المختار محمد يحيى
لا يفوت المتتبع للشأن الوطني في موريتانيا إلى أن البلاد عاشت جملة تغيرات حاسمة على مدى ثلاثة أعوام هي ما مر من مأمورية رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني كان أبرزها الحفاظ على أمن واستقرار البلد في منطقة عصفت بها الأزمات الأمنية والسياسية والدبلوماسية فضلا عن الأزمة الصحية العالمية التي مثلها انتشار جائحة كوفيد 19.
لقد حصلت بلادنا على فرصة نادرة بتاريخها وفي ظل قيادة رئيس الجمهورية لبناء الثقة في المؤسسات الجمهورية بعد عقود من إهمال التنمية واستشراء الفساد، حيث عادت ثقة المواطنين في الدولة باعتبارها تلك المنظومة المؤسسية التي تعمل وفق القانون وبواسطة الإمكانيات اللازمة لتحسين حياة المواطنين في الحاضر والمستقبل، مع ترقية حقوق الإنسان وإنصاف المهمشين وبث روح المساواة بين المواطنين في كافة مناحي الحياة.
إن تألق موريتانيا في السنوات الأخيرة جاء بعد إثباتها للمجتمع الدولي أنها دولة سائرة على درب التنمية حيث استطاعت الوصول إلى درجات نمو في الناتج الخام أقنعت جميع الشركاء بنجاعة السياسات والبرامج الاقتصادية التي تقوم بها بالإضافة إلى عملها المطرد لحجز موقع متقدم ضمن منتجي الطاقة الكبار في القارة الإفريقية، فضلا عن كونها صاحبة أحد أكبر البرامج العالمية للتحول الطاقوي الذي يروم إنتاج الطاقة والهيدروجين الأخضر، واستغلال الثروات الطبيعية والمستدامة.
كما أن حاجة تكتلات اقتصادية كبرى في الشراكة مع بلادنا باتت حقيقة، وذلك في سياق أزمة الطاقة والمحروقات التي تؤرق بلدانا كثيرة تعتمد بشكل كبير عليها، وذلك غداة تأثر تزويد السوق العالمية بها بفعل الحرب الأوكرانية، وما تمثله موريتانيا باعتبارها مرشحا قويا لتعويض النقص الحاصل عالميا من خلال إنتاج الغاز في آبارها قيد التشغيل والتي تخزن احتياطات كبيرة ستكون وسيلة البلد إلى النهوض مع سياسات الدولة في الحكامة والشفافية وتقوية المؤسسات، وإعطاء القضاء دوره المحوري في استقلالية تامة قصد الحفاظ على ثروات البلد التي هي ملك للشعب والأجيال القادمة.
وعلى الصعيد الأمني كذلك استطاعت بلادنا حصد احترام عالمي لتجربتها في فرض الاستقرار وتوطيد التعاون في الساحل لمحاربة التطرف والجريمة والتهريب، وهو ما مكنها من عقد شراكات استراتيجية في مجالات الأمن والتعاون العسكري مع عدد من الفاعلين الرئيسيين على المستوى العالمي، وهو ما توج بتعبير قوى عظمى عن اعتبارها بلادنا شريكا رئيسيا وفعالا في غرب إفريقيا، كان آخرها تصريح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي في القمة الأخيرة للحلف التي دعيت إليها بلادنا.
إن المكانة التي باتت موريتانيا تأخذها جعلتها وسيطا هاما في نشر الاستقرار والسلام إفريقيا وعالميا، ولاعبا أساسيا لرتق شرخ الخلاف السياسي والدبلوماسي في المنطقة، ولا شك أن قيادتها لمجموعة الدول الخمس في الساحل واستضافتها لمقر المجموعة في نواكشوط، يعتبر دليلا واضحا على جهودها وتغليبها روح التعاون لمحاربة التطرف والفوضى، الناتجان عن انعدام الأمن وغياب التنمية في حيز منطقة الساحل والصحراء، بالإضافة إلى قيام موريتانيا بإرسال قواتها لحفظ السلام إلى بؤر التوتر في القارة الإفريقية وخير مثال على ذلك انضمامها للجهد الأممي في جمهورية وسط إفريقيا الذي يسعى لبسط الأمن وحماية المدنيين من أتون الحرب العرقية.
وفي التجربة السياسية الوطنية فلقد استطاعت الدولة والحكومة ممثلتين في وزارة الداخلية واللامركزية تطوير العمل السياسي وتوطيد الهدوء السياسي، من خلال النأي بالدولة عن دور الخصم في الحياة السياسية الوطنية كما كان يحدث في الماضي بل كسبت رهان التسامي عن التجاذب السياسي واستطاعت تنظيم المشهد من جديد وإحراز توافق سياسي هو الأول من نوعه حول الانتخابات وذلك برعاية سامية من فخامة رئيس الجمهورية.
لقد تحققت جملة مكاسب لا شك أن من أهمها ترقية العمل الديمقراطي وبناء الثقة لدى جميع الأحزاب السياسية في الأغلبية والمعارضة والوفاء بتعهدات رئيس الجمهورية لتحسين مناخ العمل السياسي وبث الهدوء الذي بدونه لا يمكن الحديث عن تنمية متوازنة ونهوض حقيقي، وهو ما أسفر عن تنفيذ تعهد الدولة بالتحضير الناجح للإنتخابات النيابية والجهوية والبلدية وتشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات قبل نهاية أكتوبر، وهو ما حصل بشكل كامل مؤسسا لمرحلة جديدة تفسح المجال للجميع للمشاركة السياسية بحرية، وفي ظروف مريحة.
إن مختلف المؤشرات تؤكد مدى تشبث بلادنا موريتانيا بالسير بثبات على طريق التنمية التي تقوم على أسس أهمها تقوية البيت الداخلي من خلال خلق دولة مؤسسات حقيقية قائمة على القانون وتوظف الشفافية والحكامة كأداتين لا غنى عنهما للحكم الرشيد، وتحقيق العدالة الاجتماعية وبث الحريات، وهي أمور كانت البلاد في أمس الحاجة لها قبيل تسلم رئيس الجمهورية