تحل اليوم الجمعة فاتح يوليو، ذكرى الكارثة المفجعة في مدينة تجكجة عاصمة ولاية تكانت، حين كان العشرات من الأهالي ينتظرون في ذلك الصباح الباكر وصول طائرة تابعة للخطوط الجوية الموريتانية، قادمة من نواكشوط، تحمل على متنها الأهل والأحبة.
فعندما بدأت الطائرة في الهبوط على مدرج مطار تجكجة، هبت عاصفة حدت من الرؤية، فانزلقت عن المدرج لترتطم بصخرة أدت لإشتعالها، فكانت الكارثة الفاجعة ذات الأثر البالغ على سكان المدينة خصوصا وفي عموم التراب الموريتاني حينها.
كارثة مفجعة بسببها فقد قرابة مائة مواطن موريتاني في حادث تحطم تلك الطائرة والتي هي من نوع "فوكير28"، وذلك في صبيحة الجمعة فاتح يوليو 1994 عند الساعة الثامنة والنصف، وهي المأساة التي قال فيها الشاعر الكبير ادي ولد آدبه قصيدته المشهورة: "فاجـعٌ.. فـاجعٌ.. ورُزْءٌ.. مَهُـولُ...."، والتي أنشدها بصوت شجي الشاعر الراحل الخليفه ولد أيده تغمده الله بواسع رحمته، وتغمد كل الذين قضوا في ذلك الحادث المأساوي وجميع موتى المسلمين برحمته الواسعة.
القصيدة هي:
فاجـعٌ.. فـاجعٌ.. ورُزْءٌ.. مَهُـولُ.. وأسًى.. مُطبقٌ.. عَريـــضٌ.. طــويلُ!
صَدْمَةٌ.. رَجَّت الوُجـودَ.. فلمْ يَبْقَ -لَـدَى مَنْ لهمْ عُقـــولٌ- عُقـــولُ!
كلُّ عيْنٍ.. تَزُوغُ فِي الأفْقِ..حَيْرَى.. فتَرَى الرُّوحُ-في الدُّموع-تَسيلُ!
كلُّ قَـلبٍ.. يَـمُـورُ -بالفجْـع- مَوْرًا.. فتَـرَى ذَبْــذَبَــاتِ حُزْنٍ .. تجـــولُ!
في وُجُـــوهٍ.. تُـذِيـبُـها حَسَــــراتٌ.. وانْصِهــــارٌ.. تـَوَتُّـرٌ .. وذهـــــولُ!
بالدُّعا.. غَصَّت الحَـناجِـرُ.. حَتَّى ذابَ فيها الـدُّعــا.. ومــاتَ العَــويلُ!
والثوانِي.. الثكْلَى.. تَمُرُّ.. سِنينًا.. آدَهَا اليَأسُ.. والرجا المُسْتحيلُ!
فوْقَ كُلِّ الشِّفـاهِ.. ظـلَّ سُؤالٌ.. خـائـِفٌ.. مِنْ جَوابـه .. لا يَقــــيلُ:
أيْنَ أمِّـي.. أبِي.. أخِي.. أيْنَ إبْنِي؟ فُجِعَ الكُـلُّ.. سائـلٌ.. ومَسُولُ!
لاتَسَلْ.. فالرُّكابُ.. ماتوا.. جَميعًا.. عِنْدَمَا حَانَ -في المَطار- النُّزولُ!
شَبَّ فيها الحَريقُ.. والكُلُّ يَرْنُـو.. لا مَطافِي.. إلا الدُّموعُ.. السُّيولُ!
هَـلَكُوا .. والأحْضانُ تهْفــو إليهمْ أيْنَ - لا أيْـن – للنجاةِ سبــــــيلُ؟
كمْ جَـمَالٍ .. وكمْ شبابٍ .. وأحْلامٍ.. ومَـجْدٍ.. أحْرَقْتَ.. يـا عزْرَئيـلُ!
