إن نعمة الأمن و الإستقرار التي يستهين بها البعض أو ربما لا يعي أثرها تعد من أهم النعم التي يتمتع بها المواطن أو المقيم في أي بلد.
و لولاها لما استقرت أوطان و لادامت دول و لاقامت ولا ازدهرت اقتصادات .
لا شك أن قضية فرار اربعة إرهابيين من داخل السجن المركزي في انواكشوط أثارت جدلا وطنيا واسعا و بثت الرعب والخوف في نفوس الموريتانيين و شكلت تحديا سافرا للسلطات و للأجهزة الأمنية .
في حين يمكن فهم هروب الإرهابيين من داخل السجن المركزي علي أنه فعل إرهابي استفزازي دبر و خطط له داخليا و هيئت له الظروف المادية والمعنوية من خارج أسوار السجن.
في ظل حالات التراخي و التهاون و الإختلالات والثغرات الحاصلة في نظام السجن أو عدم كفاءة إجراءات الأمن و الحراسة حينها.
كما كشفت تداعيات حادثة السجن المركزي و أكدت بشكل قطعي حسب المؤشرات و المعطيات الواردة في مسار التطورات عن ضلوع أيادي خفية لخلايا إرهابية نائمة و أن هناك تواطؤ و تورط أشخاص من خارج السجن مما مكن الإرهابيين من الهروب بحكم الظروف التي اكتنفت العملية و توفير الوسائل و الآليات الضرورية و المناسبة للقيام بهكذا مهمة لحظة الهروب .
من قبيل : سيارة متوسطة للتمويه تم استغلالها في المرحلة الأولي ثم ،سيارة رباعية الدفع من طراز هيليكس آخر موديل مزودة بجهاز GPS في انتظار المهام الصعبة بالإضافة إلي عدة قطع سلاح مسدسات و اكلاشنيكوف و عدد كبير من عينات الرصاص و أغراض متنوعة و أشياء أخري. كيف يمكن ان نصنف هكذا وضع ؟
الشئ الذي يوحي و يشير إلي أن ثمة نية مبيتة لدي هؤلاء الإرهابيين المسجونين بالعودة إلي العمل الإرهابي و التخطيط للقيام بزعزعة أمن و إستقرار البلد و ارتكاب المزيد من الجرائم و القتل .حيث تمكن السجناء الأربعة من الفرار من السجن المركزي بعد مقتل إثنين من عناصر أمن الحراسة و جرح آخرين .
شكل ذلك صدمة و مفاجاة للأجهزة الأمنية و للجميع و أحدث كما هو معهود في هكذا حالات إرتباكا و شبه فراغ أمني لحظي .
مشاهد أحداث تم استغلالها علي نطاق واسع بعيد الحادثة عبر وسائط و وسائل التواصل الإجتماعي
علي نحو سيئ و مضلل لا يخدم أمن الوطن.
مما تطلب أمنيا تعليق خدمة الأنترنيت الخلوي مؤقتا سبيلا للحد من إشاعة الأخبار الكاذبة و تفاديا للتأثير و التشويش علي عمل الأجهزة الامنية و عدم تمكين الإرهابيين من الإتصال عبر تقنيات الأنترنيت التي لا تخضع للرقابة.
بينما تضرر و تأثر بهذا الإجراء الإحترازي بدرجة أولي بعض الأشخاص من أصحاب التعامل الرقمي بنكيلي ،السداد .....الخ.
وفي خضم هذه الأجواء سرعان ما استطاع عناصر الحرس ضبط الأمور و السيطرة علي الوضع داخل السجن و بدأ علي الفور إطلاق إجراءت ملاحقة و مطاردة الفارين بغية القبض عليهم بالتعاون و التنسيق مع مختلف السلطات العسكرية و الأمنية ،
في حين باشرت و تابعت لجنة أمنية عليا تشكلت لاحقا الأحداث عن قرب و ظلت في حال انعقاد دائم و متواصل لتقييم و متابعة الوضع وتحليل كل الأخبار و المعلومات الواردة.
