إلى معالي السيد وزير الداخلية واللا مركزية/ الموقر
المرجع : رسالتكم حول المنتديات العامة الإصلاح العدالة
السيد الوزير /
عطفا على رسالتكم بتاريخ 14/ 11/ 2022 الواردة إلى حزبنا، المرفقة بالمذكرة التوضيحية حول العدالة، لإبداء مقترحاتنا حول العدالة تشخيصا وإصلاحا وتطويرا .
اعتبارا لذلك فإن حزب الإصلاح يعرض رؤيته للعدالة التي ترتبط في مفهومه بالأبعاد الاجتماعية والحقوقية والتنموية.
أولا: حول البنية المؤسسية للقطاع:
يعاني القطاع العدلي من اختلالات معيقة من بينها أنه مرؤوس من خارجه، فرئيس المجلس الأعلى للقضاء ينبغي أن يكون اختياره من داخل التشكيل المهني (القضاة)، مثلا على غرار رئيس البرلمان، وفي ذلك ضمانتان الاولى تحقيق مبدأ الفصل بين السلطات، بما يسلتزم انتقاء رئيس المحكمة العليا من بين القضاة الذين يؤهلهم النسق المهني لذلك، والثانية الحد من وصاية وزير العدل على القضاة، بما يقتضي بالضرورة تقليص سلطة مرؤوسيه في النيابة العامة على القضاء الجالس، وبموازاة الضمانتين ينبغي رفع مستوى الحصانة القضائية إلى درجة الحصانة البرلمانية، دون إخلال بفاعلية المسطرة التأديبية.
ولأن العمل القضائي بمعناه الفني منوط بكتابات الضبط، فلا مناصه من إعادة هيكلة الجهاز الضبطي وتطويره كإدارة، مع لفتة للوضع الاجتماعي لكتاب الضبط على غرار الاستفادات التي حظي بها القضاة في الفترات السابقة.
ثانيا: حول أداء المرفق القضائي
لا يكاد يخفى من خلال استقراء تحليلي لواقع القضاء الوطني أنه لا يفي بحماية الحقوق التي هي أساس شرعية وجوده، جراء أكثر من مؤثر خارجي، ناهيك عن العوائق الذاتية.
- فمن المنظور الموضوعي: ماتزال سوابق النظرة الرسمية للقضاء تلقي بظلالها على العلاقة بين طرفيها، تشبثا بفكرة "السلطة السيادية"، طالما لم يتم التحرر من هذه النظرة النمطية، ومن جانب آخر لما يبرح القضاء ينوء تحت تأثير البيئة الاجتماعية بإكراهاتها وضغوطها التي تمارسها وفق عناوين متغيرة.
- ومن المنظور الذاتي: يظل نقص الكفاءة لدى مهنيي العدالة (قضاة، كتاب ضبط) معوقا ذاتيا له يظهر انعكاسه السيئ على طبيعة الأداء، ولا سبيل للحد من تأثير هذا العامل الا بتبني سياسة التكوين المستمر للقضاة وانتهاج معيارية التخصص ضمن مختلف ميادين الحقل القانوني، وتتويج ذلك باستحداث محاكم متخصصة.
لكل ذلك لا يتأتى تقييم الأداء القضائي منفصلا عن إطاريه الموضوعي والذاتي، وبالنتيجة لن يتأتى تحسين الأداء الا بمعالجة شاملة لعناصر الواقع.
ثالثا: حول آفاق النهوض بالقطاع القضائي
ينطلق رؤية حزبنا للعدالة من تصور شامل يتجاوز البعد الحقوقي إلى مقتضيات التنمية الاجتماعية والممارسة السياسية وكل ما له صلة بواقع الحياة.
والعدالة بهذا البعد هي ايضا البيئة الحيوية للاستثمار، والقوام المعزز لعلاقة البلد بشركائه اقتصاديا ودبلوماسيا.
إن أي استراتيجية لتطوير القضاء تتطلب تغييرا جذريا لا إصلاحا عرضيا، كما دأبت عليه الانظمة في سالف العهود، ولكن مع مراعاة التدرج العلمي والامكانية الفنية واعتبار الأولويات.
ومن منطلق ذلك يرى حزبنا في المقترحات التالية مرتكزا لمرحلة أولية من النهوض بالقطاع:
- انتهاج آلية قانونية تجسد الضمانة الدستورية لاستقلال القضاء، (تغيير مركز رئيس المجلس الأعلى للقضاء، حصر رئاسة المحكمة العليا على القضاة، استقلالية الادعاء العام عن الحكومة...).
