تتصاعد الازمة بين القضاة ونقابة المحامين، بعد الجدل الذي وقع بين رئيس الغرفة الجزائية أحمد فال ولد لزغم ونقيب هيئة المحامين الشيخ ولد حندي الأيام الأخيرة، والذي بسببه قررت الهيئة مقاطعة جلسات المحكمة التي يرأسها ولد لزغم.
وقد سارع "نادي القضاة" لإعلان مؤازرته لولد لزغم في مواجهته مع المحامين، قائلا في بيان له: "طالعتنا وسائل إعلامية ببيان موقع من طرف الهيئة الوطنية للمحامين ومقابلات مع بعض أفراد مجلس الهيئة على خلفية خلاف روتيني في إحدى جلسات محكمة ولاية نواكشوط الغربية بين النقيب ورئيس المحكمة شدد فيه هؤلاء النكير على فضيلة القاضي وتطاولوا على المحاكم بإعلان مقاطعة الجلسات التي يكون هذا القاضي طرفا في تشكيلتها دون سند قانوني أو سبب من الواقع يبرر ما أقدمت عليه الهيئة المحترمة.
إننا في نادي القضاة الموريتانيين إذ نسجل بامتعاض شديد موجة الإساءة والتعريض بالقضاة التي دأب عليها بعض الساسة وأفراد من المتقاضين وفتحت لها وسائل الإعلام الوطنية الناشئة أبوابها في غياب تام للمهنية وتجاسر على هيبة القضاء واستهانة بالقانون المنظم لهذه الهيئات لنستغرب أن تنجرف الهيئة الوطنية للمحامين للانخراط في هذا التيار وهي التي يعول عليها أن تكون رأس الحربة في الدفاع عن السلطة القضائية والناطق غير المحكوم بأغلال التحفظ باسم هذه السلطة وجميع أشخاصها ومكوناتها
بل الأدهى من ذلك أن تكون الدعوة إلى خرق النظام العام وعصيان أوامر القضاء تحت سقف المحاكم هو عنوان هذه الخَرْجة غير الموفقة ما يؤسس لانهيار آخر حصون استقلالية القضاء.
كيف لا وقد عمد النقيب ومجلس الهيئة إلى التقدم لدى السلطات الإدارية من اجل التدخل لقمع القضاة والحلول في مقاماتهم السامية في تطبيق القانون وتأويله وإقامة العدل وإشاعته ضاربا عرض الحائط بالمبادئ المعروفة للدولة الحديثة التي يأتي في مقدمتها مبدأ الفصل بين السلطات وعدم جواز تدخل أي من السلطتين التشريعية والتنفيذية في أعمال السلطة القضائية.
لقد كان حريا بالهيئة الموقرة وأعضاء مجلسها صيانة القضاء والقضاة والمحامين جميعا عن الدخول في هذا التَّنَابُز وان تعمل على حل الإشكالات الروتينية بين القضاة والمحامين وغيرهم من الأعوان بالطرق القانونية والأساليب المعروفة لاحتواء تلك الخلافات العابرة في وجهات النظر وان يكون تعزيز مكانة القاضي وترسيخ واجب احترامه والرضوخ لسلطته وسلطان القانون الذي يجسده أهم ما تسعى إلى الدفاع عنه دون أن يكون ذلك باي حال على حساب حق بل واجب الدفاع المقدس الذي تقوم به؛
لذا وحرصا منا على أن يظل الانسجام هو ما يطبع السلوك العام داخل الجهاز القضائي وان يبقى بعيدا عن المهاترات و التجاذبات التي لا تليق به ولا تنبغي للقائمين عليه فإننا نتقدم للرأي العام أولا وللهيئة الوطنية للمحامين ومن دعتهم للانحياز لصفها في هذا التجاذب بما يلي:
1. الكف نهائيا عن نشر كل ما من شانه النيل من مكانة السلطة القضائية أو التعرض للقضاة أثناء أو بمناسبة ممارسة الإعمال الموكولة لهم بمقتضى القانون.
2. ضرورة الاعتذار العلني للقاضي الذي تم التشهير به والإساءة إليه لمجرد انه قام بممارسة السلطات التي خوله القانون من اجل ضبط وتسيير الجلسة.
3. انه قد ولى ذلك الزمن الذي يتم التغاضي فيه عن مثل هذه الاهانات وان تطبيق القانون سيتم بحزم كلما تطلبت الظروف ذلك حتى تصان هيبة هذا المرفق كاملة غير منقوصة ومن اجل أن يكون بحق حصن الضعيف وملاذ المظلوم.
