محمد الأمين عبد الله
كتابة الضبط جهاز قضائي- إداري يصنف ضمن مؤسسات دولة القانون، ويضطلع بمهام قضائية وإدارية متعددة، ويوصف أصحابه بفنيي الإجراءات القانونية على مستوى جميع المحاكم، وفي جميع مراحل القضايا.
فكيف تعاطى المشرع الموريتاني مع هذا الجهاز؟ ، وكيف تنظر إليه تشريعات الدول التي نشترك معها في منظومة قانونية موحدة ؟، وماهو دور كتابة الضبط الموريتانية في بناء دولة القانون؟.
يوجب الأمر القانوني رقم: 2007/12 الصادر بتاريخ:
8 فبراير 2007 ، المتضمن التنظيم القضائي وجود كتاب الضبط ضمن تشكيلات المحاكم الموريتانية تحت طائلة بطلان الجلسات والقرارات والأحكام القضائية المترتبة عنها المواد: 61-57-51-47-42-35-25.
كما أن جميع القوانين الإجرائية نصت على مجال عمل كتاب الضبط في مختلف المحاكم والنيابات والإجراءات التي يقومون بها من أجل تجسيد العدل في دولة القانون.
وقد جاء المرسوم رقم: 2009/171 الصادر بتاريخ 11 مايو 2009 ليبين النظام الأساسي الخاص بموظفي كتابات الضبط والنيابات، وذلك تطبيقا لأحكام القانون رقم: 93/009 الصادر بتاريخ: 18يناير 1993 المتضمن النظام العام للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة، ووفق هذا المرسوم تحددت صلاحيات كتاب الضبط وفقا لأحكام النصوص القضائية والإجرائية والتنظيمية، فهم يتبعون لسلطة وزير العدل، ويشاركون في إنجاح المهام الإدارية في مختلف الإدارات المركزية بوزارة العدل؛ ويتم اكتتابهم عن طريق المسابقة، ويؤدون اليمين القانوية قبل مزاولتهم للمهنة (المادة 19 من المرسوم المذكور)، كما نصت المادة: 21 منه على أن <<... كتاب الضبط الرئيسيون وكتاب الضبط أعضاء في المحكمة التي يمترسون فيها وظائفهم ، وتلزمهم الإقامة في مقر المحكمة التابعين لها.
ولايمكنهم تحت طائلة بطلان الأعمال الناجمة:
● المشاركة في جلسة محكمة أحد أعضائها تربطه بهم علاقة زواج أو قرابة مباشرة أو غير مباشرة أو مصاهرة إلى الدرجة الثانية.
● مساعدة قاضٍ تربطه بهم نفس شروط القرابة أو المصاهرة المذكورة في الفقرة السابقة.
ولايمكنهم حضور جلسة أو مساعدة قاضٍ في الحالات التالية:
• إذا تعلق الأمر بمصالحهم الشخصية أو مصالح شخص آخر تربطهم به العلاقة المبينة في الفقرة 2 اعلاه؛.
• إذا تعلق الأمر بمصالح شخص يمثلونه بقوة القانون أو بموجب وكالة.
كما لايمكنهم اقتناء الحقوق المتنازع عليها أمام المحكمة التي يمارسون فيها عملهم.>>.
كما نصت المادة 23 من هذا المرسوم على أنه << ... لايمكن وضعهم تحت بطاقة إيداع إلا بعد أخذ رأي وزير العدل>>.
