د. الطالب أحمد / أحمد رمظان - اقتصادي، أستاذ (مقدم خدمة) بجامعة العلوم الإسلامية بالعيون
في ظل الوضعية الحالية لمؤسسات التعليم العالي التي تتميز باعتمادها بنسبة 65٪ على الأساتذة المتعاقدين والمتعاونين، تبرز بجلاء الحاجة الماسة لإعادة النظر من طرف أصحاب القرار من أجل تجاوز هذه الوضعية لصالح هذه المؤسسات من جهة، وإنصاف الدكاترة من جهة أخرى، وضخ دماء جديدة في طواقم التدريس خصوصاً في ظل وجود 600 من حملة الشهادات العليا تهدد مستقبل دمجهم الوظيفي في سلك التعليم العالي معضلة تجاوز السن القانونية التي ظلت محددة بـ45 سنة دون زيادة، رغم رفع سن التقاعد لأساتذة التعليم العالي بـ3 سنوات، لتنتقل من 65 سنة إلى 68 سنة.
وتعتبر هذه الزيادة إطالة في العمر الوظيفي للأستاذ الجامعي، وهي على حساب الدكاترة المعطلين ما لم يصاحبها تمديد سن ولوج الاكتتاب لمؤسسات التعليم العالي إلى 50 سنة أو على الأقل 48 سنة.
إن الحل أمام هذه المعضلة، هو إنصاف حملة الشهادات العليا باكتتاب عاجل وشامل، يفي باحتياجات 16 مؤسسة تعليم عال يقع عبء التدريس فيها على الأساتذة المتعاونين والمتعاقدين (مقدمي خدمة).
فجامعة نواكشوط منذ سنة 2020 لم تقم بأي اكتتاب، رغم تزايد أعداد الطلاب فيها، وفتح المزيد من شعب الماستر ومدارس الدكتوراه ووحدات البحث العلمي، وكذلك جامعة العلوم الإسلامية بالعيون لم تقم هي الأخرى باكتتاب منذ 10 سنوات، والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية لم يجر هو الآخر أي اكتتاب منذ خمس عشرة سنة.
وهناك مؤسسات أنشئت مؤخرا كالمدرسة العليا للتجارة والمعهد العالي للتقنيات الرقمية (اقتصاد المعرفة)، ورغم أهميتهما لم يكتتب لهما ولا أستاذ واحد، بالإضافة إلى المعهد العالي للشباب والرياضة الذي تمت ترقيته من مركز إلى مؤسسة تعليم عال بحاجة إلى رفده بأساتذة، وهو مؤسسة تعليم يعنى بقضايا تتعلق بهموم ومشاكل الشباب، وكذلك المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء التي لم تقم هي الأخرى بأي اكتتاب منذ سنة 2016 والتي يزداد الطلب على خدماتها.
بتعبير اقتصادي يوجد في السوق حاليا ما يربو على 700 عاطل عن العمل ما بين الدكاترة والتكنولوجين، نسبة معتبرة منهم تجاوزت السن القانوني للاكتتاب، أغلب هؤلاء الدكاترة أمضوا سنوات عديدة في تعاون عقيم ضاع فيه العمر والجهد، ونسبة قليلة منهم في حدود 5% حصلت على عقود تقديم الخدمة، وهي عقود لا تغني من جوع، ولا تراعي أي حقوق، ولا توفر أي ضمان، ولا يستفيد أصحابها من أي زيادة، وهي تعويضات شهرية زهيدة لا تتجاوز 15000 أوقية جديدة في جامعة العيون، و20000 أوقية جديدة في جامعة نواكشوط، وقد عبثت بالقوة الشرائية لها موجة التضخم الأخيرة وغلاء المعيشة.
إن هذه التعويضات أو الشهرية أو الجراية التي يحصل عليها الأستاذ (مقدم الخدمة) تشكل 20% إلى 26% من راتب الأستاذ الرسمي بعد الزيادة الأخيره، وهو ما يشكل فرقا صارخا، رغم أن كلا منهم يقدم الخدمات نفسها، بل أحيانا يكون الأستاذ (مقدمة الخدمة) أفضل أداء وأكثر ارتباطا بقاعات التدريس.
وضعية الأساتذة المتعاقدين والمتعاونين اليوم في مؤسسات التعليم العالي الموريتانية، هي وضعية صعبة وقاسية، وأشبه بالعبودية الاقتصادية ، يقول أحد الدكاترة المتعاونين إنه درس 11 ساعة أسبوعيا طيلة سنة دراسية، وكانت المحصلة النهائية لهذا الجهد 75700 أوقية جديدة، ويقول دكتور ٱخر إنه درس 6 ساعات اسبوعيا لعام دراسي لم يحصل مقابله إلا على 19200 أوقية جديدة، فيما يقول دكتور ثالث إنه صدم عندما وجد في حسابه 2200 أوقية جديدة كتعويض عن أتعابه لسداسي كامل، وإن ردة فعله هي أنه قام بحرق نسخة من شهادته، وأنه لولا طبيعة مجتمعنا الحارس لأحتج على طريقة البوعزيزي.
هذا الوضع البائس جعل أحدهم يقول "إنه يفضل شراء عربة ثلاثية العجلات يجول فيها بين شارع الرزق وملتقى طرق مدريد، وأن صباحات شارع الرزق أكثر بركة من صباحات الجامعة" فيما يقول دكتور ثان "إن تربية التيوس (لعتارس) في منطقة الضفة (شمامة) أكثر مردودية من تعويضات الجامعة" ، ويعلق دكتور ثالث "أن الحل هو القفز من على الجدار الفاصل بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية"، ويضيف دكتور رابع "أنه كلما وقف أمام طلابه، وقابلته طالبة تدرس عنده، وهي موظفة بإحدى المؤسسات الحكومية، يزيد راتبها على راتبه بالضعف يرى ظلم الوطن له في نور عينيها".
واقع تراجيدي - فعلا - تعيشه نخبة من الدكاترة على أعتاب سن الإقصاء من الولوج إلى الوظيفة العمومية، فلا اكتتاب يلوح في الأفق القريب، ولا إرادة جادة من قبل الجهات المعنية لتصحيح الوضعية القانونية المزرية.
ويبقى السؤال المطروح إلى متى يظل الأساتذة (مقدمي خدمة) صابرين - صبر أيوب - تقتات على جهدهم مؤسسات التعليم العالي، وحلمهم مؤجل؟