في حي الدار البيضاء جنوبي مقاطعة الميناء بالعاصمة نواكشوط، تجلس السيدة الأربعينية "اشريفه محمد" على بساط تكاد الأيام تبدله لونا غير لونه - بين كوخ وعريش متواضعين تتخذ منهما هي وأسرتها سكنا، تغربل ماقالت إنه آخر ما جمعته من القمح المتساقط من شاحنات نقل الحبوب من ميناء العاصمة نواكشوط .
والتقاط الحبوب المتناثرة هو مهنة محفوفة بالمخاطر ألجات الفاقة إليها سيدات في موريتانيا ، وظللن يجنين منها قوتهن حتى ألقى كوفيد 19 بظلاله على هذا العمل الغريب الذي تجني صاحبتنا ومن يعمل مثل عملها منه مابين 800 إلى 1200 دولار أمريكي للسنة .
ولمعرفة الطرق التي يعتمدها هؤلاء النسوة خلال عملية جمع الحبوب المتناثرة على الطريق الإسفلتي الرابط بين ميناء نواكشوط وصوامع التخزين _ سألنا لخذيره محمد (65عاما) وهي إحدى أخوات اشريفه التي تعلمت علي يدها - لخذريه أخبرتنا أنهن يستخدمن عدة أدوات في هذه العملية الشاقة، ترتكز أساسا على مكانس لتجميع الحبوب وغرابيل بحجم صغير للتخلص من الرمال والغبار، وأخرى كبيرة الحجم يصنعنها بأنفسن خصيصا للعيدان والحصوات الكبيرة والعوالق الأخرى التي لاتستطيع الغرابيل العادية أن تتعامل معها ، ليصير محصولهن بعد هذه الخطوات جاهزا لأن يستقر في مرحلته الأخيرة داخل خنشات يقلن إنهن يصرفن نقودا معتبرة لقاء الحصول عليها .
تقول اشريفه إنها بدأت خوض غمار هذا العمل الشاق قبل خمسة عشر عاما بعد أن تعلمت قواعده من أخواتها اللائي سبقنها للمجال الذي ظل رغم صعوبته يمكنها من المساهمة بشكل كبير في إعالة أسرتها الفقيرة قبل أن يظهر كوفيد 19 في البلاد ويسرحها فيمن سرح من العمل منتصف مارس 2020 بفعل ماصاحبه من إجراءات احترازية فرضتها الحكومة الموريتانية آن ذاك .
وتواصل اشريفه مستحضرة بعض ذكرياتها مع الفايروس "لن أنسى أبدا ذلك المساء الذي أخذنا فيه نتجهز بفرح وتحمس كبيرين للذهاب إلى الميناء بعدما هاتفتنا إحدى رفيقاتنا في العمل تخبرنا برسو إحدى السفن المحملة بالقمح ، ولكن ماهي إلا لحظات قليلة على وصولنا حتى داهمتنا دورية من الدرك الوطني وطردتنا من المكان وهددتنا بمصادرة أدواتنا التي نعمل بها إذا ما نحن عدنا مرة أخرى للمكان "
هذه المهنة التي تستقطب العشرات من النساء_ إن لم تكن المئات_ لاتخلو من بعض المخاطر، فهؤلاء النسوة كثيرا مايذهبن ليلا إلى الميناء حيث الظلام الدامس لاتقطعه عدا تلك المصابيح اليدوية الخافتة التي يستعن بها في العثور على أماكن سقوط القمح،
وهو الأمر الذي يجعلهن حسب رئيسة "جمعية الحنان والعطف" المهتمة بقضايا المرأة محجوبة بنت محمد يحي" - عرضة للسرقة والاعتداء البدني والجنسي ، إضافة إلى خطر العمل فوق الطريق وعلى جنباته "
وتعتبر بنت محمد يحيى -التي لاحظت هذه الظاهرة مطلع الألفية الثالثة- أن العبء الأسري الذي تجده المرأة الموريتانية فجأة على كاهلها بعد الطلاق هو أحد أبرز الأسباب التي قد تدفعها لاقتحام أخطار كهذه ، بالإضافة إلى نقص الدعم الحكومي لفئات المجتمع الهشة" .
وتضيف رئيسة جمعية العطف والحنان "آن الأوان لأن تدرك الحكومة خطر هذه الظاهرة التي تعكس صورة سيئة عن حقوق الإنسان بالبلاد "
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا