بقلم عالي محمد ولد أبنو/ إعلامي وحقوقي
بهدوء وروية وتؤدة ورزانة وسكينة ووقار، ولكن أيضا بعزم وحزم وصَرْم وجَزم يتواصل مسار الإنجاز غير المسبوق، رغم دخان التشكيك وغبار التبكيت.
والتشكيك والتبكيت لا يمكنهما أن يحجبا شمم الإنجاز، وهل لخرقة مهترئة أن تسد عين الشمس في أرض صحراوية صريحة كقيلولة أفله أو أكان أو تيرس.
لما استلم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد الأمور، كانت البلاد خارجة للتو من عملية عسكرة للشوارع استهدفت توتير الجو العام، ودفع المكونات الاجتماعية إلى الاحتراب.
كانت الساحة متدابرة، وكان مراقب المشهد المتبصرُ يظن البلاد مقبلة على حرب بسوس يصلي لظاها من لم يكن من جُناتها.
كانت أرقام الخزينة، وباستخدام كل سلم الترفيع بالكاد تجاور الصفر، وكانت بذور الفتنة مزروعة بعناية في كل زاوية من زوايا الجهاز الأمني والسياسي والإداري.
بهدوء وتبصر وبأخلاقية فذة ساس ولد الشيخ الغزواني أمور البلد، قابل الرجلُ الصموتُ المثقف، الذي يحب ويجيد العمل بصمتٍ فرقاءَ المشهد، وانقلب التدابرُ تآلفا، وسادت السكينةُ الجوَّ العام من بعدما كادت تعصف به زعازعُ الصيفِ المُكفهر.
أسس ولد الغزواني، بعدما أرسى في المشهد السياسي دعائمَ الألفة، أسس لمقصدٍ من مقاصد الدولة أي دولة، طالما تشدق به الساسة، وطالما رفعه أسلافُه يافطةً من خيال، وهو فصل السلطات واستقلال بعضها عن البعض.
وبموجب ذاك المعطى بدأ القضاء يتابع ملفات مغارة على بابا في استقلال تام عن أي تغول أو حتى أي تدخل للسلطة التنفيذية.
انطلق ذلك المسار بعد أن اضطلعت السلطة التشريعية للمرة الأولى في تاريخ البلد بدورها في التحقيق في ملفات تسييرية شغلت الجميع وتضرر منها الجميع.
كانت هناك حرب أخرى على الرجل أن يخوضها، وهي حرب نتاج قرون من البعد عن مركز القرار والفعل والثروة، وحمل ولد الغزواني راية الانتصار للمغبونين في زوايا الوطن.
وكانت "تآزر" بلسما خفف الجراح، وأعاد البسمة إلى شفاه حارفها الضحكُ مدى السنين الغُبَّر.
ثم جاءت عملية التأمين الصحي لأكثر من نصف مليون مواطن، وصار بإمكان لاله بنت قرية صبها الله في تخوم لگليته، وفاطمة التي تقطن في اتواجيل على مرمى حجر من مسار القطار، وچينابا أصيلة قرية تولل في غورغل وغيرهن من ضعاف وضعيفات الشعب أن يتعالجن ويتعالجون على ذمة الدولة، دون أن يحتجن أو يحتاجون لدفع أوقية واحدة.
وكانت عاصفة كورونا، وبمتابعة وقيادة من فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني واجهت موريتانيا الرسميةُ والشعبية على مختلف الصعد الجائحةَ؛ وبحمد الله وفضله، وببعد نظر قائدنا، وبرأيه السديد، وبتخطيطه المنقطع النظير عَدّت العاصفة.
في أول أيام الجائحة، وقد بلغت القلوب الحناجر، وقف الرئيس الإنسان وبرباطة جأش وثقة وصرامة، وكرر لازمة لا عهد لآذان الموريتانيين بها: وتتحمل الدولة .. وتتحمل الدولة .. وتتحمل الدولة.
مع ذلك الخطاب - الفيصل ولدت دولة أخرى هي الدولة المتحملة على أنقاض الدولة الجابية.
في خطاب أعقب ذلك الخطاب بتسعة أشهر بمناسبة ستينية الاستقلال، أعلن فخامة الرئيس المواطن عن حزمة واسعة من التدخلات لصالح المتقاعدين وعمال التعليم والصحة.
ولسنا في وارد الإحاطة بالمنجز خلال السنتين الفارطتين - لأن كل ما سنذكره لن يكون سوى غيض من فيض - بقدر ما نحن في وارد نقاش فلسفة الإنجاز من ذاتها.
كان المعطى الأول هو تهدئة الساحة، ثم جاءت لحظة فصل السلطات وانطلاق المحاسبة، لتأتي لحظات البناء والتدخل الفعال عند الاقتضاء، ليقف المنجز في النهاية على أرض صلبة.
وفعلا، فلا يمكن تحقيق أي منجز دون توفر مناخ الهدوء، ولا يمكن للدولة أن تقوى دون التركيز على البعد الاجتماعي المعيش، ومنح كل ذي حق حقه من أركان الدولة في استقلالية تامة، وهو ما يبدو أن الرئيس كان يعيه أكثر من أي كان.
ولأنه مصلح فليس مستغربا أن تخرج عناكب الفساد من بناءاتها الواهنة التي كانت معششة في كل مرافق الدولة لتحاربه وتكيد للرجل، ولوزرائه المصلحين، فتنصب له الأفخاخ وتحارب داعميه الخلصاء وتشيطنهم، ولكن عجلة الإصلاح دارت، ومن الواضح أن التحول الذي عرفه البلد منذ سنتين قد أوجد بيئة طاردة لكل من لا يستطيع الانسجام مع جو الإصلاح الهادئ والاستقرار والسكينة العامة.