تم فرض طوق أمني واسع في إطار الخطة الأمنية علي مستوي مداخل و مخارج العاصمة انواكشوط و بعض مناطقها الشمالية لم يشكل حصنا مانعا أمام حرص الإرهابيين في التحرر من قبضة الأمن حيث تم أختراق الطوق الأمني بسهولة لتتواصل عمليات رصد تحركات المتطرفين خارج العاصمة و من داخل الوطن.
و بما أن الجميع مسؤول مسؤولية تامة في التعاون الإيجابي و المرن في تحقيق الأمن والعمل علي تعزيزه مع كافة الجهات الأمنية للحفاظ علي أمن و إستقرار المجتمع و الوطن.
فقد شكل تعاون السكان ضمن محاربة الإرهاب جزءا من جهود التعبئة و البحث عن الفارين .
إذ أن أحد ساكنة منطقة المداح التابعة لمقاطعة أوجفت بولاية آدرار قد تمكن بالصدفة من معرفة ملامح الإرهابيين الفارين حينما أعترضوا طريقه طلبا للعون و تبين لديه بالفطنة انهم ليسوا من أهل المنطقة بالتأكيد .
لم يتردد إطلاقا في إبلاغ السلطات الإدارية و الأمنية في المنطقة بالأمر والتي قامت بدورها بإخبار و إطلاع اللجنة الأمنية العليا بفحوي الخبر لتتأكد بالتنسيق مع السلطات المحلية ميدانيا
و قد تمكنت القوات الجوية من تحديد مواقع السجناء الفارين مختبئين فوق قمم جبلية وعرة بعد تعطل سيارتهم اسفل الواد.
في حين تلقت وحدات من نخبة الدرك المتخصصة في الإرهاب متواجدة في المنطقة الوسطي أوامر عليا بالتقدم نحوهم بحذر وتأمين الطريق و إحاطة المنطقة ضمن عملية نوعية مشتركة شاركت فيها القوات الجوية والعسكرية و أثناء الإقتراب من عين المكان تعرضت وحدات الدرك لإطلاق نار كثيف حسب المعلومات الرسمية دخلت علي أثره في مواجهة ميدانية عنيفة مع الإرهابيين أسفرت عن استشهاد عنصر من الدرك الوطني و مقتل ثلاثة إرهابيين و القبض علي الرابع حيا
حيث وضعت هذه العملية النوعية المقام بها من طرف نخبة الدرك حدا نهائيا لمرحلة مطاردة و ملاحقة أمنية لإرهابيين فارين من السجن المركزي شكلت تحديا أمنيا سافرا للسلطات الأمنية.
لاقت هذه الخطوة ارتياحا وطنيا واسعا داخل الأوساط الرسمية و العسكرية و الأمنية و الشعبية .
فمن الجدير بالذكر أن هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا الجاهزية المهنية التامة لقواتنا العسكرية و الأمنية و التضحيات الجسيمة التي مافتئ عناصر امننا يقدمونها دفاعا عن الوطن حيث تم استشهاد ثلاثة عناصر أمن حرسيان و دركي رحمهم الله و تقبلهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا و أن يلهم أهلهم و ذويهم الصبر و السلوان و إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد كرم رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في هذا الإطار شهداء الوطن الثلاثة بوسام الإمتنان الوطني تقديرا لتضحيتهم من أجل الوطن و عرفانا لشجاعتهم في الميدان بحضور رسمي وعسكري كبيرين و بعض أفراد عائلات الشهداء هذا بالإضافة إلي منح رئاسة الجمهورية لكل عائلة من عائلات الشهداء قطعة أرضية في تفرغ زينة و عشرة ملايين اوقية قديمة وراتب ضابط صف دائم بمثابة إمتيازات خاصة عمل إنساني و لفتة كريمة تذكر فتشكر.
