محمدٌ ولد إشدو
لا شيء على ما يرام اليوم في جميع المجالات دون استثناء.. وعلى مسؤوليتي!
ومع ذلك، فيوجد مؤشر خطير يختزل الحالة العامة، وينبئ بمدى خطورة وغرابة وشذوذ الأوضاع الراهنة سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا! إنه وجود كبار قادة موريتانيا في عهد عزتها وكرامتها وشموخها رهن سجن ظالم وقاس دون حق أو سبب وجيه، وفي شهر رمضان المعظم!
أنا لا أصدق أن الرجل الخلوق المهذب الذي أعلن للملأ أن للعهد عنده معنى، والذي اصطفاه وانتخبه زملاؤه وشعبه على أساس برنامج وطني طموح هو "تعهداتي" المتمثلة في حماية مصالح الدولة والوطن والشعب، وصيانة المكاسب الوطنية العملاقة وزيادتها، يمكن أن يسكت ويتغاضى تحت أي ظرف من الظروف عن مؤامرة صريحة وخبيثة ضد دولته ووطنه وشعبه وضد رفاقه في السلاح، وقادته وزملائه في العشرية، وضده وضد عهده!
فنحن إذن أمام احتمالين لا ثالث لهما:
فإما أن يكون الرجل مغلوبا على أمره، ومغيبا، وتقوم عصبة بتدبير أمور الدولة كما يحلو لها من وراء ظهره.. كما يدعي بعض المحللين! وهنا نكون قد تردينا في أزمة مستعصية لا مثيل لها! حيث يكون جميع ما يجري في البلاد عملا غير شرعي، وانقلابا على إرادة الشعب، وظلما وطغيانا!
وإما أن يكون الرجل ما يزال هو الحاكم الفعلي للبلاد.. وهذا ما نتمناه. فعندئذ يكون من واجبنا جميعا أن نضع بين يديه الحقائق البسيطة التالية، ونقول له: فخامة رئيس الجمهورية، لقد كذب عليكم أعوانكم في ثلاث:
1. في "ملف فساد العشرية" الذي يتابع فيه سلفكم وصديقكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وبعض قادة موريتانيا في عهده وعهدكم! إنه كذبة كبرى ومؤامرة سياسية قذرة دبرها بعض المفسدين انتقاما منكما، وانقلابا على إرادة الشعب الموريتاني وعلى النظام الوطني الذي أسستماه، فشغلوا بها الناس، وجاؤوا على الأخضر واليابس وأهلكوا الحرث والنسل! ورغم معرفتكم جل تفاصيل هذا الموضوع، فإن ثلاث حقائق يجب أن لا تغيب عن ذهنكم هي:
أ. أنه لا وجود فيه لبينة ضد الرئيس محمد ولد عبد العزيز وصحبه.
ب. أن القضاء الموريتاني غير مستقل، ومسيس وعاجز عن إحقاق الحق؛ وهذا يدركه الصبي والغبي، وسارت به الركبان.
ج. أن مسرحية "فساد العشرية" قد فقدت ألقها وانكشفت و"طلعت ريحتها" (كما يقول اللبنانيون) ولم تعد تخدع أحدا!
2. في كون "ملف فساد العشرية" المزعوم ملفا قضائيا، وبين يدي القضاء، ولا يحق للسلطة التنفيذية التدخل في شأنه. أو بعبارة أصرح وأوضح "... والبرلمان ُزَرْكو (أي رماه) للقضاء وأصبح القضاء صاحب السيادة. لم يعد لأي أحد آخر أي سلطان عليه مهما كان هو" حسب تعبير نقيب المحامين في مؤتمر صحفي بتاريخ 27/6/2022. إن هذا القول غير صحيح! فالملف من جهة ملف سياسي مختلق، وتشرف عليه هيئة حكومية تصرفه كيف تشاء وتصدر فيه أوامرها إلى القضاء الذي لا يرفض لها طلبا! ومن جهة أخرى، فإن الغرض من ترويج هذا الزعم هو أولا، تكريس اختطاف القضاء وفصلِه عن سلطتكم وعن القانون، كي يظل آلة يستخدمها المفسدون في تحقيق مآربهم؛ وثانيا، لتجريدكم أنتم من صلاحياتكم كرئيس، ومن سلطانكم المطلق على جميع مرافق الدولة؛ بما فيها القضاء، وهو السلطان الذي خولتكم إياه المادتان 24 و89 من الدستور، وتنصان تباعا على ما يلي: "رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو الذي يجسد الدولة ويضمن بوصفه حكما السير المطرد والمنظم للسلطات العمومية. وهو الضامن للاستقلال الوطني وللحوزة الترابية"! "... ورئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء. ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه"! فهل يجوز لمن هذه صلاحياته وهذا سلطانه أن يبقى متفرجا وهو يرى دستور بلاده يمزق، وقانونها يخرق، وقضاءها مختطفا، والوطن على كف عفريت؟!
3. {يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر}! فحالة البلاد والعباد سيئة جدا، خلافا لما يقال لكم! فلقد استشرت السيبة والفساد والنهب والغلاء والبغي والفوضى والحرابة والفقر والمرض والجهل والتفكك الاجتماعي والتفسخ، ورجعنا عقودا - أو قرونا- إلى الوراء! ولم ينجز شيء معتبر! خذوا الانتخابات الجارية مثلا: إنها مهزلة، وسوق شراء ذمم، ومسرح تناحر وتدابر قبلي وجهوي وعرقي وشرائحي، ولا يتوفر فيها أدنى حد من المصداقية والشفافية!
فخامة رئيس الجمهورية.. إنكم وحدكم المسؤولون أمام الله وأمام الشعب عن مصير هذه الأمة! فافعلوا شيئا لإنقاذها قبل أن يسبق السيف العذل!