وفي فرنسا يسمى كتاب الضبط بفنيي الإجراءات القضائية، ويضطلعون بمسؤوليات قضائية وإدارية متعددة، فبالإضافة إلى وظائفهم القضائية كأعضاء في المحاكم يشترط حضورهم ضمن أعضاء الجلسات لضمان سلامتها ، وتوقيعهم للقرارات والأحكام القضائية تلافيا لبطلانها، ويعهد إليهم باستدعاء الأطراف ، ويظل الملف القضائي تحت عهدتهم إلى أن تكتمل جميع وثائقه، ويمسكون السجلات، ويسلمون النسخ الأصلية من جميع أعمال المحاكم، ويقومون بالمعاينات، وتصفيات التركات. بالإضافة إلى ذلك يتولون تسيير الموارد المالية للمحاكم والمنشآت، والوسائل التابعة لها ، حيث نص قانون التنظيم القضائي الفرنسي المواد من R212-45 إلى R212-48 ، في تنظيمه للأحكام العامة للجمعيات العامة بالمحكمة في المواد من R212-23 إلى R212-33 من نفس التنظيم على وجوب وجود مجلس تسيير إداري ومالي يرأسه مدير كتابة الضبط.
كما يحظون باهتمام كبير من طرف المشرع الفرنسي الذي أنشأ لهم مدرسة خاصة بهم مدرسة وطنية خاصة سماها "المدرسة الوطنية لكتاب الضبط"، وذلك وعيا منه بأهمية هذا الجهاز في بناء دولة القانون ، دولة المؤسسات..
وفي الجزائر يحظى كتاب الضبط باهتمام كبير لما يضطلعون به من مهام إذ يعتبر كاتب الضبط ماكينة العملية القضائية وسر نجاحها.
وفي المملكة المغربية تقوم كتابة الضبط بتجهيز ملف الدعوى بكل ما يتطلبه ذلك من استدعاءات للأطراف والمشاركة في إجراءات التحقيق من بحث، وخبرة إلى أن يعرض الملف على الجلسة حيث تقوم بالإشهاد على ما يروج بها وتوثيقه بواسطة محضر رسمي، وحضور كاتب الضبط بالجلسة ضروري إذ أن كل قرار أو حكم اتخذ في غيبته يكون باطلا، بالإضافة إلى ذلك تتولى كتابة الضبط أداء الأتعاب المحددة لفائدة الخبراء أو المترجمين و الشهود سواء بواسطة صندوق المحكمة في إطار التسبيقات المودعة أو بواسطة الخزينة العامة في إطار المساعدة القضائية، ويعتبر كتاب الضبط في المملكة المغربية محاسبين عموميين بمقتضى المرسوم الملكي المؤرخ في 25 أبريل 1967 الخاص بسن النظام العام للمحاسبة العمومية،كما تقوم كتابة الضبط هناك بتصفية الأموال الخصوصية المتعلقة بتسبيقات أعمال الخبرة ومصاريف التنقل وتنفيذ الأحكام والأقساط الجزافية وغيرها من الواجبات المنصوص عليها في ظهير 21 ديسمبر 1986 الخاص بتنفيذ القانون المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي وكذلك الغرامات إلخ…
وينطبق الحال على كتاب الضبط في السنغال حيث يعتبر كاتب الضبط هو الضامن لسلامة الإجراءات على مستوى جميع الهيئات القضائية فضلا عن دوره كفاعل أساسي يمثل الجهاز الإداري، ويشرف على تسيير المنشآت والوسائل التابعة للمحاكم، وهو ماسك سجلات المحكمة وحافظ الأسرار الرسمية للمتخاصمين، والمتهمين، والمدانين والأطراف المدنية.
وقد جاء اهتمام هذه التشريعات بدور كتابة الضبط عن وعي بضرورة توفير جو يسمح بضمان محاكة عادلة في عصر تشعبت فيه القضايا وظهرت الجاجة إلى الاستفادة من تجارب عالمية متراكمة فرضت تحيين النصوص استجابة لتغير الواقع، ولهذل فقد سعت وزارة العدل الموريتانية إلى ضخ دماء جديدة في هذا الجهاز أغلبها شباب من حملة الشهادات العليا مما يستدعى النظر في تحيين النصوص الناظمة لهذه المهنة، لتظيمها بشكل يواكب تطلعات أصحابها ويتماشى مع رؤيتهم للإصلاح في جو يسمح بالمساهمة في بناء دولة الحق والقانون على غرار مؤسسات كتابات الضبط في الدول التي نشترك معها في منظونة قانونية موحدة.