يظل من الضروري أن نتذكر دائما بأن هذه التضحيات هي سبب الأمن و الإستقرار الذي نتمتع به الآن في ربوع الوطن.
مما لا شك فيه أن المقاربة الأمنية الموريتانية أثبتت نجاعتها و جدارتها وطنيا و إقليميا خلال السنوات الأخيرة بشهادة أهل الإختصاص و كل المتتبعين والمهتمين بشأن أمن المنطقة و نظرا لما شهدته البلاد والعباد لله الحمد من أمن و إستقرار علي العموم.
مقارنة بما يحصل من حين لآخر داخل محيطنا المغاربي والإفريقي من عنف وعنف مضاد و تطرف و إرهاب مستمرين.
الشئ الذي أكده رئيس الجمهورية في معظم خرجاته الإعلامية المحلية والدولية.
مبرزا أهمية الإسترتيجية الأمنية الوطنية في تحقيق الأمن و الإستقرار و من خلال منظومة عسكرية جاهزة للتدخل في أي وقت و تحت أي ظرف.
ساهمت بشكل كبير في الحد من خطورة التهديدات الإرهابية و انعكاساتها علي البلد في ظل ضبط محكم للحدود و منافذ العبور عبر إنشاء مناطق عسكرية معزولة و مغلقة متاخمة لطول حدود الصحراء الكبري الممر القديم لتهديدات الإرهاب و الجريمة المنظمة.
هذا بالإضافة إلي الدور المحوري و الريادي لموريتانيا في قوة مجموعة دول الساحل الإقليمية الصاعدة داخل المنطقة و تبادل الخبرات و المهام و المعلومات الإستخباراتية بين دول المجموعة.
إن خلايا الإرهاب ستظل في تربص قائم في حالات النوم و اليقظة .
فعلي الرغم من أن هذا النجاح يمثل تحديا كبيرا للإرهاب والجريمة إلا أنه يجب علي الدولة الإستمرار في تعزيز الجهود الأمنية و العسكرية و التعاون مع الدول الصديقة و الحليفة في مكافحة الإرهاب و التطرف و الجريمة المنظمة و التأكد من أن قواتنا المسلحة و قوات الأمن في كامل جاهزيتها اللازمة و الضرورية لتحقيق النجاح في المهام الأمنية.
بالمقابل يجب علي الدولة أن تعمل علي تحسين المنظومة العدلية و تفعيل عقوبة الإعدام فمن قتلته الشريعة فلا أحياه الله و كذلك تطوير و تحسين نظام السجون و تقديم التدريب الملائم للحراس و العاملين في المجال الأمني و إقتناء التقنيات و آليات الأمن الحديثة المناسبة .
بجانب العمل الأمني ينبغي للحكومة التركيز علي التحديات الإجتماعية و الثقافية و التعليمية التي تؤدي إلي ظاهرة الإرهاب من خلال تحسين الوضع الإجتماعي والإقتصادي للمواطنين و خلق فرص عمل لها القابلية في امتصاص البطالة في ظل عدالة إجتماعية و القضاء علي مظاهر الغبن و التهميش و إرساء سياسات ناجعة للحد من المخاطر و التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية للشباب بحثا عن حياة أفضل.
كما يجب ان تكون هناك جهود جادة لمكافحة التطرف الديني و الفكري في إطار تعزيز قيم الديمقراطية و الحريات الأساسية و العمل علي التعاون و تشجيع الحوار و التفاهم المتبادل.
تأسيسا لما سبق يجب علي المواطن أن يدرك ان مواجهة الإرهاب ليست مسؤولية القوات العسكرية و الامنية فقط بقدر ما هي مسؤولية المجتمع بأسره .
فعلي الجميع التحلي بالوعي و الحذر و التبليغ عن اي نشاط يثير الشكوك و العمل بشكل وثيق مع السلطات المعنية و الجهات الأمنية المختصة حفاظا علي أمن و إستقرار و سلامة الوطن و المواطن.
حفظ الله موريتانيا .
الوطن أمانة في أعناقنا.