محمدُّ سالم ابن جدُّ
في حلة أنيقة، وعلى امتداد 300 صفحة تزيد قليلا، وبمضمون ثمين، صدر عن دار المرقاة للدراسات والنشر كتاب "إرشاد الطلاب البررة إلى بعض أسانيد شيوخ المحظرة" للشيخ العالم العَلَم ابَّاه بن محمد عالي ابن نعم العبد، شيخ محظرة لفريوه، حفظه الله وأدام النفع به وبها.
كان من حق الكتاب أن يسمى إرشاد المهرة لا الطلاب؛ لما بذل فيه من جهد دام سنوات، وما تضمنه من معلومات دقيقة عن مسار المعارف الشرعية واللغوية التي تدرس في المحاظر، لكن لعل تواضع الشيخ المؤلف دعاه للاقتصار على ذكر الطلاب كما فعل الشيخ محمد مولود بن أحمد فال رحمه الله حين سمى كتابه "كفاف المبتدي" وقال عنه:
يفيد الُامِّيَّ وغيرَ الأمّي.
وهي سنة متبعة لدى علمائنا رحم الله سلفهم وبارك في خلفهم.
بدأ الكتاب بتقديم سطره الأستاذ الكاتب المقتدر محمد محفوظ بن أحمد، تليه تقاريظ أعلام العلماء الذين يتصدرون الميدان (ص 11 – 23) ثم تمهيد بقلم الشيخ المؤلف (ص 27 – 31) فمقدمة له (ص 35 – 44) أبان فيها سلسلة أسانيد المعارف المدروسة بمحظرته ومحظرة آبائه من قبله، لتتوالى مادة الكتاب الثمينة في ثلاثة مباحث يتخللها فصلان؛ بدءا بالعقيدة الأشعرية والسيرة النبوية الشريفة، معرفا بأئمتهما مستعرضا أبرز مراجعهما المعتمدة في المحاظر. (ص 45 – 54) أما المبحث الثاني فخصصه الشيخ المؤلف للفقه؛ مركزا على المذهب المالكي كما يمليه الواقع المدروس. (ص 55 – 63).
ثم عقد فصلا للتعريف بأصحاب السند الفقهي قدم فيه تراجمهم؛ بادئا بوالده شيخنا محمد عالي ابن نعم العبد رحمه الله، فشيخ مشايخنا يحظيه بن عبد الودود، فالشيخ العلَم أحمد بن محمد سالم (وكلهم عَلَم) في سلسلة كان أنس بن مالك رضي الله عنه الأربعين منها، والإمام مالك السادس والثلاثين وخليل الثامن عشر، وعلي الأجهوري العاشر. رحم الله الجميع. وقد تجمع الرتبة بين شيخين في الأسانيد. (ص 67 – 177)
أما المبحث الثالث فخص المؤلف الفاضل به مكانة اللغة العربية وعلومها من نحو وصرف وغيرهما في المحاظر (179 - 191) قبل أن يعقد الفصل الثاني (ص 193 – 283) للتعريف برجال سندها دون إعادة من تقدمت ترجمته منهم في سند الفقه؛ في أربعين رتبة تعلو (حسا ومعنى) إلى علي بن أبي طالب، كما علت سابقتها إلى أنس (رضي الله عنهما) ويتبوأ سيبويه الرتبة الخامسة والثلاثين منها وابن مالك الحادية والعشرين. رحم الله الجميع.
بعد ما سبق جاء ثبت بالأسماء والتواريخ الهجرية لبعض الأعلام المذكورين في الكتاب (ص 284 – 288) ثم المراجع كما تقضي الأمانة العلمية؛ ثم فهرس المحتوى ثم تشجير بعض الأسانيد.
جرت العادة بذكر أسانيد الكتاب والسنة، وللشيخ اباه باع طويل وسعي حميد في ذلك؛ فقبل زهاء ثلاثين سنة أمدني مشكورا بأسانيدي في السبع محققة من عدة وجوه: الأسماء والكنى والألقاب والتلاقي بين كل شيحين؛ وهو ما سد ثغرة مزمنة في هذا المجال.
أما أسانيد الفقه واللغة وغيرهما من المعارف فلم تكن مرعية حتى في الإجازات؛ فقصارى أمرها أن يذكر المجيز نفسه وشيخه المباشر، والآن رفع المؤلف الظلم التاريخي عنها باستعراض رجالاتها وتراجمهم وتواريخهم.
سبق أن رفد المؤلف المكتبة بكتب قيمة أذكر منها سوى ما أنا في حديثه:
1. بغية الراغبين في شرح نصيحة حماد بن ألمين.
2. منح العلي في شرح كتاب الأخضري (تحقيق).
3. شرح عمود النسب للشيخ حمادٍ رحمه الله (تحقيق وتعليقات).
4. رياض السيرة والأدب في إكمال شرح عمود النسب (إتمام لسابقه).
5. الجليس المؤنس في تاريخ وأنساب المجلس.
هذا سوى التدريس المستمر من نشأته إلى الآن، حيث مارسه مبكرا في حياة والده رحمه الله، وما زال كذلك لله الحمد.
حفظ الله الشيخ اباه ووفقه، وأدام النفع بعلمه دروسا ومؤلفات ومشايخ وطلابا نهلوا من معينه الرواء، ولا زال يمدنا بالجديد المفيد.