الأستاذ محمدو بن البار
قبل الدخول في التفاصيل أود ان أحدد تسميتهم دينيا، وما اصطلح عليه من التسميات الأخرى.
وقبل ذلك أيضا: أقول لجميع المسلمين أيا كانوا إن عليهم أن يفكروا عندكل خطإ ارتكبه الانسان في "من أين جاءه هذا الخطر؟".
والخطر عند المسلم أن لا يأتي إلى الله إلا بقلب سليم.
وسلامة القلب تكون وصفا "بصفة عامة" للقلب الذي يقف عند حدود ألله عقيدة أي إيمانا وإسلاما وإحسانا وسلوكا واتباعا حتى يغلب حسن ظنه أن الله سيزحزحه عن النار ويدخله الجنة وذلك هو الفوز المبين.
فعلى الإنسان أن يفتش في عمله الذي سيحاول عدوه الأول "الشيطان" أن يقف دون سلامة قلبه بوصف سلامة قلب المسلم أعلاه.
وعليه أن يتيقن دائما إن الشيطان لا يحاول صده عن سلوك الصراط المستقيم بفعل ظاهر حرمه الله عليه فقط. بل بانحراف عند الشيطان وهو أن يدس للمسلم السم فى دسم حلاوة السلوك المنحرف عن الأخذ بنصوص القرآن عبادة أو سلوك حياة لئلا يجده الله له شكورا.
ولذا فقد التزم الشيطان لله أن يأتي الإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ليصده عن السبيل {ويحسبون أنهم مهتدون} كما جاء في خصومة الضال ومن أضله أمام الله، يقول تعالى: إنهم قالوا لهم: {إنكم كنتم تاتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مومنين}.
فقد بين الله لنا ذلك في القران "ليثبتنا على الطريق المستقيم" أي ضرب لنا مثلا من عباده قبلنا كيف إفراطهم وتفريطهم، فمن جهة تفريطهم قولهم {نحن أبناء الله وأحباؤه}، ومن جهة إفراطهم فى الغلو هو قولهم {إن الله هو المسيح ابن مريم}،
فرد الله عليهم بقوله {يا أهل الكتاب لاتغلوا في دينكم ولاتقولوا على الحق إنما المسيح ابن مريم رسوا لله}، إلى آخر الآية.
والآية الأخرى: {أنتم بشر ممن خلق} إلى آخر الآية.
والآن، أصل إلى تحديد إفراط هؤلاء الغلاة، وتفريط كثير من المسلمين فى حفظ سلامة قلوبهم حتى تصل إلى الله وهي سليمة..
أما غلو هؤلاء فهم الذين وصفهم لنا النبي صلى الله عليه وسلم تماما بحداثة أسنانهم واجتهادهم فى جميع العبادات وقراءة القرآن، ولكن العمل بما فيه لا يتجاوز ذكر ذلك بألسنتهم. ففي نص الحديث معنى "لايتجاوز إيمانهم تراقيهم"، والتراقى طبعا هي ما بين القلب واللسان، بمعنى أن عملهم الإسلامى لا يتجاوز تراقيهم إلى قلوبهم.
ومعنى هذا الحديث خطير، ليس على مثل هؤلاء فقط، بل هو خطير على كل مسلم {يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كان لم يسمعها}، بمعنى لا يقف عندها للعمل بما فيها سواء كان هؤلاء حكومة أو أحزابا أو قبائل أو طرق عبادة أو مسميات أخرى، أي اتبع غير سبيل المومنين كما أنزله الله على رسوله، ولذا يخاطبهم الله دائما بقوله {إن كنتم مومنين}.
ويقول في آية أخري في الانحراف فى التواد مع غير المسلمين {لاتجد قوما يومنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} أي نفى الإيمان عنهم، وهذا كلام الله وليس من تكفير البعض لغيره.
وأود هنا أن أجسم منظرا محسوسا لتقريب الموضوع للقارئ الكريم.
فالمسلم يدرك أن الحياة السعيدة في الآخرة {هي الحيوان} أي هي الحياة الأمثل لطولها ولحسن ما يجده المسلم فيها.
أما حياة الدنيا فهي متاع الغرور لقصرها ولعدم دوام السعادة فيها سواء كان رئيسا أو ملكا إلى آخره.
