سلكت طريق النباغية منذ نعومة أظافري طالبا للعلم، قرأت القرآن في كتاتيبها، وفتحت عيني فيها على مجتمع العلم والاخلاق والفضل والمساواة.
تلقيت من عموم ساكنتها على اختلاق أجناسهم وألوانهم وأعراقهم كثيرا من الترحاب، غرس محبة هذه البلدة في قلبي وأنا يومها فتى يافع أتلمس طريقي بعنفوان الشباب وطيشه.
عدت إلى النباغية وفاء للجميل لأشياخي الذين تعلمت عندهم فرض العين، وميزت في ديارهم بين أقسام الكلام.
ما زادني العود إلى النباغية إلا تعلقا بهم وتمسكا بعهدهم، وما زادتهم عودتي إلا حسن ظن بي وإعطائي فوق ما أستحق من التقدير والاحترام.
ظل طريقي من وإلى النباغية سالكا رغم وعورة الطريق، فكنت أنسى عند الوصول كل عقبات الطريق، حين أسمع الترحيب من تلك الأفواه الطاهرة وأشاهده على تلك الوجوه النيرة، حين تمر تلك الأيدي النقية المسبحة بحمد ربها وشكره على رأسي وأذني وتداعبني كطفل صغير، حينئذ تكتمل فرحتى ويزول تعبي وأتمنى لو عدت قطع تلك الطريق الصعبة كل يوم ألف مرة!
وحتى لا أبتعد كثيرا في وصف ما لا يمكن وصفه وقول ما لا ينبغي قوله، يمكن أن أقول بحق إن إعطاء إشارة إنجاز طريق النباغية يعني لي الكثير، ويمكنني التأكيد متيقنا أنه عمل لا يوفق له الله إلا الموفقين، وقد وفق الله له فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ونسأل الله أن يكتب له أجر كل من سلك طريق النباغية ليلتمس علما وأن يجزيه به خير الجزاء ففي الحديث الشريف الذي رواه أبو داوود والترمذي عن أبي الدرداء قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ، يقولُ: منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ.
والحقيقة أن إنجاز الطرق وفك العزلة عن الريف هو من أهم الاستراتيجيات التنموية التي تساعد السكان على الثبات في أماكنهم الاصلية وتسهل على الدولة توصيل الخدمات الأساسية إليهم، والاستثمار في البنية التحية هو المصعد الذي ركبته عدة دول للالتحاق بالركب الحضاري.
شكرا مرة أخرى سيدي الرئيس على إنجاز طريق النباغية، فطريق النباغية ليست كأي طريق!