عثمان جدو
قد لا تكون هذه السنة الدراسية المطلة والتي تمثل السنة الرابعة في عهد النظام القائم، والذي دأب رأس السلطة فيه؛ فخامة رئيس الجمهورية على الإشراف المباشر على الافتتاح الدراسي وما يصاحبه من إرهاصات تتسم غالبا بالتشجيع والتكريم؛ قد لا تكون هذه السنة نشازا ولا استثناء يعكس مسار السنوات المتقدمة والتي بلغ فيها عقد التنظير والتخطيط و متتالية الورشات أعلى مستوى؛ وطبعا ترى الإدارة في ذلك سلامة التأسيس، فبدون التشاور والتخطيط سيظل التخبط هو العنوان دون فائدة ترجى، ويرى المخالفون لرؤية الإدارة من شركائها في حقل التعليم أن كل هذه الورشات عبث وهدر للموارد؛ حتى صار الموضوع عندهم مصدرا للتندر والفكاهة؛ والأكيد أن النجاح في تطبيق كل التصورات التي سودت الأوراق وراكمت الوثائق والمقررات من عدمه سيكون هو الحكم الفيصل الذي يظهر نجاعة التوجه وماتلاه من تطبيق على أرض الواقع أو العكس الذي يجعل المعترضين جد محقين.
إن الذي يثار هذه الأيام؛ قبيل الافتتاح المدرسي؛ يشي بأن ثمارا بذرت في الماضي بدأت تقطف فهل يا ترى ستكون بكامل النضج والنضارة أم أن آفة ما ستظهر وتكون مصدر إعاقة؟
إن من أهم ما أثير هذه الأيام حصر السنة الأولى من التعليم الأساسي على المدارس النظامية؛ فهل اكتملت جاهزية احتوائها لهذا الحدث الهام والصعب والمكلف أم لا؟ يضاف إلى ذلك ما شرع فيه من تنفيذ واعتماد لسلك معلم رئيسي فهل أخذ هو الآخر المسار الأنسب أم أن بعض العوالق والشوائب صاحبت الإعلان عنه؟ وهل بالإمكان التدارك وجعل الخطوات المعلنة في أبهى حللها الإيجابية؟ طبعا هناك نقاط أخرى إضافية أو موازية سنعرض لها أثناء بسطنا للكلام في هذا المقال على شكل رسائل موجه لوزير التهذيب الوطني عل ذلك يكون إسهاما يفيد ويعين ويوصل للأفضل.
قبل ست سنوات من الآن في السنة الدراسية 2016-2017 أطلقت الحكومة عزمها على احتواء التعليم الخصوصي من خلال الدمج التدريجي للتعليم الأساسي وكان المعلن يومها تسجيل السنة الأولى والثانية حصرا في المدارس النظامية وحظي الإعلان بمباركة كبيرة في انتظار تطبيق الخطوة التي ماتت قبل أن تولد، فمع اقتراب الافتتاح في السنة الدراسية الموالية ظهر أن الإعلان شيء والتطبيق على أرض الواقع شيء آخر؛ حيث ظهر حجم التحدي الذي يفرض زيادة الحجرات بعدد كبير وزيادة المدرسين النظاميين الذين يعانون نقصا لا ينتهى ولا يسد؛ فتجمد القرار بهدوء على صخرة الواقع، أما اليوم فالمشهد مختلف شيئا ما إذ بنيت حجرات دراسية كثيرة في السنوات الثلاثة الماضية واكتتب عدد كبير من المدرسين سواء بشكل مؤقت عن طريق مقدمي الخدمات أو بشكل نهائي عن طريق الاكتتابات التي حصلت بعد ذلك؛ ونرجو أن يكون استيعاب القرار على أتم صورة دون أن يضر ذلك بالمستثمرين في التعليم الخاص إذ يمكن دمج المدرسين منهم ممن لهم المؤهلات المطلوبة والاستفادة من العناصر الأخرى وتبادل الخدمات والمهام مع المشتغلين الآخرين.
أما عن سلك معلم رئيسي ورغم أهمية الحدث إلا أنه كان الأولى الانتقال إليه حسب الأقدمية وقرارات التفتيش ثم تفتح المسابقة له بعد ذلك دون الحاجة للشهادة الجامعية والتي تعتبر إضافة مهمة وتقديرها مهم جدا؛ لكننا أنهينا منذ أشهر اكتتاب المعلمين المكلفين بالتدريس في سلك الأساتذة دون اشتراط شهادة جامعية وطبعا سلك الأساتذة أولى بالشهادة الجامعية من سلك معلم رئيسي وهو أرفع في سلم الإطار منه وإن تقاربت الدرجتين واحتوتهما نفس الفئة (أ) ، هذا مجرد تنبيه من أجل أن تأخذ القرارات في المستقبل حقها من الاستشارات حتى تفصل المقاسات في تناغم تام مع الاشتراطات؛ ثم إن تكوين معلم رئيسي في مدارس تكوين المعلمين مستقبلا يحتاج إلى إعادة النظر فالأظهر تكوينه في المدرسة العليا لتكوين الأساتذة.
