مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

مثلث الأزمات السياسية ومربع الاستقرار فى موريتانيا

يربان الحسين الخراشي

إن المتتبع للوضع الداخلي في بلادنا يلاحظ أنه منذ نشأة الدولة الحديثة سنة(1960م) حتى الآن، ونحن نعيش في نفق مظلم، كلما خرجنا من أزمة سياسية دخلنا في أخرى أشد منها. ورغم المحاولات الكثيرة للخروج ببلادنا من هذا النفق حيث دوامة الأزمات المتلاحقة، إلا أن الفشل والعودة إلى نقطة البداية كان نهاية كل تلك المحاولات. 
تحاول هذه المقالة الإجابة عن ثلاثة أسئلة حول الأزمات السياسية في بلادنا.

أولا-:من الذي يصنع هذه الأزمات في بلادنا ؟

يشكل ثلاثي القبيلة، والنخبة المدنية، والزمرة العسكرية مثلث الأزمات في بلدنا. هذا المثلث وفي ظل تضارب وتناقض مصالح أطرافه، وتحت الاستجابة للضغط الخارجي يولد ردة فعل تنتج تغيير على مستوى زواياه الداخلية الثلاثة؛ لكن هذه الزوايا مهما اختلفت في شكلها يبقى مجموعها ثابتا(180 درجة). وكذلك الأمر بالنسبة النظام السياسي الموريتاني مهما كان شكله تبقى النتائج المترتبة عنه ثابتة وذلك نتيجة لأن العقول التي تصنع هذا النظام منذ نشأة الدولة إلى يوم هي العقول ذاتها مكبلة بالأغلال ذاتها دون تغيير.
وتكمن آلية صنع هذه الأزمات في تفاعل عكسي بين رؤوس المثلث الثلاثة، حيث تتولى القبيلة أختيار وترشيح النخبة المدنية لكل مرحة حكم، و بعد ما تفرخ هذه النخبة الفساد وينخر في جسدها، تتدخل الزمرة العسرية في صورة انقلاب عسكري لإنقاذ الوطن. هكذا تشكل لعبة التبادل الأدوار هذه المأزق الوطني السياسي مرة تلو الأخرى، وهكذا بقينا كمن يدور في حلقة مفرغة إلى الآن.

ثانيا: ماهي معضلات زوايا المثلث الثلاثة ؟ 

 معضلة القبيلة تكمن في تاريخها ؛
- معضلة النخبة المدنية تكمن في الفساد الوظيفي؛
- معضلة العسكر تكمن في ممارسة السياسية.

ثلاثة معضلات أساسية تقف عائقا أمامنا لخروج من نفق الأزمات السياسية وهي كتالي:

1-مأزق القبيلة: يتميز النظام الاجتماعي في مختلف الإثنيات في بلادنا بتكريس الطبقية عموديا. فكل قبيلة فيها سادة وتابعين في نظام بائد مناقض للدولة. اليوم وبعد مرور 55 سنة على تأسيس الدولة الحديثة ما زالت القبيلة تشكل الزاوية المنفرجة في مثلث الشؤم هذا، وقد لعبت دورا متميزا مع بداية المسلسل الديمقراطي، وكانت تارة فوق خشبة المسرح السياسي وتارة خلفها. وقد استطاعت عن طريق التوظيف السياسي لدورها تسخير كل مقومات الدولة لتحقيق مصالح جمة لثلة قليلة من أفرادها. أولئك الأفراد الذين يؤمنون بالبطولات الوهمية، وامتداح ثقافة التلصص، وقطع الطريق،و حتى العمالة للمستعر، واجترار الماضي بكل ما يحمل من تناقضات وظروف مختلفة. وقد انسحب ذالك على سلوكهم بعد تشكيل الدولة مما جعل للقبيلة وظائف جديدة كنهب المال العام، وخداع الشعب المسكين، وجعل من التاريخ المأزق الحقيقي لها.
2-مأزق النخبة المدنية :من المعروف أن النخبة في أي بلد هم أولئك الذين يتصدرون الصفوف ويقودون المجتمع لما لديهم من حس وطني و ثقافة وخبرة ، أما في بلادنا فالسبب الوحيد للتواجد في صدارة المجتمع هو الفساد والفساد فقط. فكلما كان الإنسان فاسدا مفسدا كلما ترقى في السلم الاجتماعي، وتحول من مواطن العادي إلى مصاف علية القوم.النخبة المدنية في بلدنا هم أولئك الذين يقفون وراء الفساد المالي والإداري الذي تعددت أوجهه والتي من أهمها المحاباة، والمحسوبية، والوساطة، والرشوة ،واستغلال النفوذ، والتزوير، ونهب المال العام والخاص....وهم المسؤولون عن تكريس الفساد السياسي في بلادنا حيث انتهجوا الترحال السياسي سلوكا وميعوا بذلك الأحزاب السياسية ، وهم من يقودون الحملة القذرة في تفخيخ وتفجير الأحزاب السياسية المعارضة من الداخل ، وتكريس الفساد الأخلاقي في المجتمع.
3- مأزق الزمرة العسكرية: على الرغم من أن المؤسسة العسكرية تبدو في الظاهر القوة الوحيدة المنظمة والقوية في بلادنا الصانعة للأحداث.لكن في الحقيقة هي ليست سوى الزاوية الحادة في مثلث الأزمات هذا (اقل من90 درجة دائما) ،والزوجة المشتركة لنخبة والقبيلة، وورقة التوت التي يتسترون بها التي لو سقطت لذهل المواطن البسيط من شدة قبح منظر قوم كان يحسبهم من علية القوم. ورغم أن شعار العسكر في أول انقلاب لهم حسب الميثاق الدستوري للجنة العسكرية للإنقاذ الوطني الصادر بتاريخ 10 يوليو 1978 م كان من أجل " إنقاذ البلاد والأمة من الخراب والتجزئة ولصيانة الوحدة الوطنية وكيان الدولة". إلا انهم في الحقيقة غرقوا في وحل السياسة، وفشلوا في صيانة الوحدة الوطنية، كما فشلوا في تحقيق التنمية المطلوبة بل فشلوا حتى في الدفاع عن وطننا الغالي واكتفوا بالمحافظة على جزء يسير من أرض موريتانيا الكبرى في صورة كيان يعيش على المساعدات الخارجية.

 

 

ثالثا-: ما الحل كيف الخروج من النفق ؟
لقد بينت آلية صنع الأزمات الموضحة أعلاه أن النخبة هم الزاوية القائمة في مثلث الأزمات (90 درجة فساد) القائمة على الفساد والإفساد، والوسط الحاضن لتفاعلات الضرورية لصنع الأزمات ، وبوابة الانقلابات العسكرية والتغيير السياسي المتواصل في بلادنا، وهي بذلك المضغة التي إذا صلحت صلح الوطن كله.
والخروج من النفق يعتمد على معالجة المعضلات الثلاثة المذكورة سابقا، مع التركيز على معالجة جذرية لمأزق النخبة وذالك عن طريق إقرار خارطة طريق مصالحة جديدة بين القبيلة والعسكر والنخبة من جهة، والمجتمع من جهة أخرى تعتمد على المكاشفة والمصارحة، وتهدف إلى تحرير العقول من ثقافة التلصص والكسب الغير المشروع عن طريق التوعية الجادة والهادفة، وتعزيز وتفعيل مشاركة المجتمع في المراقبة على الحكومة والمسؤولين عن طريق بناء الحكومة الإلكترونية والكشف عن المعلومات وتوفيرها وتعميم مبدأ الإفصاح والشفافية، وتكثيف وتعميق سياسة محاربة الفساد الوظيفي بإنشاء لجنة تدقيق ومراقبة داخلية في كل إدارة تتولى التدقيق والتفتيش الداخلي والتعاون مع هيئة الشفافية المالية والمفتشية العامة للدولة. بالإضافة إلى تعزيز دور القبيلة الاجتماعي وتحجيم دورها السياسي، مع التركيز على بناء جيش نخبوي مهني .
إقرار خارطة طريق تقضي في النهاية إلى إخراج الشعب من حظيرة الجهل والفقر والتخلف التي تشكلت حوله بفعل تآمر الثلاثي عليه عن قصد أو من غير قصد ، خارطة طريق تحول مثلث الأزمات هذا إلى مربع استقرار بعد إضافة ضلع رابع (ضلع الشعب ) وتكوبن دولة المواطنة ذات السلطة المركزية الديمقراطية القوية. وأملنا كبير في الحوار السياسي المرتقب فما زال عند الثلاثي رغم كل سوابقهم بقية أخلاق وشيئ من الوطنية.

سبت, 02/01/2016 - 17:25