يقول الرسول الكريم عليه افضل الصلاة والسلام (من غشنا فليس منا).
في بداية سنة 1990 كنا نجري أول إختبار في مادتنا الأساسية الكهرباء و نحن في السنة الأولي من التعليم الفني لشهادة (BT en Génie Électronique) كان يجلس إلا جانبي شاب طيب و بشوش يسمي محمد محمد يحي هو اليوم إطار في شركة أسنيم كان واضحا من عمله أنه يفهم كل شيء بينما كنت بجانبه و لم أستطع حل أي تمرين أكتشف ذلك قبل نهاية الساعة الأولي و حاول بكل الطرق أن يعطيني شيء من الحلول لكنني كنت أعتذر له و أقول له إنني أفكر و سأجد الحلول إقتنع بالفكرة و في الحصة الموالية دخل الأستاذ الصادق و لديه أوراق الإختبار و أعلن أنه سيحتفظ بأفضل و أسوء نتيجة لنهاية التوزيع.
بعد وقت صعيب علي الجميع أعطي لمحمد يحي نتيجته و كانت 18/20 و أعطاني نتيجتي و كانت 2/20 فذرفت عيون صديقي دمعة حزن و هو ينظر إلي كيف رفضت مساعدتي و انت بجانبي و أنا عرضت عليك مساعدتي فأجابه الأستاذ التونسي نقطتين من عمله أفضل له من عشر نقاط من عمل غيره.
توالت الأنباء في السنوات الأخيرة بأن هناك مراكز يتمكن أهلها من النجاح بنسب عالية جدا خاصة داخل البلاد كما أصبحت كل قرية تفاخر بنسبة نجاح تلامذتها كما كان عليه الحال في المفاخرة بنسبة التصويت في صناديق الاقتراع للحزب الجمهوري ليعتبر ذلك النصر محسوبا للقبيلة أو الوجهاء أو الأطر لنكتشف لاحقا أن ذلك كان بسبب تساهل الرقابة بل تدخلها في بعض الأحيان حيث يحكي أن بعض المراقبين لا يخرجون الإمتحان فقط بل منهم من يساعد التلاميذ داخل قاعة الإمتحان و منهم من يعتقد أنه يحسن صنعا.
لكننا للأسف بهذه الطريقة الغريبة لتوفير النجاح لأبنائنا و بناتنا قتلنا فيهم عن قصد أو غير قصد روح المنافسة الشريفة والاعتماد علي النفس.
فأصبح الجميع ينتظر المساعدة في كل شيء و يحتاج وساطة لكل شيء لأننا دمرنا الجسور التي يحتاجها الآخرون للوصول إلى التميز بالاجتهاد و الجد و العمل و إستبدلناها بسباحة خفية تحت الجسور المدمرة في المياه العكرة.
كان إبني أحمد سالم يجري السنة الماضية مسابقة دخول السنة أولي من الثانوية (بريفة).
عندما وصلنا مركز الإمتحان في مدرسة إبن سيناء في تفرغ زينة لم أصدق عيناي كان حضور أهالي الأطفال مخيف كأن رئيس الجمهورية دعاهم لدعم تطوير التعليم في بلادنا.
بعد إنصرافي بساعة من الوقت إتصلت بي والدته معاتبة كيف تركت الطفل و حده و أنا الذي لم يرافقني أحد إلي مركز الإمتحان لا أنا و لا أحد من جيلي بأكمله قلت لها بعفوية لقد دخل و عرف مكان فصله فأجابتني أنا قادمة للمركز قلت لها هذا جيد رأيت كثيرا من الناس يجلسون حول المركز.
أفرج عن النتائج بحثنا عن رقم الولد فلم نجده لأنه لم ينجح شجعته و قلت له عليك تحسين خطك و المراجعة أكثر في المرة القادمة.
أخبرتني والدته أنني غير مهتم بدراسة أطفالي كما قالت صديقتها و التي نجح أطفالها في كل المسابقات.
قلت لها كيف، قالت إن الأسر تقيم وليمة في البيت و تدعوا بعض المقتدرين في المواد و تحصل بقدرة قادر علي الإمتحان و يقوم الضيوف الكرام بحل كل الإمتحان و بقدرة قادر يصل الحل إلي التلاميذ داخل الفصول.
قلت لها هذا إذا هو سبب وجود كل هؤلاء الناس حول مركز الإمتحان قالت نعم فقلت لها باركي لصديقتك و من علي شاكلتها علي أنهم دمروا التعليم بتدميرهم للجسور.
لن أشارك في مثل هذا ليس لأنني أفضل منهم بالعكس، و لكنني مأمن بأن أطفالي سينجحون بمجهودهم أو يخسرون بضعف عملهم.
أخطر ما في الأمر هو أننا صنعنا حاضنة إجتماعية للغش المدرسي مدمرة لمستقبلنا.
فهل هناك من هو مستعد لإعادة بناء الجسور لتمر من فوقها أجيالنا القادمة و هي تنظر إلي المياه العذبة تجري من تحتها نحو النجاح بجدارة.
المهندس
حمود النباغ
مسؤول الكهرباء و إنارة مدارج مطار أم التونسي الدولي