لم يكن يوم 12 ـ 12 ـ 1984، والذي نعيش اليوم ذكراه الواحدة والثلاثين، يوما عاديا، بل كان يوما استثنائيا، وأذكر بأنه لما زفت إليَّ في هذا اليوم البشرى بالانقلاب على "ولد هيداله"، وكنتُ حينها طالبا في ثانوية لعيون، فرحت لذلك فرحا كبيرا، ولقد اعتقدتُ يومها بأن كل مشاكل موريتانيا ستحل،
وبأن بلادنا ستكون مع موعد حقيقي مع التغيير، ولكن أملي ذلك خاب بل إنه قد مرت بي لحظات في عهد "معاوية" تمنيتُ فيها أن يعود "ولد هيداله" إلى السلطة من جديد.
إن الذي جعلني أفرح بانقلاب 12/ 12 هو أني كنتُ أعتقد بأن كل مشاكل موريتانيا كانت مرتبطة بشخص الرئيس "ولد هيداله"، وبأنه عندما يتم الانقلاب على ولد "هيداله" فإن كل المشاكل ستجد ـ وبشكل تلقائي ـ حلولا سريعة.
لم أستخلص الدروس والعبر من انقلاب 12/ 12، ولذلك فقد فرحتُ أيضا بانقلاب 03 أغسطس 2005، ولقد اعتقدتُ يومها بأن بلادنا ستكون هذه المرة على موعد حقيقي مع الديمقراطية والتنمية، ولكن أملي خاب، ولقد مرت بي لحظات تمنيتُ فيها عودة "ولد الطايع" إلى السلطة.
إنه نفس الخطأ يتكرر دائما، وإن الذي جعلني أفرح بانقلاب 03 أغسطس 2005 هو أني كنتُ أعتقد بأن كل مشاكل موريتانيا كانت مرتبطة بشخص الرئيس "ولد الطايغ"، وبأنه عندما يتم الانقلاب على "ولد الطايع" فإن كل مشاكل موريتانيا سيتم حلها بشكل تلقائي.
لقد مر عقد كامل على الانقلاب على "ولد الطايع" ومع ذلك فإن أحوالنا في هذه البلاد لم تتغير ولم تتحسن. إن هذه الخيبات التي عشتها بعد انقلابين جعلتني أكره الانقلابات، ولقد بات يُخَيَّل إليَّ أن العسكري المنقلِب (بكسر اللام) يكون دائما أسوأ من العسكري المنقلَب عليه.
لا شيء تغير في هذه البلاد بعد سلسلة من الانقلابات بدأت بالعاشر من يوليو، وقد لا تنتهي بالسادس من أغسطس، لا شيء تغير، وذلك على الرغم من أن الموريتانيين كانوا يفرحون مع كل انقلاب جديد، وكانوا يتوقعون مع كل انقلاب جديد بأن أحوالهم ستتحسن شيئا كثيرا، فإذا بهم يكتشفون بعد كل انقلاب بأن أحوالهم قد ساءت شيئا كثيرا.
وإذا ما كانت هناك عبر يمكن للسياسيين أن يستخلصوها من سلسلة الانقلابات التي عرفتها بلادنا فسيكون من أهمها:
1 ـ أنه لا خير في الانقلابات، وأن رفع شعار "وداوني بالتي كانت هي الداء" قد يكون هو أكبر غلطة يمكن أن يرتكبها السياسيون. إنه ليس من المقبول أن يصرخ السياسي في ضحى النهار بضرورة إبعاد العسكر عن السلطة وعن السياسة، وأن يهمس نفس ذلك السياسي في الثلث الأخير من الليل في أذن ضابط آخر ليشجعه على القيام بانقلاب.
إن إبعاد العسكر عن السلطة وعن السياسة لا يتوقف فقط على أولئك الذين يمسكون بالسلطة، وإنما يجب أن يمتد ليشمل أولئك الذين قد يطوف عليهم طائف قد يجعلهم يفكرون في الانقلاب.
2 ـ إن من أخطاء بعض السياسيين هو أنهم يريدون من العسكر أن يناضلوا بالوكالة عنهم، ويريدون منهم أن يخلصوهم من حكم ضباط عسكريين. إن مهمة إسقاط أي عسكري يستولى على الحكم يجب أن يتولاها السياسيون، وعليهم أن يبتدعوا لذلك أساليب فعالة. أما إذا تولى العسكر هذه المهمة بالوكالة عن السياسيين فإن ذلك سيعني بأنه لن يكون بإمكاننا أن نبعد العسكر عن السلطة، ولن يكون بإمكاننا أن نوقف الانقلابات، وذلك لأن كل انقلاب عسكري سيحمل معه بذور انقلاب عسكري جديد.
3 ـ إن من الأخطاء التي يقع فيها السياسيون هو أنهم يصرون دائما على أن يختزلوا كل مشاكل البلاد في شخص الرئيس، والحقيقة أن الأمر ليس بتلك البساطة. لقد تم الانقلاب على "ولد هيداله" ولكن مشاكل موريتانيا ظلت باقية من بعده، ولقد تم الانقلاب على "ولد الطايع" ولكن مشاكل موريتانيا لم ترحل مع "ولد الطابع" إلى قطر بل ظلت هذه المشاكل تتجذر وتتشعب من بعده. ونفس الشيء قد يحدث مع الرئيس الحالي إن تم اختزال كل مشاكل البلاد في شخصه، وإن تم الاعتقاد بأن الانقلاب عليه سيؤدي حتما إلى تنمية وتطور البلاد.
إن مشاكل موريتانيا لأشد تعقيدا من أن يتم اختزالها في شخص واحد حتى ولو كان ذلك الشخص رئيسا للبلاد ويتحكم في كل شيء، ولذلك فإن إزاحة أي رئيس ستكون عديمة الفائدة إذا ما تركت من بعده بطانته التي أفسدته وأفسدها في سنوات حكمه.
ولكي تتأكدوا من هذا الكلام فإليكم قصة بطاقة دعوة وصلت لصديق لي في يوم 12 ـ 12 ـ 2015.
صاحب هذه الدعوة تركه "ولد الطايع" وهو راض عنه، تركه وهو مدير الوكالة الموريتانية للأنباء، ولما وصل "ولد عبد العزيز" قام بترقية هذا المدير وعينه مدير لإذاعة موريتانيا، ومن الراجح أن يترك "ولد عبد العزيز" السلطة وهو راضٍ عن هذا المدير، ومن الراجح أيضا بأن الشخص الذي سيبعد "ولد عبد العزيز" عن السلطة سيرضى عن هذا المدير، وربما يرقيه ويعينه مديرا للتلفزة الموريتانية.
هذا المدير ـ وأمثاله كثر في الإدارة الموريتانية ـ لا تهمه مصلحة البلاد، وإنما كل همه أن يرضى عنه الحاكم، وهو على استعداد لأن يفعل أي شيء من أجل أن يرضى عنه الحاكم. إن مثل هذا النوع من الموظفين ومن النخب هو من خرب هذه البلاد، والكارثة أنه لا أحد ينتقد مثل هؤلاء الذين إن رضي عنهم الحاكم صفقوا له وطبلوا، وإن لم يرض عنهم ولو وجوههم شطر المعارضة لتغفر لهم كل ذنوبهم، ولترفعهم من بعد ذلك مكانا عليا.
إن الواحد من هؤلاء الموظفين هو كالتفاحة الفاسدة التي يمكن لها أن تفسد كيس التفاح بكامله، فالواحد من هؤلاء إن اقترب من الحاكم أفسده، وإن اقترب من المعارضة أفسدها، بل إنه إذا ما اقترب من الفساد لأفسده.
تزامنا مع ذكرى انقلاب 12/12 وزعت إذاعة موريتانيا بطاقات دعوة لحضور حفل توزيع جوائز مسابقة للقرآن الكريم سيتم تنظيمه بمقر الإذاعة مساء الاثنين الموافق 14 ـ 12 ـ 2015. ولقد كُتب على هذه البطاقات وبالخط الكبير: قال تعالى"خيركم من تعلم القرآن وعلمه" صدق الله العظيم.
من المؤكد بأن مدير الإذاعة يعلم بأن "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" حديث شريف وليس بآية من القرآن، ومن المؤكد أيضا بأنه لم يتعمد أن يرتكب مثل هذا الخطأ الشنيع، ولكن مثل هذا الخطأ الشنيع يجب أن لا يترك دون عقاب. إن غياب المسؤولية، واكتتاب العمال غير الأكفاء في الإذاعة، والاكتفاء بالتفكير في الأرباح التي يمكن أن يتم تحقيقها من بطاقات الدعوة ومن الحفل هو الذي أوقع الإذاعة في مثل هذا الخطأ الشنيع..الصادم في الأمر أن كل الذين وصلتهم من الإذاعة بطاقات دعوة تضيف آية جديدة للقرآن الكريم لم يستنكروا ذلك علنا ولم ينددوا به. والغريب أني لما نشرت صورة من هذه البطاقة المسيئة على صفحتي الشخصية وصلتني بعض التعليقات التي تذكر بالدور الدعوي الذي تلعبه إذاعة القرآن الكريم وقناة المحظرة..لأصحاب تلك التعليقات أقول بأنه لا يمكن لأي كان أن ينكر ما تقوم به إذاعة القرآن الكريم ولا قناة المحظرة من جهد مشهود في خدمة القرآن، لا يمكنني أنا بالذات أن أنكر ذلك، ولكني أيضا لستُ ساذجا لدرجة قد تجعلني أنسب ذلك الجهد لمدير الإذاعة.
إن كل ما في الأمر هو أن الرئيس الحالي كان قد تم منحه لقب "رئيس العمل الإسلامي"، والحقيقة أن هذا الرئيس كان قد أبدى اهتماما بالعمل الإسلامي، ولذلك فقد سارع مدير الإذاعة إلى تجسيد ذلك الاهتمام من خلال المؤسسة التي يديرها. وأكاد أجزم بأنه لو قرر الرئيس الحالي أن يحمل لواء العلمانية في إفريقيا، لسارعت الإذاعة في ظل إدارتها الحالية لمواكبة هذا التوجه الجديد، ولخصصت الكثير من البرامج والندوات للتبشير بالعلمانية.
حفظ الله موريتانيا..