وبخصوص التعهد بالتدريس سنتين المصاحب للاستفادة من معلم رئيسي ففي الأمر دخن ما؛ فمثلا إذا تعلق الأمر بالمدرسين تحت إمرة الوزارة سواء كانوا معينين في وظائف سامية أو مدرسين في الفصول؛ فلا ضرورة للتعهد بالتدريس لأن الذي يدرس أصلا يدرس تحت رغبة وتوجيه الإدارة والمعين معين باختيارها ويؤدي لها مهام أكثر أهمية وإلحاحا من التدريس في الفصول؛ إذن التعهد هنا يحتاج إلى تعهد يوضحه!
أما إذا تعلق الأمر بالخارجين عن إمرة الوزارة من المعارين للوزارات الأخرى فالتعهد بالتدريس سنتين قليل عليهم بل شرط إرجاعهم أو تعهدهم بالتدريس لخمس سنوات هو الأولى وأقل القليل ثلاث سنوات من التدريس إن أراد أحدهم الاستفادة من هذا السلك هذا هو المتبادر ذهنيا عندنا والله أعلم.
هناك نقاط أخرى متفرقة تمثل رسائل هي الأخرى يمكن إلحاقها بما تقدم منها مثلا:
اكتتاب المعلمين المساعدين فلقد نص المرسوم رقم 227- 2021 المنظم للأسلاك والذي رأى النور في السنة الماضية وأتى رسميا بسلك معلم رئيسي؛ نص هذا المرسوم على طبيعية وكيفية اكتتاب معلم مساعد وحدد فئته، إذن لم يتوقف اكتتاب هذا الصنف من المعلمين؟ وإذا قال قائل أن شهادة الدروس الإعدادية لم تعد هي المستوى الدراسي المطلوب؛ فالرد عليهم أولا بنص المرسوم وثانيا بأن الشهادة نفسها لا تعكس مستوى الشخص إذ قد يطور مستواه المعرفي حسب جده واجتهاده وتشبعه واستعداده، ولقد كشفت مسابقة إلحاق المعلمين المكلفين بالتدريس إلى سلك الأساتذة عن تصديق ذلك من خلال تفوق بعض من ليست بحوزتهم شهادات جامعية على حاملي شهادات جامعية للسلك الثاني! إذن القضية تتعلق بالهمة وزيادة القدرات المعرفية وهي قضية ممكنة وقابلة للتطور أوالعكس ولا تنتهي بحيازة الشهادة من عدمها، ثم إن الملتحقين بالتعليم من المعلمين المساعدين أبقى في الميدان وأرضى بواقع التدريس عكس حاملي الشهادات العليا المتطلعين للتعيين أو الإعارة خارج القطاع.
أعتقد أن هناك إجراءات يمكن أن تكون معينة على التدريس مثل منع دخول الهواتف للحرم المدرسي؛ والتي طبقت في السنوات الماضية فترات الامتحان؛ لكن تعميمها زمنيا من شأنه أن يجعل الجو الدراسي دراسي بامتياز ويتأكد ذلك داخل الفصل، قد يقول قائل أن هذه الهواتف قنوات لإيصال المعلومات والتواصل مع العالم؛ لكن الواقع أن المراهقين يتخذون من هذه الهواتف قنوات للتفسخ والارتواء من كل ممنوع ويظهر ذلك من خلال حجم الغسيل المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي وما يكشف يوميا مما ينبغي أصلا أن يبقى مستورا؛ إذن علينا أن نصارح أنفسنا بما هو إيجابي؛ وهنا يلزمنا التفكير في منع استخدام هذه الهواتف داخل الحرم المدرسي بتاتا.
مما لا تخطئه العين في الفترة الأخيرة ذلك الاهتمام الكبير والرسمي بالتعليم ما قبل المدرسي؛ مما يثير الانتباه حول التفكير في استحداث إدارة تعنى بمتابعة ودمج التعليم ما قبل المدرسي بالتعليم المدرسي أو على الأقل اعتماد مصادر استشارية بالمعنى الحقيقي الذي يضيف جديدا لا الذي يسد فراغا في الهيكل الإداري والتعيين فقط.
ختاما في ما يتعلق بالكتاب المدرسي الذي يوجد بوفرة مقارنة بالسنوات الماضية؛ فإن إيصاله والاستفادة القصوى منه لن تحصل دون اضطلاع القنوات المباشرة لتوفيره وإيصاله بما يلزم من إمكانيات مادية ومعنوية تقتضي بالأساس زيادة العلاوات واستحداث الميزانيات والتزويد بالسيارات.