قبل أسابيع من الآن انقضى نصف مأمورية الرئيس غزواني، واليوم تمر الذكرى الثالثة لإعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية، وهي فترة كانت كافية -وزيادة- لتقييم أداء المنظومة الغزوانية الحاكمة، لكن صعوبة السير في خط مستقيم بين مناصحة ومناطحة المنظومة تفرض علينا الكثير من التجرد لحظة التدبيج.
ومع العلم أنه لاسلامة من الأحكام المعلبة في بلد تتحكم في نفسيات نُخَبه المصالح والأمزجة؛ حتى ولو التزمنا بالخط المستقيم فإن محاولة الإلتزام بالسير عليه حتى مع الفشل ستجعلنا نكسب شرف المحاولة لننقلب بإحدى الحُسنيين.
تاريخيا لم يكن الوليد وسليمان أسوء من حكم الدولة الأموية في المشرق؛ فقد كانت فترة حكمهما فترة ازدهار وفتوحات وبناء؛ وعلى الرغم من ذلك فإن ابن عمها عُمر لمّا تسلّم الحكم بعدهما أوقف التوسع واقتصد في البناء وانتهج المصالحة وإرساء دعائم العدل والإنصاف ومحاربة الغبن فكانت فترة حكمه علامة فارقة في تاريخ الدولة؛ وفترة راشدية سافرت عبر الزمن وأرست قواعدها في زمن متأخر، فجور أبناء عبد الملك وحيفهم مسح كل الإنجازات بممحاة؛ وعدل عُمر رفعه من مرتبة الملوك إلى منزلة الخلفاء الراشدين.
ومن وجهة نظري الخاصة فإن الرئيس غزواني يحاول قدر المستطاع ورغم الإكراهات والفوارق أن يرسي دعائم العدل والإنصاف ويبني وطنا للجميع تنعدم فيه الفوارق والمَهاجر القسرية؛ ويمد يد السلام للجميع بعد أن ظلت مغلولة لعقود، كما يحاول جاهدا الحفاظ على الموجود واستجلاب المفقود، كما يعمل على السير بالبلاد نحو جادة البناء؛ وقد وضع آلية لذلك أطلع عليها بعض من يجلسون في قمة السلم؛ وهنا لابد أن نعضد الحديث بالأمثلة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة.
ظل المناضل أحمد ولد داداه عقبة كأداء أمام أي حاكم للبلاد منذ دخوله المعترك السياسي؛ فمن المتجاوز أن الرجل لا تستهويه الإغراءات ولا تُلين معدنه الضغوط؛ فكان تلك الشوكة الحادة المزروعة في حلق كل حاكم، حتى جاء الرئيس غزواني؛ ليغير الرجل شوكه صوفا، ومخلبه كفا حريريا؛ ويسير ضمن هاديات السرب الناصح.
وعلى نفس الدرب سار رفقاء نضاله محمد ولد مولود، وجميل منصور ومحمد غلام ولد الحاج الشيخ وغيرهم؛ هذا على الرغم من قدوم غزواني من نفس المنظومة التي كانوا يناصبونها العداء والقطيعة؛ ويردون واردهم عن حوض نظامها.
ولم يكن السياسيون وحدهم من جلسوا على تلك المائدة فمن كان يتصور أن يذب زعيم إيرا عن حياض قادم من منظومة كان بالأمس يصفها ب "الاستعبادية" دون أن يلاحظ فرقا بيّنا، ويحيى لديه أمل كان بالأمس منقطعا..؟!
يقولون أن الخصام حبيب الشيطان؛ وإذا دخل بيتا قلّت فيه البركة؛ وقد استطاع ولد الغزواني أن ينزع فتيل الخلاف بين جميع الأطراف ومن الطبيعي أن يكون لذلك ضحايا فمن زرع الخلاف أصلا لابد أن يتأذى من هدم ما بناه، ولعل ذلك مايفسر الصوت النشاز الذي يسمع من حين لآخر هنا أو هناك.
إن تقييم حصيلة منتصف المأمورية والذكرى الثالثة لإعلان الترشح لايمكن بتاتا أن يسلم من تجاوز؛ فعلى رأي الزعيم عادل إمام(من يرى البلاد فوق، ليس كمن يراها من أسفل) كما أن اسطوانتي "بلدنا غني" وتصنيف "قلة الكثافة السكانية كعامل قوة" هما أكبر كذبتين يعتاش عليهما المهرجون.
فموريتانيا من أفقر بلدان العالم، وقلة سكانها يعد أقوى عوامل الضعف لديها بحيث لايمكن لأي مستثمر أن يستثمر في بلد لاتوجد فيه ثروة بشرية يمكن أن تشكل سوقا لمنتوجه.
كما أن حداثة التكوين وغياب التراكمات شكلا عائقا أمام البلاد يحول بينها وبين استخراج ماهو متاح من الثروات، ومن هنا فإن الإكراهات ترغمها على استخراج ثرواتها بالتعاون مع الشركات العابرة للحدود بنسب ضئيلة، وبالتالي فإن استفادتها من تلك الثروات تظل شبه معدومة.
وفي جو كهذا حاول ولد الغزواني في خضم جائحة كورونا والأزمات المشتعلة في الدول المحيطة، أن تظل قافلة البلاد في تقدم جاعلا من الحفاظ على الموجود وصيانته أولوية، وساعيا في استجلاب المفقود دون كلل أو ملل؛ لكن الظروف المحيطة وفلسفة الرجل تمليان عليه عدم التسرع والانتشاء دون أن يؤمن على كل مراسيه ويتأكد من وضعها على اليابسة.
أعلم جيدا أنه من أصول العقلية الظلامية البدائية أن نتمسك بأحادية الطرح ومن أصول التنوير إيماننا بتعدد الآراء، ورغم معرفتي بالقاعدتين الكليتين؛ إلا أن تتبعي للأصوات المناوئة للتوجه القائم بالبلاد منذ تنصيب الرئيس غزواني لايسلم صاحبهما من نوازع معينة؛ كغياب مصالح كان يحصل عليها، أو شعبوية متجذرة في الذهنية، أو بحث عن موطئ قدم في اتجاه معين، أو إيديولوجية مسيطرة، أو اصطياد في مياه السوشيل ميديا العكرة؛ وهذا ليس إقصاءً لمخالف في وجهة النظر أبدا؛ بل هي مجرد معادلة صنعها القدر ولا مبدل لكلمات الله.
وعلى العموم فإن أعظم إنجاز في نظري هو كيف استطاع ولد الغزواني أن يشكل إجماعا على شخصه ضم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وأي خروج عن ذلك الإجماع يعد شذوذا يؤكد القاعدة، لكنني شخصيا لست منبهرا فقط بهذا الإنجاز بل إنني أراهن على محافظة الرئيس غزواني على هذا الانجاز.