ـ 2015 (يوم الميلاد الرسمي لأغلب الموريتانيين)، تمكن سجين سلفي مدان بالمشاركة في عملية كانت تستهدف اغتيال الرئيس الموريتاني من الفرار. تفاصيل هذا المشهد لم تنقل للجمهور المتابع بشكل مباشر>

ولذلك فإننا سنحاول أن نعيد تمثيلها، وذلك اعتمادا على أقوى الفرضيات المتداولة حتى الآن عن عملية الهروب، فبالاعتماد على هذه الفرضية فإنه سيكون بإمكاننا أن نرتب لقطات هذا المشهد على النحو التالي:

اللقطة الأولى : يظهر "الإرهابي الخطير" في السجن المدني وقد حلق رأسه بطريقة غير معهودة، وسدد ديونه وكل الالتزامات المالية المستحقة عليه، وذلك من بعد أن تسلم أموالا ـ وبطريقة مريبة ـ من شخص لم يتم تحديد هويته. كما سيظهر "الإرهابي الخطير" في هذه اللقطة وهو يمارس بعض التمارين الرياضية المكثفة، وعلى طول هذه اللقطة فإننا سنشاهد حراس السجن وهم يغطون في نوم عميق، وكأنهم ليسوا بمعنيين إطلاقا بكل هذه المظاهر المريبة، وبكل هذا التغير المفاجئ الذي طرأ على سلوك "الإرهابي الخطير".

اللقطة الثانية: ظهور امرأة بشكل مفاجئ على خشبة المسرح، وهذه المرأة كانت قد انتحلت صفة أخت "الإرهابي الخطير" ، وسيظهر فيما بعد بأنه لا صلة قرابة تجمعهما، هذه المرأة سيتكرر ظهورها على خشبة المسرح، وسيكثر ترددها على السجين، ودون أن يثير ذلك فضول الحراس، والذين لا يزالون يغطون في نومهم العميق.

اللقطة الثالثة: يطلب السجين الهارب أو "الإرهابي الخطير" ـ إذا ما تحدثنا بلسان رسمي غير مبين ـ من إدارة السجن أن تسمح له بدخول الغرفة المخصصة للخلوة الشرعية في انتظار قدوم زوجته..الزوجة لا تأتي، ولكن كاميرا السجن سترصد فيما بعد المرأة المنتحلة لصفة أخت السجين وهي خارجة من السجن، وتتبعها امرأة ثانية تجاوزت ـ وبكل بساطة ـ الأبواب الثلاثة للسجن، وكانت هذه المرأة الثانية تكثر من الالتفات ذات اليمين وذات الشمال، وربما تكون هي السجين الهارب.

اللقطة الرابعة : في هذه اللقطة سيظهر الحراس وهم في نوم عميق استمر من الواحدة ظهرا وحتى صلاة العشاء، وكأن شيئا لم يحدث في السجن، وسيؤدي بحث السجناء عن زميلهم الهارب إلى إيقاظ حراس السجن..بعد ذلك سيظهر الحراس في هذه اللقطة وهم يحاولون فتح باب غرفة السجين الهارب.

اللقطة الخامسة: يُفتح باب الغرفة بالقوة، وتظهر المفاجأة، ويحبس الجميع أنفاسه، فالسجين لا يوجد بالغرفة، وإنما توجد بها قبعة وقميص حرسي، وعلم للقاعدة، ومذكرة خاصة كتب عليها "خالد أبو العباس" !!

الفصل الثاني: الوكيل والإرهابي أحداث الفصل الثاني سنتابعها على شاشة قناة الموريتانية.

المشهد الأول: في مساء السبت الموافق 24 يناير 2015 صعد وكيل الجمهورية على خشبة المسرح، وأطل على الجمهور من خلال شاشة الموريتانية، وقد كان ضيفا على إحدى نشراتها للتعليق على عملية اختطاف عناصر من الحرس داخل السجن المدني. الوكيل كان ممثلا رائعا وجريئا وشجاعا، ولذلك فقد فاجأ الجمهور بأن هنأ نفسه وهنأ قطاعه على الحكمة البالغة التي تعاملوا بها في ذلك اليوم مع عملية الاختطاف، وهي العملية التي قال عنها الوكيل بأنها لم تشكل أي إهانة للدولة الموريتانية، ورفض بالتالي أن يصفها بالخطيرة، واكتفى بأن اعتبرها مجرد إشكال أو شغب عادي لا يستحق كل ما أثير حوله من ضجيج. تعليق من خارج النص: لو اعتبرت الحكومة في ذلك الوقت بأن تلك العملية كانت عملية خطيرة، وبأن المقصرين يستحقون عقابا شديدا لما تكررت مثل هذه العمليات، ولما تمكن "الإرهابي الخطير" من الفرار من السجن.