- استحداث هيئة على شكل سلطة نتظيم، ( المجلس لأعلى للقضاء)مشكلة من القضاء عن طريقي الانتخاب والاستحقاق (بالرتبة)، يعهد إليها بصلاحيات التأكيد الترقية والتحويل والتأديب، ضمانا لحماية القاضي من الإجراءات الحكومية تحت طائلة الدواعي السياسية والامنية.
- إنشاء قطاع شبه عسكري للضبطية القضائية منفصل عن السلطة الرئاسية للدرك والشرطة، يدار مهنيا وإداريا وماليا من لدن النيابة العامة. (على غرار ماوقع لأمن الطرق).
- اقتطاع بند معتبر من الميزانية العامة، يدار مباشرة من طرف المحاكم لأغراص الصرف الإنسيابي على المجهود القضائي بما فيه المساعدة القضائية للدفاع ومكافئات مسدي الخدمة الاضافية من قضاة وكتاب وأعوان أمن.
- إقامة معهد عالي للقضاء يضطلع بإعادة تكوين القضاة العاملين وتصنيف المؤهل التخصصي لديهم، بما يسمح بمراجعة توبيئهم في المحاكم حسب التخصص المطابق، مما يتيح الإمكانية الفنية لتشكيل محاكم متخصصة، ويعهد إليه أيضا بالاكتتاب المباشر وإخضاع المكتتبين للقواعد التخصص أثناء التكوين.
- اعتماد رقمنة العمل القضائي، بالاستفادة من متاحات التطور المعلوماتي، خاصة في المجالات الأكثر حاجة للأمن الوقائي ضد الجريمة (أرشفة التوثيق، قاعدة بيانات السوابق العدلية، سجل الحالة المدنية...).
ولأن التوثيق أحد روافد تأمين العمل التنموي فإن الضرورة تقتضي شرعنة الربط الرقمي بالسجل المدني والعقاري، والاعتراف بالحضور الحكمي عبر وسائل الاتصال الاكتروني.
وبالعموم فإن إخصاع العمل القضائي للرقمنة من شأنه تسهيل التعاطي بين المهنيين (موثقين،محامين، كتاب، قضاة)، خدمة لسرعة وجودة الإجراءات.
- خلق آلية جديدة لتنفيذ الأحكام القضائية، على المدانين مدنيا، بمن فيهم الدولة، بالاستيفاء الجبري لمبلغ الادانة المحكوم به ضدها، وتتجسد هذه الآلية في تنظيم (تشكلة تنفيذ) على مستوى محاكم الولايات، تمتلك الأمر بتسخير القوة العمومية دون اللجوء الى النيابة العامة.
- تأهيل المؤسسة السجنية، بتحسين البنية التحتية، وتعزيز إنسانية النزيل بتوفير المعاش والاستطباب الملائمين.
ولا يغيب عن وعينا أن السجن في راهن العصر ليس فقط وضعية عقابية، بل هو الى جانب كونه تدبيرا احترازيا لحماية المجتمع، فإن من مراميه المتوخاة جعله وضعا استثنائيا تربويا، يستهدف إعادة تأهيل المنحرفين، ولتحقيق هذه الغاية يستدعي الحال إدراج الاستعانة بأخصايين في علمي النفس والاجتماع ضمن نظام السياسة السجنية، والاعتماد عليهم في متابعة وتقويم سلوك السجناء، ومن خلال التحليل العلمي لظروفهم الاجتماعية يتسنى للخبراء التعرف على مختلف أسباب الجريمة في المجتمع، ومن ثم وضع الاستخلاصات أمام الجهات ذات الصلة، لمعالجتها اجتماعيا وسياسيا.
كذلك يجب تبعا لتصنيف فئات السجناء تخصيص جناح لكل فئة تفاديا لشيوع ثقافة الإنحراف.
- تحسين المنظومة الإجرائية، خاصة فيما يتعلق بالآجال، بترتيب جزاءات على عدم التقيد بها من لدن القضاة (آجال البت، انقضاء الحبس الاحتياطي أو المحكومية، تحرير الأحكام، الطلبات النهائية، تحديد أجل للتقرير..) وبتقليص الآجال على مستوى الطعون غير العادية، ثم تحرير قضاء الاستعجال من رقابة النقض.
ولتكريس قواعد الشفافية قد يكون من المناسب وصماما للعدل أكثر، إشراك كتاب الضبط في تقنين وتحرير محاضر المداولات (أثناءها) من مركز صفة فنية لا استشارية، فهو ثقة قانونية ما دام موظفا محلفا.........
والله الموفق
عن اللجنة الفنية والقانونية المداولة حول إصلاح العدالة.
رئيس الحزب
الأستاذ . محمد ولد طالبن