لـيسَ بيْن الحيـــاة والـموتِ .. إلا حاجِز - عِنْـدَما يـُـزاحُ – ضئــــيلُ!
إنَّ حَدْسَ الإنْسانِ في ظُلْمَةِ الغـيْب.. جَهُـولٌ.. ومُعْتِـمٌ.. وكَـلــيلُ!
ليْتَ شِعْرِي من كان يحسب هذي رحْلة العُمْـر.. ما وراهــا قفولُ؟!
رَحَلوا.. يَسْتَحِثُّهمْ ألْفُ شَوْقٍ.. فانْتَفَى الوَصْلُ..حيْثُ حانَ الوُصولُ!
حَلَّقـوا.. نحْوَ أهْلهمْ.. ألْفَ مِيلٍ.. وصَلوا .. فابْتَدَا المَدَى يَسْتَطــيلُ!
يا لَها .. يا لَهـا.. تضـاريسَ مأساةٍ.. بقلـبي .. مَحْفـورِة .. لا تُــزولُ!
أنا مَهْمَا نَسِيتُ -عُمْرِي-سَأبْقَى -مِلْءَ عَيْنِي- تلكَ الوُجوهُ.. مُثولُ!
شُهَـداءَ المَطـارِ .. ما لَذَّ تَـمْرٌ.. بَعْدَكُـمْ.. لا .. ولا اسْتظلَّ النخــيلُ!
شُهَـداءَ المَطارِ.. ليْسَتْ "تَكانَتْ"-وحْدَها- مَنْ بُكــاؤُهـا سَيَــطـولُ!
شُهَداءَ المَطـارِ .. مَنْ ظَـلَّ حَـيًّا يَـوْمَ مِتّـمْ .. فــــذاكَ صَـبْرٌ جَمـيلُ!
كلُّ مَنْ مَاتَ ..جُرْحُـهُ في فُؤادي لـجِـراحـاتِ فَـقْـدِ ( نَجْدِ) مثــيـلُ!
كلُّ مَنْ لمْ يُـبالِ.. بالفجْـعِ هـذا.. فهْـوَ مَـصَّاصٌ.. للـدِّمـاءِ .. أكــولُ!
كـيْف لمْ تُحْـرِزُوا دَقِيقـةَ صَمْتٍ؟ إنَّ عـــامـًا .. مِنَ الـحِدَادِ .. قـليلُ!
كـيْف نَبْكِي .. أفْـلاذنا .. تَتـلـظَّـى وإذاعــاتُـنـا : غِـــنـاءٌ .. طُــبولُ!
شـاهَ رَأيُ المَسْئولِ عَنْ فِعْلِ هـذا أوَ حَقًّا هذا المَسُـولُ مســولُ؟!
رحَمَاتِ الإلهِ .. شدِّي قُـلـوبا.. أوْشَكَـتْ.. عَنْ مَناطها.. تستقــيلُ!
وامْطِري ذلكَ الضَّريـحَ.. الجماعي.. إنَّ خَيْرَ الكِرام.. فيـه حُلــــولُ!
وافتحِي -يا جَنًّاتِ عَدْنٍ- مَطارًا.. يَنْتَهِي.. فِيهِ.. بالضحايا.. الرحيلُ!
هَيِّئِي.. كُلَّ مُسْتَطابٍ.. لرَكْـبٍ.. دُونك اليَوْمَ.. لمْ يَـرُقْـهُ المـقيـلُ!!
يا إلهِي.. إنِّي تَفَجَّرْتُ.. شِعْـرًا فاعْفُ.. يا رَبُّ.. لا أعِي ما أقــــولُ!
اعْـفُ.. يا رَبَّـنَا .. فمَهْمَـا فُجْعْنَا.. ما لَدَيْـنا إلا الــرِّضــا.. والقَــبولُ!
ولنـا.. في الرَّسـول.. خيْرُ عَزاءٍ.. حَسْبُنا في العَـزاءِ:مات الرسولُ!