وفي سياق متصل، أعلن المحامي اللبناني عمر زين، الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب رئيس اتحاد الحقوقيين اللبنانيين، مؤازرته لنقابة المحامين الموريتانيين، داعيا إلى إتخاذ ما يلزم من إجراءات في حق القاضي ولد لزغم.
وردت الهيئة الوطنية للمحامين على بيان "نادي القضاة" بالقول: إن تصرف رئيس الغرفة الجزائية بمحكمة الولاية محمد فال ولد لزغم، تم تأسيسه على فهم سقيم ومتعسف، لسلطات مقيدة بنص صريح،مستغربة كيف لم تعمل كل المحاكم بتفسيره للقانون، إن كان تم تأسيسه على قواعد قانونية سليمة؟. مضيفة القول أن: " البعض حاول من خلال البيان، ركوب الموجة، واستغلال الفرصة بغية تحقيق أهداف شخصية آنية، وفى ظرفية خاصة".
واستشهد بيان الهيئة على ذلك بعدم تحركه في السابق، عندما تمت الإساءة للقضاء فعلا لاتوهما، وتعرضوا للفصل والتأديب تعسفا، وللسجن ظلما، وحين لم يكن لهم من ظهير أو سند سوى الهيئة الوطنية للمحامين، التى يعود لها الفضل أصلا فى تحقيق جل المكاسب والامتيازات المعنوية والمادية التى يتمتع بها – عن استحقاق- القضاة اليوم.
ورأي المجلس أن هيبة القضاة واحترام المحاكم، لاتعنى إطلاقا التغول والشطط،ولى أعناق النصوص القانونية تمشيا مع رغبة شخصية، دافعها الأساس النرجسية وتضخم الأنا، والتظاهر أمام العامة بإحكام السيطرة على المحامين وتقزيمهم، بدون وجه حق، وخلافا لأحكام القانون، والأعراف والتقاليد القضائية المتبعة فى كافة المحاكم.
واعتبر المجلس أن لغة البيان الصادر عن النقابة تجعل أصحابه غير مؤهلين للبت بنزاهة وحياد، فى مايعرضه عليهم المحامون من ملفات، مما يستدعى منهم عزل أنفسهم عن تلك الملفات والتخلى عنها، احتراما للقانون.
وكانت نقابة المحامين، قد قالت حول بداية الأزمة: " "في يوم الخميس الموافق 17 – 12 – 2015 قام رئيس الغرفة الجزائية بمحكمة ولاية انواكشوط الغربية القاضي أحمد فال ولد لزغم بإصدار أمر لأفراد من الشرطة بإخراج السيد نقيب الهيئة الوطنية للمحامين عنوة من قاعة المحكمة مع مجموعة من المحامين المتعهدين في ملفات معروضة أمامها، وذلك دون سبب قانوني، وبذريعة واهية، تمثلت في محاولته تحديد أماكن جلوس محددة لمحامي الدفاع وممثلي الأطراف المدنية، وفي الوقت الذي أشرفت فيه الجلسة على نهايته". متهمة القاضي محمد فال ولد لزغم بأنه "دأب على مثل هذا السلوك غير المبرر، والذي يترجم بجلاء عدم احترامه للقانون، ورغبته في المساس من هيبة المحاماة كمهنة، ومحاولته التقليل من شأن المحامين"، مؤكدة أنه "قل ما تخلوا جلسة من جلساته من صدام بمحام أو بمحامين دون أدنى سبب". مؤكدة أنه "قام في السابق بتصرفات مماثلة قبل أن يتراجع بعد احتجاج الدفاع... منها طرده في السابق للمحامين الذين لا يلبسون الذي العصري تحت بذلة المحاماة"، واصفة الأمر بأنه "تدخل سافر في حرية المحامي الشخصية، ومحاولة لإذلاله أمام زبونه".
وأضافت: "ومنها دأبه في السابق على أن يمنع هيئة الدفاع من طرح أسئلة على المتهم أثناء استجوابه أمام المحكمة في خرق سافر للنصوص القانونية المتعلقة بحق الدفاع وحريته.
ووصفت الهيئة موقف القاضي ولد لزغم بأنه يشكل "نشازا بين مواقف كل القضاة الممارسين لنفس الوظيفة، وخروجا على التقاليد الثابتة والمتبعة في كافة المحاكم الوطنية والدولية، خصوصا وأن تحديد مكان محدد لجلوس محام بعينه، أو ارتدائه لزي بمواصفات معينة – تحت بذلة المحاماة – لا يمس بسير نظام الجلسة، ولا ينقص من هيبتها، ولا وقارها، ولا يدخل قطعا في صلاحيات القاضي المنصوص عليها قانونيا".