يدور حديث واسع منذ فترة عن محاولات للالتفاف أو لإغلاق بعض الملفات الكبرى، فهناك من يتحدث عن تبخر الحوار أو التشاور، وهناك من يتحدث عن هدنة غير معلنة مع الفساد، وهناك من يقول بأنه لا إصلاح يلوح في الأفق.
سأحاول في هذا المقال أن أعلق على هذه النظرة التشاؤمية بشيء من التحليل الاستشرافي، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
هل تبخر الحوار أو التشاور؟
يمكنني أن أجزم تحليليا بأن الحوار قادم بإذن الله، وما يجعلني أجزم بذلك هو أن تطبيع الحياة السياسية كان من أبرز اهتمامات فخامة الرئيس خلال ما مضى من مأموريته.وهذه التهدئة كانت محل ترحيب وتثمين من كل الطيف السياسي، فهل من المحتمل أن يتم نسف ما تحقق من تهدئة سياسية خلال النصف الأول من المأمورية.
إن عدم تنظيم الحوار أو التشاور في أقرب وقت ممكن سيعني نسف كل الجهود التي بذلها الرئيس في التهدئة خلال ما مضى من مأموريته، وهو ما يعني العودة إلى عهد التجاذب والصدام بين المعارضة والموالاة.
ليس من المحتمل أن يتم نسف ما تحقق من تهدئة سياسية، وليس من المحتمل أن يلغى حوار تم الاستعداد له منذ فترة، وخلاصة القول في هذه الفقرة هي أن الحوار قادم بإذن الله، وإذا لم ينطلق هذا الحوار في أقرب الآجال فيمكنكم أن تحاجونني بهذا المقال.
هل هناك هدنة مع الفساد؟
يرى كثيرون أن هناك هدنة مع الفساد، ويبررون ذلك بالبطء في مسار ملف العشرية، وعدم فتح ملفات فساد ما بعد العشرية. نعم هناك بطء في مسار ملف العشرية، وربما تكون الملفات التي تم فتحها بخصوص فساد ما بعد العشرية ليست بالحجم المأمول. كل ذلك قد يكون صحيحا، لكن الراجح عندي تحليليا أن ملف العشرية لن يغلق من قبل أن يصدر القضاء حكمه فيه، والراجح عندي أكثر أن هناك ملفات عديدة ستفتح بخصوص ما وقع من فساد بعد العشرية.
إن حجتي في ذلك بالنسبة لملف العشرية هي أن الرئيس محمد الشيخ الغزواني لا يتسرع في اتخاذ القرارات، ولكنه عندما يقرر يصعب عليه أن يتراجع، فملف العشرية كان من الممكن إغلاقه من قبل فتحه، ولكن عندما تم فتحه فلم يعد واردا إغلاقه من قبل وصوله إلى القضاء. أما حجتي بالنسبة لفساد ما بعد العشرية فتتمثل في بعض الخطوات التي تم اتخاذها مؤخرا، والتي من أهمها إلحاق المفتشية العامة للدولة بالرئاسة وتعيين مفتش جديد، ودعمها بما تحتاج إليه من قدرات بشرية ومالية. كل هذا يوحي أن هناك إرادة سياسية قوية لتفعيل دور المفتشية العامة للدولة في المرحلة القادمة، وسيتأكد ذلك ـ بإذن الله ـ في أقرب الآجال.
خلاصة القول في ملف الفساد هي أن الجدية في محاربة الفساد ستكون أوضح بإذن الله في المرحلة القادمة، ويمكنكم أن تحاجونني بهذا المقال إذا لم تكن أوضح في المرحلة القادمة. .
هل هناك إصلاح في الأفق؟
يرى البعض أنه لا أمل في الإصلاح، وأن الإدارة ستظل تعمل بنفس النهج وبنفس العقليات والأشخاص الذين أنتجوا هذا الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم، والذي تحدث عنه فخامة الرئيس بصراحة غير معهودة خلال لقائه بجاليتنا في اسبانيا.
إن الرئيس الذي تحدث أمام جاليتنا في اسبانيا عن هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه بلادنا، وهو الذي يدرك أيضا حجم التحديات الكبيرة التي يعيشها العالم حاليا : كورونا وما تسببت فيه من تأثيرات سلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؛ الحرب على أوكرانيا وما ستخلف من آثار اقتصادية صعبة إن هي استمرت؛ الوضعية المقلقة في مالي التي تجمعنا بها الجغرافيا والتداخل السكاني.
إن لرئيس الذي يدرك حجم الواقع المؤلم الذي تعيشه بلادنا، وحجم التحديات الكبيرة التي تواجه عالم اليوم والتي ستصل آثارها لبلادنا مما سيزيد الأمور تعقيدا، إن الرئيس الذي يدرك كل ذلك، ويدرك أيضا أنه هو من يتحمل المسؤولية الأولى في تغيير هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه البلاد لن يجد من سبيل لتغيير هذا الواقع المؤلم إلا من خلال التهدئة السياسية والحرب الجدية على الفساد، والبحث عن الكفاءات القادرة على تحقيق الإصلاح، فالإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا بالمصلحين.
بهذا المنطق التحليلي الاستشرافي فإنه بإمكاني أن أجزم تحليليا بأن الفترة القادمة ستكون ـ بإذن الله ـ فترة حوار وحرب جدية على الفساد وإصلاح إداري عميق، فهذا هو ما أتوقعه من فخامة الرئيس خلال الفترة القادمة، وهناك العديد من الإشارات التي تجعلني أتوقع ذلك.
حفظ الله موريتانيا..