في منتصف يناير/كانون الثاني من العام 2020 طرق الشاب أمادو تيجاني (28عاما) باب منزل بحي 18 بمقاطعة دار النعيم بانواكشوط ، قيل له أن لدى أهله دكانا يؤجرونه ، ربما يتناسب وطبيعة مطعم الوجبات السريعة الذي ينوي افتتاحه ؛ بعد لحظات ليست بالطويلة لبثها أمادو أمام الباب ،خرجت له تلك السيدة الأربعينية ، التي طلبت منه بعد أن استبانت قصده مرافقتها إلى دكان يوجد بالواجهة الغربية للممزل ، وبعد أن اطلع على المحل وقرر تأجيره ، اتفق صاحبنا ومالكة المنزل على مبلغ 20 ألف أوقية قديمة شهريا .
وبعد شهر من افتتاح مشروعه الجديد لاحظ تيجاتي تقدما واضحا في العمل ، لكن ظهور وباء كورونا ، وإغلاق المحلات بسبب الإجراءات الاحترازية التي أقرتها السلطات الصحية لمجابهة الوباء، فإن مشروع أمادو البكر توقف لثلاثة أشهر متتالية ، لتتراكم ديون الإيجار، ولم يعد باستطاعته دفعها ، إلا أن اتفاقا جديدا أبرمه مع المؤجرة أدى إلى احتفاظها بمفاتيح المحل المغلق على آلات المطعم كرهن ريثما يستطيع الشاب العشريني تأمين المبلغ .
تقول مالكة المحل "السالكه فال"(40سنة) إن أحد أقارب أمادو أبلغها أن الأخير ذهب للعمل في جهة أخرى وسيعود إليها فور تحصيل المبلغ الذي تطالبه به، وبعد شهرين من ذلك التاريخ عاد أمادو بالفعل ، ومعه 60 ألف أوقية قديمة (أي ثمن أجرة الدكان لثلاثة أشهر) فسدد دينه وحمل أمتعته مغادرا حي 18 إلى غير رجعة.
وتختم السالكه بنبرة رقيقة متعاطفة أن ذاكرتها لايمكن أن تنسى أبدا ما آلت إليه وضعية ذلك الشاب المسكين بسبب كوفيد 19 .
في جزء قصي آخر من العاصمة نواكشوط وتحديدا في حي دبي شرقي مقاطعة توجنين ، يشير الشاب الثلاثيني "محمد الأمين جدو" بسبابة يمناه إلى أطلال مدجنته، التي يبدو من محيطها المليء بالحياة أنها كانت تقع في موقع تجاري .
يقول محمد الأمين : قبل أشهر قليلة من ظهور وباء كورونا ، أطلقت بالفعل مشروعي هذا، ومنذ الأيام الأولى بدأت ألمس بوضوح الإقبال عليه من سكان الحي ، بل وحتى من خارج الحي من سالكي الطريق الإسفلتي ، الذي كانت المدجنة تطل عليه بشكل يجعلها في مرمى عيون كل من يسلكه ، وظلت الأمور على هذا النحو لبعض الوقت ؛
لكن في منتصف مارس من عام 2020 كان ولد جدو على موعد مع أيام صعبة ؛ فمع بداية الإجراءات الوقائية التي فرضتها الحكومة بعد انتشار كوفيد19 في البلاد ، والتي تضمنت تقليص ساعات فتح المحلات كافة في مختلف مناطق العاصمة نواكشوط ، أخذت مدجنة ولد جدو تشهد تراجعا حادا في نسبة الإقبال والمبيعات، وظل الوضع في تفاقم متصاعد بفعل تلك الإجراءات التي سيعززها لاحقا توجس الزبناء من احتمال حمل الدجاج للفايروس المرعب،
وظل الأمر على تلك الحال حتى صار يأتي علي يوم _يقول محمد الامين _ بالكاد أبيع فيه شيئا أي شيء ؛ حينها فقط أدركت أن علي التخلص على وجه السرعة من المشروع ، لأنقذ رأس ماله على الأقل ، وهو ماقمت به بالفعل .
أستاذ الاقتصاد بجامعة نواكشوط عبد الله محمد محمود ، يقول إن وباء كوفيد 19 أثر بشكل غير مسبوق على الاقتصادات المحلية للدول النامية ، ومثل تراجعا ملفتا لأرباح المؤسسات الاقتصادية الكبيرة ، وبشكل أشد خطورة على المؤسسات الصغيرة والناشئة، وهو الأمر الذي نتج عنه- يضيف الدكتور- فشل العديد من تلك المشاريع ، وأصبح أصحابها عاطلون عن العمل من جديد ، مافاقم بشدة من مشكل البطالة وحد من السيولة النقدية ، ممايؤثر على النمو الاقتصادي لهذه البلدان.
ويضيف ولد محمود أنه من الصعوبة بمكان تصحيح هذه الاختلالات التي أصابت البنية الاقتصادية لهذه البلدان في وقت وجيز ، بل باتت تحتاج لاستيراتيجيات تأخذ بعين الاعتبار الحالة النفسية المتولدة لدى المتضررين من يأس وإحباط ، إلى جانب مساعدات نقدية ومتابعة مشاريع جديدة يختارونها ، وهو الأمر الذي يضع حسب عبدالله المعالجات النفسية والاجتماعية تأخذ أهميتها في أي محاربة لتداعيات كوفيد 19 يتم تبنيها ، كما أن تقوية اليد الشرائية لمسايرة تلك المشاريع ببقى أمرا أساسيا لنجاح تلك الاستراتيجيات"
حالة أمادو ومحمد الأمين لم تكن الوحيدة، فهناك آخرون كثر على شاكلتهما سقاهم الفايروس التاجي من نفس الكأس التي أشربهما منها ؛ ويبقى السبب واحد هو الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا وماصاحبها من إجراءات احترازية شلت الحركة اليومية لمختلف الأنشطة الاقتصادية في موريتانيا والعالم"
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا .