شكر وتقدير ْ.. ووداعُُُ أخيرْ !!!
بمناسبة انتهاء أيام العزاء، في رحيل "البُنيّة" الغالية العزيزة نزيهة -لروحها الرحمة- فلا يسعني إلا أن أشكر كل الأهل والإخوة والأصدقاء والأحبة على مشاعرهم الصادقة، ودعواتهم الطيبة، ونحن ممتنون لكل من زار، أو اتصل، أو همّ بذلك، أو بعث رسالة، أو تعليقا، أو تلميحا وقف به معنا في هذه المحنة، التي خبرنا فيها مرارة الفقد والغياب والرحيل المفاجىء، والوداع العصيب.
حامدون وشاكرون للواهب المنّان هذا النعت، وتلك الإطلالة البهية، والومضة النورانية، المشعّةِ بهاءً ونوراً، وصفاءً، ونقاءً، لم يمتحن بأدران هذه الحياة، وارتسم بسمة آسرةً، مرفرفة كطائر ذهبي أسطوري، شقّ طريقه بوقار الجمال، وبريقِ الألق إلى حيث النبع الأصفى، ورياض الجنان.
وداعا "نزُّوهة" .. وداعا لعام ونيف من البسمات الوضيئة وضاءة البدر، والنجوم الزاهية .. وداعا للحظات خالدة من البهجة والسرور والفرح .. وداعاً لأغلى ذكرياتٍ في الأربعين عاماً .. وداعاً لعام ونيفٍ مراَّ مرور الكرامِ .. مرور غمامة بيضاءَ على صحراءَ قاحلة .. لطالما تاهت في السوافي والفيافي.
سأذكر ذلك الوجه الملائكيّ ما حييت، ويوم يندثر هذا العمر المثقل حنيناً لأيامكِ الجميلةِ، أيتها البريئة، المتبتلة في محراب السناء الأقدس، وسنى قبسات النور الدافق.
آمل أن تتذكريني دوماً، إلى أن يشرع باب الجنان لي على يديك، وأنت تقفزين إلى أحضان، لم تخنك، ولا في خيالاتها، ولا ينبغي لها ذلك، وأن تزوريني بين الفينة والأخرى، إذ تأخذ الرؤيا الرائي إلى عالمه الأغلى.
لقد كدت أركن إلى الدنيا شيئاً قليلاً، يوم اللقاء، ولا أخفيك سراّ كانت عُلْياَ، عاليةً ومرتفعةً، ومشرفةً من أعالي الجبال الخضراء، على حدائق غلباً، وفاكهةً وأباً، وأحلاما ملونةً بألوان قوس قزح الزاهية، واليوم هي دنيا، مجرد دنيا، وما أبشع أن يكتشف الإنسان أنها مجرد دنيا!!!!
وفي الحقيقة -يا نزوهتي الغالية- العالم الذي تستحقين بعيد جدا من هذه المتاهة، وهذا المنكب القصي، ولذا -لا يسامرني شكُُ- أن الله اختار لكِ الأفضل، والمقام الأرفع، والعطاء الأبدي الأزلي غير المحدود، ولا المجذوذ، ولا المحفوف بالضعف، والوهن، والنواقص، والمكدرات .. إن العالم الذي منّ الله عليك به لم يكن في وسع أبيك أن يصلك به، ولا البشرية جمعاء، فهنالك عالمنا الموعود، والحاضرون هنالك تزداد حظوظهم ومراتبهم، إذا لم يحملوا من هنا بعض الأثقال، وبالنسبة لي -ولا أعتقد أنها مجرد عواطف أب مبتور- كنت من هنالك، من هنالك، حيث أنتِ الآن، بعد الخلاص من هذا العدم، هذا التلاشي، وهذا الضياع.
لا تذرفي دمعاتك المنضودة خرزات ماسٍ، على خدك الفضي الماسي المتلألئِ، لأن حروفي بلغتكِ هنالك، فعالم السعادة الأسمى لا يعرف هذا الضجر الحزين، وهذا اليأس المحبط أمام صمود صعلوك مؤمنٍ، لم تبق فيه سيوف الليالي ثلمةً، ولا قضمةً، وجرحتهُ الورود المتناعسة بشغاف القلب.
حسناً، فليربط الله على قلوبنا، وليبدلنا خيرا، ويلهمنا صبرا، ولكن يومئذٍ حين تلحقُ الذريات بآبائها في الجنان، أرجو من ربنا الكريم أن لا يسبقك أحد إليَّ، فقد يكون الصبر الجميل نفسه في غاية الكآبة.
هل أطلت عليكِ؟ حسنا ما فائدة الأسلوب غير هذا؟ وأنا الذي لطالما آزرت بحروفي وقصائدي المفجوعين، ألا يحق لي أن أتوكأ على حرفي، لأسكر من لذة الألم لعلها تطفئُ هذا الشوق اليعقوبيّ اليائسَ ؟ …..
أمَّا هذه الأربعون فلا ترجع يوسف .. يا أسفاهُ .. ولو بلغت من الكبر عتيا !!!
إنا لله وإنّا إليه راجعون.ْ ..