أحمد أبو المعالي
ما ذا سأهدي بهذا اليوم وا أسفي...ودمعة العين ما جفت مآقيها
إنه يوم يختلط فيه الحزن الشديد والوجع القاتل بمفردات الفخر والعزة والكرامة.
فمنذ أن استوطن الصهاينة الأرض التي بارك الله حولها، ودنسوا زيتونها وتينها، وداسوا نقاءها وقدسيتها، وهم يمارسون كل ما يظنون أنه سيجعل ابن الأرض الشهم يستسلم أو ينحني ذات يوم .. ولكن ..هيهات ..هيهات
هي شامية إذا ما استقلت ... وسهيل إذا استقل يماني
لن يخضع الشعب الفلسطيني أو يتنازل عن حصاة أو جحرة أو زينونة أو كوفيه ..أويؤوب القارظان..وحتى يلج الجمل في سم الخياط.
لقد اتخذ الاحتلال سياسة الاعتقال جزءا من محاولة كسر شوكة الفلسطينيين، ففتح السجون منذ أول يوم لوجوده على تلك الأرض، وأوهم نفسه الأمارة بالسوء أن ذلك سيرعب أبناء الأرض، فما زادهم ذلك إلا تشبثا بها وصمودا في وجوه المغتصبين، مهما طال الزمن، ومهما قست الظروف.
عقود خلت لم تنسهم ولم تفت في أعضادهم ،وظلت الأجيال تتوارث ذلك الصمود، وذلك التشبث بالأرض وكل يقول لسان حاله: إني على ثغر ولن يأتي المحتل من قبلي.
وحتى يبقى الأسير الفلسطيني حاضرا في الوجدان، ولكي يظل مصدر قوة وثبات، كان الموعد مع السابع عشر من إبريل منذ 1975 باعتباره يوم الأسير الفلسطيني.
ظل هذا اليوم موعدا لايخلفه الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها، يخلده الجميع، ويقدم فيه التحية ممزوجة بالفخر لأبناء الأرض الذين غصت بهم السجون دفاعا عن الأرض والعرض، لم يقدموا أي تنازل أو يستلذوا حياة الدعة ورغد العيش، ولم يزحزحهم سوط العذاب الذي يصب عليهم.
ورغم المعاناة الشديدة التي ليس الحبس الانفرادي سنوات طويلة، والمنع من الدواء والتباهي بالازدراء إلا نموجا لها، لم يزد ذلك ذويهم وعوائلهم وأصدقاءهم إلا اندفاعا نحو التصدي للاحتلال، والاستعداد التام للشهادة أو الالتحاق بالسجناء معززين بالزغاريد والتحايا النضالية:
فجئني بمثلهم إذا جمعتنا ياجرير المجامع
التقارير الواردة من داخل الزنازن والمعتقلات توضح قمة سوء المعاملة، التي تجاوزت -بكل وقاحة وعنجهية- كافة القوانين والأعراف الدولية في سياق التعامل مع الأسرى، ومع ذلك لم تحرك الجهات الدولية المهتمة بالمجال ساكنا لوقف ذلك القتل البطيء ضد شعب ذنبه الوحيد أنه يقول ملء كرامته: لا للمحتل.
لقد تحللت جثث بعض الذين استشهدوا في الأسر نتيجة التعذيب والإهمال الطبي دون أن يسمح لذويهم باستلام الجثامين، في مشهد مقزز إنسانيا، ومدعاة للرفض والاستنكار من قبل كل الهيئات والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان.
وغير بعيد في زنازن مجاورة يقبع المئات عقودا طويلة دون أن يبصروا غير وجوه السجانين كأنها رؤوس الشيطان، في وضع مأساوي تضاعفه القيود، مع استمرار العتمة فهم عمي وإن كانوا يبصرون.
ولم تسلم النساء ولا القصر من ذلك فازدحمت بهم المعتقلات، وطالهم نصيبهم من العذاب، وحرمت الأمهات من لقاء صغارهن بل وحرمن معرفة أخبارهم.ولم يشفع بكاء الرضع ولا دموع الوالدات.
وازداد الأمر شراسة هذه الفترة مع محاولة الصهاينة تطبيق المخطط الظالم بالتقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي، ومحاولة المستوطنين ذبح القرابين في المسجد الأقصى، وهو ما يقف سكان القدس من المسلمين دون وقوعه بكل شجاعة، مما زاد من وتيرة الاعتقالات.
وشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون يوم الأسير هذه السنة موافقا لذكرى غزوة بدر الكبرى ولهذا دلالته بتذكير المؤمنين بأن النصر قادم وأن الأزمة مهما اشتدت لابد أن تنكشف وأن وعد الله بالنصر متحقق لامحالة:
فغدا ستورق بالشهادة قدسنا.. وسيرحل التنين وهو يساق
وسينبت الزيتون لحظة فجرنا.. متبسما فيضمه المشتاق
ويلامس الأقصى نقاء جباهنا... آن السجود ويعبد الخلاق