لقد نصت المادة 144من قانون الاجراءات الجنائية في فقرتها الرابعة علي ان طلب الإفراج المؤقت يمكن أن يقدم الي غرفة الاتهام إذا كانت قد تعهدت أو لم تتعهد اية محكمة أخري.
الواقع ان هذه الفقرة قد اختزلت العديد من الترتيبات التي كان علي المشرع معالجتها في نص المادة تلك استجلاء للغموض ومنها لإرباك القائمين علي تطبيقها فهي حسب صياغتها تثير أكثر من إشكال يدور في حقيقته حول مصطلح التعهد الذي يعني بالمفهوم الواسع ذالك الإجراء الناقل للإختصاص في القضية من هيئة قضائية الي أخري سواء تعلق الأمر بطلب تحقيق أو إحالة مباشرة أو حالة تلبس أو إحالة من قاضي التحقيق أو طعن بالإستئناف أوبالنقض أو حتي قيام بالحق المدني....
ولئن كان ما أثرناه يتعلق بمفهوم التعهد بوجه عام فإن تعهد غرفة الاتهام يتم بمجرد قيام أحد الأطراف باستئناف إجراء من إجراءات التحقيق أيا كان نوعه أوطبيعته أوفي الحالات التي يتم فيها الاخلال بحسن سير العدالة من طرف قاضي التحقيق أو المساس بحقوق المتهم أو الطرف المدني بسبب إهمال هذا القاضي أو في الأمور التي تتعلق ببطلان إجراء من إجراءات التحقيق أو بطلبات الإفراج المؤقت التي لم يبت فيها قاضي التحقيق أو تلك المتعلقة بالجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها أقل من سنتين....
بيد أن ماتم رصده من حالات تتعلق بتعهد غرفة الاتهام لايعني بالضرورة أن جميع تلك الحالات تدخل في مجال تطبيق الفقرة الرابعة من المادة 144 من قانون الاجراءات الجنائية وذلك لكون الأمر لايتعلق سوى بحالات الأفراج المنصوص عليها في المواد 143و192 و 202 من قانون الاجراءات الجنائية.
هذا فيما يتعلق بالحالات التي تتعهد فيها غرفة الاتهام أيا كان نوع هذا التعهد أما الحالات التي لم يقع فيها التعهد من اية محكمة والتي تعد في الواقع مكمن الخلط والغموض بسبب سوء صياغتها لماتحيل اليه من معان مغايرة لماقصده المشرع وتجعل القائم علي تطبيق القانون وكأنه أمام حالة لتعهد غرفة الاتهام لم ينص عليها المشرع وتفرض اللجوء الي مصادر تفسير القانون وأستنطاق ومراجعة قانون الاجراءات الجنائية الموريتاني وقوانين البلدان الأخري ذات الصلة للوقوف علي تأويل أو تفسير ما اكتنف النص من غموض سبيلا لمعرفة قصد المشرع .
فبالرجوع الي مصادر تفسير القانون والي القوانين ذات الصلةبالقانون الموريتاني يتضح أنه كان علي المشرع صياغة هذه الفقرة علي النحو التالي(....غرفة الاتهام إذا كانت قد تعهدت وفي جميع الاحوال التي لم تتعهد في القضية اية محكمة.) .
وهذه الصياغة ترفع اللبس القائم وتحيد إمكانية إنعقاد الاختصاص لغرفة الاتهام في البت في طلب الإفراج المؤقت في حالة صدور حكم بعدم الاختصاص في الوقت الذي قد يسمح فيه غموض النص بالإعتماد علي تأسيس طلب الإفراج المؤقت أمام غرفة الاتهام علي الحكم بعدم الاختصاص من منطلق إنتفاء تعهد المحكمة في القضية وعدم تعهد أخري غيرها وهو تصور في الواقع قد لايجد أساسا متينا وذلك من منظور أن المحكمة قد تعهدت في القضية وان حكمها بعدم الاختصاص لاينفي حصول التعهد من محكمة أخري.
ومهما يكن من أمر فإن العبارة الوارده في الفقرة الرابعة من المادة 144 من قانون الاجراءات الجنائية والمتعلقة بعدم تعهد ايه محكمة أخري تسمح في الواقع بتحديد مجال إختصاص غرفة الاتهام بالبت في طلب الإفراج المؤقت بالفترة السابقة علي إحالة الملف الي المحكمة المختصة بالحكم في الوقائع موضوع المتابعه والتي بمجرد إنعقاد الاختصاص لها٨بموجب أمر الإحالة تنتفي أية إمكانية لإختصاص غرفة الاتهام في القضية وهو ماينسجم في حقيقته مع ماذهب اليه المشرع الموريتاني من خلال السياق العام لنص المادة 144 من قانون الاجراءات الجنائية.
والله أعلم.