يمكن القول بأن الارتجال الذي يعتمده الرئيس محمد ولد عبد العزيز كنهج أو كرؤية أو كفلسفة في إدارة شؤون البلاد هو من أشد المخاطر التي تهدد نظامه، ومما يزيد من خطورة هذا الأمر أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز كان قد ابتلي ببطانة ليس فيها من يمتلك الجرأة ولا الشجاعة لأن ينبهه على خطورة ما يقوم به من ارتجال للقرارات.
ولتقدير حجم الكارثة، ولتقدير خطورة الارتجال فإليكم هذه الأمثلة السريعة :
(1)
أن يشيد الرئيس "جامعة عصرية" خارج العاصمة، وذلك دون أن يفكر في توفير نقل لائق للطلاب، ولا في تشييد مطعم بطاقة استيعابية مناسبة في هذه الجامعة النائية فذلك يعني بأننا أمام قرار في غاية الارتجال. إن أول ما كان يجب أن يفكر فيه الرئيس من قبل تدشين الجامعة هو كيف سيتم نقل الطلاب إلى هذه الجامعة النائية، وكيف سيتم توفير الغذاء لهم في هذه الجامعة البعيدة عن أماكن سكنهم؟ فأي أهمية لجامعة عصرية لا يمكن الوصول إليها إلا باستخدام وسائل نقل بدائية ومتهالكة، وأي أهمية لجامعة عصرية لا يمكن للطالب أن يحصل فيها على قطعة خبز إلا من خلال الوقوف في طوابير طويلة كتلك التي نشاهدها في البلدان المنكوبة؟ وأي أهمية لجامعة عصرية إذا كان وقت الطالب المخصص للدراسة سيضيع بين طابورين: طابور للبحث عن حافلة، وطابور للبحث عن قطعة خبز يسده بها رمقه من بعد يوم شاق يبدأ برحلة شاقة إلى الجامعة، وينتهي بأخرى أكثر مشقة للعودة إلى المنزل.
(2)
أن يُلغيَّ الرئيس ـ وبشكل مفاجئ ـ صفقة للصرف الصحي بحجة أن كلفتها مرتفعة، ويترك من بعد ذلك العاصمة تتعرض لخسائر مادية فادحة خلال عدة مواسم خريف متتالية، فذلك يعني بأننا أمام قرار مرتجل لم يتم التفكير في عواقبه، ولا في الكوارث التي يمكن أن تترتب عليه. كان على بطانة الرئيس أن تنبهه على أن الخسائر التي ستتكبدها الدولة والمواطنون بسبب إلغاء تلك الصفقة التي سيترتب على إلغائها تأخر تشييد الصرف الصحي في العاصمة لسنوات، أن حجم تلك الخسائر المترتبة على إلغاء الصفقة قد يفوق بكثير حجم كلفة المشروع الذي تم إلغاؤه.
(3)
أن يبدد الرئيس أرباح شركة "اسنيم" في سنوات الرخاء، وأن ينفق تلك الأرباح الطائلة في مشاريع مرتجلة، وأن لا يفكر الرئيس في أن سعر الحديد يمكن أن ينخفض، وقد كان من المتوقع له أن ينخفض، أن لا يفكر في كل ذلك، فذلك يعني بأننا أمام رئيس لا يخطط، وإنما يرتجل قراراته ارتجالا. المصيبة أن الارتجال وتبديد أرباح هذه الشركة قد أوقعنا اليوم في ورطة كبيرة، وقد أوقع شركة "اسنيم" في ورطة. لقد أصبحت هذه الشركة مهددة بالانهيار بعد أشهر قليلة من انخفاض سعر الحديد كانت قد سبقتها سنوات رخاء ارتفع فيها سعر الحديد ارتفاعا كبيرا.
(4)
أن يقرر الرئيس جمع عدة قرى في منطقة واحدة، وذلك من قبل أن يتأكد من وجود ماء بهذه المنطقة التي سيحشد فيها القرى حشدا، فذلك يعني بأننا أمام قرار مرتجل. إن المواطن العادي الذي لا يملك وزارات ولا مكاتب للدراسات من الصعب عليه أن يشيد منزلا من غرفة أو من غرفتين في مكان ما من قبل أن يتأكد من توفر الماء بذلك المكان الذي سيشيد به منزله، فإذا كان ذلك حال المواطن العادي، فهل يقبل من الدولة، والتي تمتلك الوزارات والأموال الكافية لإجراء الدراسات أن تحشر الناس في منطقة لم تتأكد بأنه يوجد بها ما يكفي من ماء. لقد خسر المئات من القرويين أموالا في تشييد مساكن بتجمع "ترمسه"، وذلك من قبل أن يكتشفوا بأنهم قد نزلوا بواد غير ذي زرع، ولما علموا بذلك فلم يكن أمامهم إلا أن تعود طائفة منهم من حيث أتت، وأن تولي طائفة أخرى وجهها شطر القصر الرئاسي طلبا للماء، وكانت تلكم هي المرة الأولى التي يجبر فيها العطش سكان تلك المنطقة على تنظيم المسيرات، وعلى الاحتجاج أمام القصر الرئاسي.
(5)
أن يقرر الرئيس تهميش قطاع الشرطة لأسباب فد تكون مزاجية وشخصية، ووقف الاكتتاب بهذا القطاع لسبع سنوات، وتقليص ميزانيته مع تركه يعيش نزيفا وانكماشا بفعل تقاعد واستقالة عدد مهم من عناصره، حيث تقول بعض التقديرات بأن هذا القطاع الذي لم يشهد اكتتابا جديدا في السنوات الأخيرة قد فقد 35% من عناصره خلال هذه السنوات، وذلك بفعل التقاعد والاستقالة. أن يفعل الرئيس كل ذلك، وأن يبعثر الميزانية القليلة، وأن يشتت جهود ما تبقى من عناصر هذه القطاع بتقسيم العاصمة إلى ثلاثة ولايات مع تشييد عدد كبير من المفوضيات الجديدة، فهذا يعني أننا أمام قرارات مرتجلة وفي غاية الخطورة، وقد انعكست هذه القرارات المرتجلة على أمن المواطن. إن استبعاد قطاع الشرطة (رغم عيوبه ونواقصه) بقرار ارتجالي، وإبداله بقطاع ناشئ أغلب عناصره من المراهقين لهو من أهم الأمور التي تسببت في هذا الانفلات الأمني المخيف الذي تعيشه العاصمة منذ فترة.
إن قرارات الرئيس المرتجلة كثيرة، ولا يمكن حصرها في مقال، ومن بين قراراته المرتجلة يمكن أن أذكر أيضا وبشكل سريع قراره بالإعلان عن سنة للتعليم من بعد شهر أو أكثر من الافتتاح الدراسي، و قراره بإلغاء مباراة في الدقيقة 65، و قراره بقطع البث من بعد انطلاق مؤتمر صحفي كان ينقله التلفزيون الرسمي بشكل مباشر.
إنه يمكننا أن نقول بأن جل قرارات الرئيس محمد ولد عبد العزيز هي قرارات مرتجلة، وأن النادر أو الاستثناء هو أن يتخذ الرئيس محمد ولد عبد العزيز قرارا غير مرتجل، وأن يكون ذلك القرار قد اتخذه بعد دراسة ومشورة.
حفظ الله موريتانيا..