على بعد كيلومترات قليلة من قلب العاصمة نواكشوط ، تجلس "فاطمة بمب" أمام مقود سيارتها البيضاء من نوع تويوتا غيربعيد من منزلها بالضاحية الشمالية من حي تنسويلم ، جنوبي مقاطعة دار النعيم- وهي تحكي لنا بمرارة تجربتها مع الدوريات الأمنية المكلفة بضبط حظر التجول خلال جائحة كورونا ..
تقول فاطمة : حوالي الساعة الحادية عشرة من ليل الخامس من يونيو/2021 وفيما أنا عائدة من إيصال أختى لمنزلها بشارع المقاومة شرقي دار النعيم ، أمرني بالتوقف أحد أفراد دورية للدرك الوطني تتخذ من تقاطع الطرق المسمى ب"كارفور المقاومة" نقطة تمركزلها، فامتثلت لأمره وركنت سيارتي جانبا ، ثم طلب مني مفتاحها، فطلبت منه أن يتسامح معي هذه المرة، خاصة أن برفقتي أطفالا صغارا ، وبعد توسل لم يؤت أكله نادى على قائده، ليأتي الأخير وبرفقته مجموعة من الدركيين المقنعين، الذين ما إن رأوهم الصبية حتى كادوا يطيرون من الفزع ، وأخذوا يبكون بكاء شديدا ، جعلني أنطلق-لا إراديا- بالسيارة هائمة على وجهي، علي أتخلص من ذلك المنظر المخيف ، الذي كاد يقتل أطفالي من الرعب ، وبعد مسافة ليست بالطويلة اكتشفت أنني دخلت منطقة رملية ، فاضطررت للتوقف خشية أن تعلق سيارتي في الرمال ، وفيما كنت أحاول أن أعود أدراجي بالسيارة ، كانت سيارات رباعية الدفع مكتظة بأفراد الأمن المقنعين قدطوقت المكان، وتعالت منها أصوات الزجر ، والتقريع ، وهو ماضاعف فزع الصغار، وأخذ مني قائدهم مفتاح السيارة.. ثم بعد ساعة أخلوا سبيل جميع السيارات الموقوفة لديهم باستثنائنا نحن "
وبعد انتظار طويل تيقنت خلاله تضيف بنت بمب أنه لا طائل من وراء مناشدة أفراد الدورية التي تحتجزها ، اتصلت بأ حد أقاربي يحمل رتبة عالية في قطاع الدرك ، ليتم بعدها بدقائق قليلة إخلاء سبيلي .
العقوبة القانونية لانتهاك الحظر
لمعرفة الجانب القانوني للموضوع ، قابلنا المحامي "محمد المامي ملاي أعلي" الذي يرى أن حظر التجوال في ظل جائحة كورونا هو حجر صحي وليس حظرا أمنيا ، لذلك كان من المفترض أن تقل فيه الانتهاكات عكس ما وقع للأسف ، كتجميع الناس في الأحواض الخلفية للسيارات بشكل مهين ، وبطريقة تسمح بنقل العدوى وانتشار المرض بدل مكافحته ، وحجزهم خارج الأطر القانونية والاعتداء عليهم ؛
وقال ولد ملاي اعل إن عقوبة انتهاك حظر التجول محددة في المادة السادسة من الأمر القانوني رقم 01/2020 بالإعادة الفورية القسرية، أو تطبيق إجراءات المنع من الحرية لمدة لاتتجاوز 48 ساعة، وبطبيعة الحال يمكن تطبيق الإعادة القسرية، رغم ماتثيره هذه العقوبات من إشكالات قانونية يضيق المقام عن بسطها ".
أما المتعسفون -يضيف المحامي محمد المامي- فتطبق عليهم قواعد قوانين مناهضة التعذيب والمعاملة القاسية ، ويمكن لكل متضرر أن يقدم شكوى بشأن ماتعرض له "
يرى رئيس "منتدى أواصر للتحاور ودراسات حقوق الإنسان"عبيد إميجن" أن جائحة كورونا أثرت على المقاربات الحقوقية بصفة عامة على المستوى العالمي ، تماما كما أثرت على مستوى ترتيب حقوق الإنسان من حيث الأولوية ، فالحقوق الصحية والاستشفائية باتت هي الأولوية منذ انتشار الوباء الذي رافقته تضييقات عديدة على حقوق الإنسان في مختلف العالم ، بدء من إخضاع الجميع للفحص الإجباري غير الطوعي بداعي الصحة العامة ، وانتهاء بحظر التجوال ومانجم عنه من تضييق في الأرزاق والحريات ، ومن تعسف بالغ من قبل سلطات إنفاذ القانون، تعسف ظهر جليا على مستويات مختلفة، مثل التعذيب النفسي -بل والبدني أحيانا- الذي تمارسه أحيانا بعض الدوريات على الموقوفين، فضلا عن إرهاب هذه الدوريات للسكان والأحياء ..
ويضيف الحقوقي عبيد إيمجن : نلاحظ أن هذه القوانين التي ظهرت تباعا خلال العقد الأخير بدء بقانون مكافحة الإرهاب الذي يسمح للسلطات بتتبع آثار الأشخاص ،واختراق خصوصياتهم من تسجيل المكالمات ،بالإضافة إلى الأوامر القانونيه المنبثقة عن كوفيد 19عشر كلها عوامل سمحت للسلطات بالتعدي على حريات المواطنين.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية بكندا