ونظرا لذلك، فإني أتقدم أمام مسلم الدنيا لننتظره في الآخرة امام الله لننظر كيف حياته فى الآخرة بعد عرض عمله على القرآن، فهو الميزان الذي وضعه الله لعمل الإنسان فى الدنيا، ليكون دليلا على حياته فى الآخرة.
أولا: نبدأ بالذين سموا أنفسهم بالسلفيين أو الجهاديين، أي عمل السلف بما فيه الجهاد. وسماهم "بوش" والمسلمون الحداثيين بالإرهابيين، وسماهم القرآن عقديا بالغلاة المنحرفين، وعملا بقطاع الطرق.
فميزان القرآن في عمل هؤلاء أن الجهاد القرآني لا يكون إلا فى الكفار أو المنافقين يقول تعالى {يأيها النبيء جاهد الكفار والمنافقين} ولا يكون بالسيف إلا تحت قيادة أمير للمسلمين، وبقواعده التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الجهاد العام ففيه الحديث المعروف.
ثانيا: رؤساء الدول الإسلامية ووزراؤها وسلطاتها التنفيذية، فهؤلاء يخاطبهم الله بأوامر القرآن بأن يحكموا القران فى كل خلاف يقع بينهم وينظمون حياتهم على ما في القرآن ويقسم على أن إيمانهم لا يتحقق إلا بتحكيم شرع الله في كل ما اختلفنا فيه.
ولكنهم حكموا أفكارهم وأفكار من قبلهم من غير المومنين، والله يقول {ألم تر إلى الذين يزعمون آنهم آمنوا} إلى آخر الآية، فنعت هذا النوع من الإيمان بالزعم أي الكذب، ومثل قوله تعالى {فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}.
ثالثا: أهل الطرق الذين خلقوا ذكرا للعبادة بجانب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وعلموه للمسلمين، وأضافوا اسمه لقادتهم ومعه كثير من الطقوس وأعظمه الكلام عن غيب الآخرة فيما سيفعله الله بهم وبقادتهم، الذي لا يعلمه إلا الله سواء تزكية لأي إنسان بمعرفة مصيره الأخروي، والله يقول {بل الله يزكي من يشاء} {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}.
والقرآن يؤكد انفراد كل أحد بمسؤوليته التي لا يعلم الله ماذا سيقال له فيها يقول تعالى {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} إلى آخر الآية، والعلم بذلك العمل خاص بالله.
وهنا انتهى ضحايا الشيطان بمن دس لهم سم الانحراف عن إيمان القرآن في سم الغلو في أنواع الاتباع.
رابعا: من قال الله فيهم إنه لم يجعل للشيطان عليهم سبيلا وإنهم هم عباده المخلصين.
فهؤلاء هم الذين نزل فيهم قوله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه}، إلخ الآيات.
خامسا: أصحاب أنواع المعاصي مو بقاتها وكبائرها وصغائرها، فهؤلاء إن تابوا توبة نصوحا فهم أهل الله وأحباؤه يقول تعالى {إن الله يحب التوابين}، وفى الحديث إن من أحبه الله كان سمعه الذي يسمع به إلخ الحديث.
سادسا: العصاة الذين لم يتوبوا فهم في مشيئة الله.
وخلاصة المقال هي: أن أخطر ما يقدم به الإنسان على ربه بعد حياته الدنيا القصيرة أن يعبده على غير هدي القرآن، والقرآن يقول لهم {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم}.
ومثله في الخطر من ينسب نفسه للإسلام ويحكم غير القران في نفسه، ومن في حكامته ومثل هذين من يعبد الله بما لم يؤمر بجعله عبادة لله قولا وفعلا واعتقادا، وكل هؤلاء يعنيهم الله بقوله {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} إلخ الآيات، أما ورثة الجنة فهم ورثة الكتاب المشار إليهم أعلاه يقول تعالى {جنات عدن التى وعد الرحمن عباده بالغيب}، إلخ الآية فقبل هذه الآية قوله تعالى {أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا}.
وأعود، فأكرر أن أخطر رفيق الإنسان إلى القبر من تحقق فيه هذين الوصفين من الله قوله تعالى {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا}، وقوله تعالى {ومن أظلم ممن اتبع هويه بغير هدى من الله}.
ولا حول ولا قوة الا بالله.