مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

قراءة في "المقاومة السوننكية للاستعمار"

محمد بكاري سيسى

تُعدّ الاحتفالات بالذكرى السنوية للاستقلال؛ مناسبةً لتقليب صفحات تاريخ المقاومة المجيدة، ذلك التاريخ الذي سطّره الرّجالٌ الأفذاذ بدمهم ودمائهم دفاعًا عن شرفهم، شرف الأرض والدين والثقافة، قاوموا بأنفسهم وأموالهم أيّما مقاومة، فكانوا بناة الوطن وحماة الدين، تينك الوحدتين اللتين وحّدتا إثنينات وشرائح متنوعة للدولة الموريتانية الحديثة.

 

وقد ارتأينا في هذا السياق أنه من المهمّ التذكير بحلقةٍ من حلقات هذا التاريخ المشرِّف، تتعلّق بـ"المقاومة السوننكية للاستعمار".

 

المقاومة السوننكية للاستعمار في كيدي ماغه؛ عنوان كتاب عرّبه الباحث التاريخي دكتور محمد المحجوب ولد محمد المختار ولد بيه، وهو في الأصل - أي الكتاب - وثيقة جمعت بين دفتيها شخصيات مرابطي سوننكه ومحاضرهم في كيدي ماغه ومواقفهم من الاستعمار، كما هي حصيلة تقارير استخباراتية وردت ما بين يناير 1906 وإبريل 1906 -حسب المؤلف- جمعها ورتبها وغلّفها أحدُ الإداريين الفرنسيين سنة 1908 يسمّى كوستاف أودان  Gustave Audan

 

 يُلاحَظ إذن أن مدارَ بحث الوثيقة المقاومةُ الثقافية متمثلة في المحاضر السوننكية وليست العسكرية، رغم الدور المشرّف الذي أدّاها هولاء الشرفاء في هذه الأخيرة ليس الموقف مجال التعرّض له.

 

لكنّ وعيًا من المستعمِر حجم العقبة الذي تشكّله المقاومةُ الثقافية - الدينية على تقدمها في تحقيق مآربه-  سيما إذا تعلق الأمر بمجتمع عرف الدين الحنيف مبكرًا من تاريخه وألفه واستمات في الدفاع عنه من عهد امبراطوريته إلى يوم الناس هذا -  عنى عناية كبيرة بالثقافات المحلية لمستعمَراته، ودرسها دراسة توظيفية تخدم مصالحه، كما تفضحها قراءة إدوار سعيد لـ"الاستشراق".

 

وكما يقال إنّ الموضوع هو الذي يحدد المنهج، قُدّمت المادة وفق موضوعها، فجاءت محتويات الوثيقة  -كما ورد في الكتاب-  على النحو التالي:

- الحالة العامة حسب التسلسل الأبجدي للمرابطين في كيدي ماغه: وهي لائحة تُضمّن أسماء معلمي المحاضر السوننكيين في كيدي ماغه وأدرج تحت هذا البند اسم 166 مدرّسًا.

 

ونحن هنا نتفادى إيراد الأسماء لعدم تناسب المقام رغم ورودها في الكتاب.

 

- المرابطون في كل قرية، مرتبون حسب التسلسل الأبجدي لأسمائهم، يلاحظ قارئ الكتاب أن أكثر المرابطين هم في مدينة سيلبابي وقرى اجياقيلي واديوقونتور وكومبا انضو وقمو.

 

- المدراس القرآنية في كيدي ماغه: تناول فيه المحاضر القرآنية في قرى كيدي ماغه مسجلا اسم شيخ كل محضرة وعدد الطلبة فيها، بدأ بمدينة سيلبابي وباسم المرابط بولاي جيلى كامرا، وأنهى لائحته بكومبا انضو وباسم المرابط فودي تاليبه صامبا سيسى.

 

- المقدمون: وفيه ذكر مشايخ الطرق الصوفية الذين يعطون الأوراد التيجانية والقادرية والسنوسية، وذكر منهم أربعة، مضيفا أن ثلاثة منهم ليسوا من كيدي ماغه فواحد منهم من السنغال، واثنان من مالي.

 

- المرابطون: وهو القسم الأكبر من الكتاب، إذ يحتوي على 167 صفحة من الكتاب؛ بدأ بالمرابط عبدولاي مامادي سوخنا المقيم في سيلبابي، وانتهى بالمرابط كابا سيسى المقيم في كومبا انضو.

 

وأفاد تحت هذا العنوان بمعلومات مفصلة عن كل شيخ محضرة ورد اسمه في اللائحة عن اسمه، سنّه، محل ميلاده، قريته، طريقته الصوفية، مصدر طريقته الصوفية، العلوم الشرعية والفقهية التي درسها، اسم شيخه، القرية التي درس فيها، النصوص التي يقوم بتدريسها، مكتبته، أسماء تلاميذه، وأخيرا المناطق التي يمتد تأثيره إليها.

 

ويختم بذكر موقف الشيخ من الوجود الفرنسي مشيرا، بناء على ذلك، بما ينبغي أن يكون موقف الإدارة الاستعمارية منه.

 

كما أورد تواريخ إحراق عدة مكتبات في كيدي ماغه من قِبل المستعمِر.

 

وهكذا نرى أن الوثيقة تخلّد مرحلة من مراحل المقاومة الثقافية – الدينية  (1906 -1908)  للمجتمع السوننكي معتمدًا على الملاحظة والمعاينة، وتقدّم تصورًا عن بسالة شيوخ المحاضر وطلبتهم ضد الاستعمار، فقد كانوا بحق حماة الدين وحراس الهوية الإسلامية لمجتمعهم، وقل القول نفسه عنهم إذا تعلق الأمر بالمقاومة العسكرية، إذْ لبوا دعوة المجاهد والقائد محمد لمين درامي لمّا أعلن الجهاد على المستعمِر، حيث قاد الجيش في معركتي باكيلي وقيمو سنة 1886 وقد "نجح هذا الجيش في الاستيلاء على أجزاء من بندو وكيدماغه وغوري، وحصر القلعة الحربية الفرنسية في مدينة باكلي، في 14 مارس  1886".

 

ولشدة بأس قادة المعركتين سجّل المستعمِر أسماءهم في الوثائق السريّة لتكثيف المراقبة عليهم، ومن أولئك القادة: الشيخ جاكلي درامي، الشيخ بونا كويتا، الشيخ علي اسما كبي… وغيرهم

 

لمزيد من الاطلاع في هذا الخصوص؛ ترجى مراجعة كتاب علي سيسى "تاريخ المجمتع السننكي في موريتانيا".

 

وتأسيسا على ما سبق يتبين أن الوثيقة سواء الأصلية منها أو المعربة تنتمي إلى التراث الوطني للمقاومة المؤرّخَة، وتعكس جانبا مهمًّا من المقاومة السوننكية التي تنمّ عن الروح الإسلامية والوطنية حيث كان الحيز الجغرافي الضيّق وطنًا.

 

جمعة, 02/12/2022 - 00:10