المشهد الثاني: في مساء السبت أيضا، وفي شهر يناير أيضا، ولكن من العام 2016، وعلى نفس شاشة الموريتانية سنتابع البلاغ التالي: "هذه الصور للمدعو : السالك ولد الشيخ من مواليد سنة 1984 في مدينة أطار، لأبيه: الشيخ ولد محمدو ولد أعل، ولأمه : أمينتاه منت أني. قصير القامة طوله 1.65 مترا. الأسنان الأمامية: القواطع صفراء. هذا الرجل إرهابي خطير محكوم عليه بالإعدام، مشمول في قضية محاولة تفجير في نواكشوط. فار من السجن يوم 31 /12/ 2015. يطلب من أي مواطن لديه معلومات من شأنها أن تفضي إلى إلقاء القبض على المعني الاتصال بالأرقام التالية: 116/ 102/ 117 / 119، أو إبلاغ أي سلطة أمنية. " إنه بيان تفصيلي لم يفوت أن يصف لون بعض أسنان "الإرهابي الخطير"!!

تعليق من خارج النص: لماذا تأخر هذا البيان التفصيلي ليومين ونصف يوم، فهل كان ذلك من أجل أن تتاح لهذا "الإرهابي الخطير" الفرصة لكي يخرج من البلاد؟ لن أجيب على هذا السؤال، ولكني في المقابل سأطلب من الجمهور أن يكون على استعداد لمتابعة عمليات استنفار ستطلقها الأجهزة الأمنية في الأيام القادمة، وهذه العمليات قد تؤدي إلى القبض على "الإرهابي الخطير"،

وقد لا تؤدي إلى ذلك، ولكن، وفي كل الأحوال، فإن الشيء الراجح هو أن السلطة لن تستفيد أيضا من هذه الحادثة، ولن تأخذ منها عبرة، وربما تسمعون غدا عن سجين رابع أو خامس تمكن من الهروب من السجن المدني متخفيا بزي نسائي كما فعل إخوة له من قبل، وربما تسمعون عن اختطاف حراس من طرف سجناء، وربما، وربما.. إن أي سلطة لا تحاسب المقصرين، وإن أي سلطة يحول كبار موظفيها الهزائم البينة إلى انتصارات عظمى تستحق التهانئ، إن أي سلطة كهذه لابد وأنها ستظل تنتقل من فشل ذريع إلى فشل فظيع. وتبقى ملاحظة أخيرة: هذا النص المسرحي الذي يصور لنا فشل الحكومة في مجال حساس من مجالات تدخلاتها يصلح لكل القطاعات الأخرى. هذا النص المسرحي يصلح لإعطاء صورة حية عن فشل الحكومة في تعاملها مع حوادث السير، ويكفي لتقديم تلك الصورة أن نبدل المشهد الأول من هذه المسرحية الذي تحدث عن اختطاف حرسيين بالسجن المدني بمشهد آخر عن حادث سير أليم من تلك الحوادث التي وقعت في مطلع العام 2015، وأن نبدل من بعد ذلك المشهد الأخير من هذه المسرحية بحادث سير أليم آخر وقع في نهاية السنة، وما علينا من بعد هذا كله إلا أن تقلب صفحات العام 2015 لنجدها قد ملئت بحوادث السير الأليمة، والتي يكفي كل حادث منها لأن يشكل موضوعا بمفرده لمسرحية كهذه. المقلق في الأمر أن الحكومة، ورغم كل هذه الحوادث، لم تكلف نفسها بأن تحسن من إجراءات السلامة، ولم تتخذ أية ردة فعل مهما كانت بساطتها لتجنب المزيد من حوادث السير. ما قلناه عن السجن المدني، وعن حوادث السير يمكن أن نقوله عن الانفلات الأمني وعن الجرائم، ويمكننا أن نبدأ هذا النص المسرحي بمشهد عن جريمة بشعة حدثت في مطلع العام، وأن نختمه بجريمة بشعة أخرى حدثت في نهاية العام، وسنجد أنفسنا أمام نص مسرحي عن الانفلات الأمني لا يقل إثارة عن هذا النص المسرحي الذي خصصناه للسجن المدني. كما أنه بإمكاننا أن نخصص هذا النص المسرحي للحديث عن انقطاع الكهرباء وعن الظلام الدامس الذي استقبلت به العاصمة نواكشوط العام 2015، والذي ودعت به أيضا العام 2015.

المشهد الأخير: الكهرباء تنقطع، وظلام دامس يلف خشبة المسرح، والجمهور يصيح بصوت مبحوح وخافت: من فضلكم أعيدوا لنا الكهرباء..خفضوا من الأسعار ...أبسطوا الأمن ..أصلحوا التعليم..حاربوا البطالة..حسنوا من خدماتكم الصحية..

وزعوا المتاح من العدالة بعدل.. افعلوا شيئا من أجلنا ـ يا سادة يا كرام ـ فإننا نعاني ونتألم. وهنا أسدل الستار على العام 2015، وهنا بدأ العام 2016 يطل بوجهه الشاحب.

أحد, 03/01/2016 - 12:03