محمد الأمين ولد الفاضل
تزامن التعديل الوزاري الأخير مع انشغالات ميدانية متعددة حالت دون التعليق عليه في الوقت المناسب، وبما أني كنتُ قد التزمت لعدد من القراء والمتابعين بالتعليق على هذا التعديل كما جرت بذلك العادة مع كل تعديل وزاري، فإليكم هذه القراءة التحليلية المتأخرة، والتي ربما تكون قد جاءت في وقت بدأ فيه الجميع يتوقف عن الحديث عن التعديل الأخير.
ستكون هذه القراءة متعددة الأوجه، وستكون البداية مع الرسائل السياسية لهذا التعديل.
أي رسائل سياسية للتعديل الوزاري الأخير؟
كانت هناك التفاتة واضحة في هذا التعديل على الداعمين السياسيين، حتى وإن جاءت أقل مما كان يُنتظر. فمن المعروف أن الكثير من داعمي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، خصوصا أولئك الذين يمكن اعتبارهم "أغلبيته الخاصة" بقوا على الهامش خلال ما مضى من مأمورية الرئيس، وهو الشيء الذي أدى إلى تراجع حماس البعض داخل هذه "الأغلبية الخاصة".
إن هذه "الأغلبية الخاصة" يمكن تقسيمها إلى طائفتين متمايزتين: طائفة قادمة من رحم أغلبية الرئيس السابق، ولكنها تميزت وضاعفت من جهودها في دعم الرئيس الحالي، وهذه الطائفة يمثلها خير تمثيل سعادة السفير المختار ولد داهي، والذي تم تعيينه وزيرا للثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان ناطقا باسم الحكومة. أما الطائفة الثانية فهي قادمة من خارج أغلبية الرئيس السابق، وهذه تمثلها خير تمثيل الوزيرة السابقة توت منت خطري، والتي تم تعيينها مفوضة للأمن الغذائي.
لقد جاء التعديل الوزاري الأخير والتعيينات المتزامنة معه باثنين من أهم داعمي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، احدهما من رحم الأغلبية والثاني من رحم المعارضة، وفي ذلك رسائل إيجابية اتجاه الأغلبية الخاصة بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، والتي بدأ التململ في صفوفها منذ فترة بسبب عدم الالتفات إليها.
هذا عن الرسائل السياسية الضيقة أي تلك الخاصة بالأغلبية الداعمة للرئيس، أما عن الرسائل السياسية الأوسع الموجهة إلى كل الموريتانيين، والتي يمكن القول بأنها تشكل تجسيدا لبعض ما جاء في خطاب إعلان ترشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فهي تتمثل في تعيين ابنة رئيس سابق وزيرة للتعليم العالي، وابن قائد محاولة انقلابية سابقة مفوضا لحقوق الإنسان. هناك رسالة بالغة الوضوح في هذين التعيينين مفادها أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يُحاول بجد أن يطوى صفحة الصراع على السلطة الذي عرفته موريتانيا خلال العقود الماضية، وما ترتب على ذلك الصراع من خلافات وتجاذبات.
توازنات بالميلليغرام
تعودنا في التعديلات الوزارية أن يتم احترام التوازنات الجهوية والقبلية والشرائحية، ولذا فلم يكن من الغريب أن يحترم التعديل الأخير تلك التوازنات.
ولكن الجديد هنا هو أن التعديل الأخير قد بالغ كثيرا في احترام تلك التوازنات، فعندما أقيلت سيدة تم التعويض بسيدة أخرى، وعندما تمت إقالة وزير من شريحة تم التعويض بوزير من نفس الشريحة، وعندما أقيل وزير ووزيرة من مجموعتين قبليتين جيء بوزير ووزيرة من نفس المجموعتين القبليتين، وعندما تمت إقالة موظف كبير من مجموعة قبلية معينة جيء في مكانه بموظفة من نفس المجموعة القبلية.
لقد كنا بحاجة إلى تدرج لتجاوز مثل هذه الترضيات القبلية والشرائحية والجهوية في التعيينات، ولكن التعديل الوزاري الأخير جذرها بشكل أكبر وأوضح.
عن الخارجين من الحكومة:
خرج بموجب هذا التعديل وزيران ووزيرة، وسأتوقف هنا مع الوزيرين الخارجين، فأحدهما يمكن القول بأنه وجد فرصة لم يجدها وزير من قبله، وربما لن يجدها وزير من بعده، وأقصد هنا وزير الصحة السابق الدكتور نذيرو ولد حامد، والذي كان قد وجد تضامنا شعبيا غير مسبوق، وقد كنتُ أحد داعميه، كما وجد إشارة خضراء من الرئيس لتنفيذ خطته الإصلاحية دون أي تدخل، ولكن الوزير لم يحسن ترتيب الأولويات للأسف الشديد، فانشغل بالتباعد بين الصيدليات بدلا من قضايا أخرى كانت أكثر أولوية وإلحاحا، فضيع بذلك فرصة ثمينة لإصلاح القطاع. الوزير الثاني المقال، والذي ارتاح الكثير من متابعي الشأن العام لإقالته هو وزير التعليم العالي السابق الدكتور سيدي ولد سالم، والذي كان هو الناطق الرسمي باسم الحكومة، وقد تسبب للحكومة في كثير من المشاكل بسبب نطقه غير الموفق، كما تسبب لها بمشاكل أخرى لا تقل خطورة بسبب نهجه الصدامي مع الطلاب. الغريب في أمر هذا الوزير أنه كان هو الوزير الأقل احتراما للأحكام القضائية (رفض تنفيذ بعض الأحكام الصادرة ضد قطاعه)، وكان في نفس الوقت هو الوزير الأكثر لجوءا إلى القضاء فقد تقدم بشكوى ضد أستاذ جامعي وأخرى ضد مدير مؤسسة صحفية.
عن الداخلين في الحكومة
هناك تعيينات جاءت بأشخاص من القطاع أو لهم صلة بالقطاع، ويمكن الحديث هنا عن الدكتور سيدي ولد الزحاف الذي تم تعيينه وزيرا للصحة، والمهندس الزراعي سيدي محمد ولد سيدي أعلي الذي تم تعيينه وزيرا للزراعة، ونرجو أن يُثبت هذان الوزيران أهمية تعيين أهل الاختصاص في قطاعاتهم، فبعض أهل الاختصاص كان قد خيب آمالنا في تجارب سابقة. كما يمكن القول بأن اختيار السفير المختار ولد داهي لقطاع الثقافة والعلاقات مع البرلمان والنطق باسم الحكومة كان اختيارا مناسبا فالرجل له صلة وطيدة بالثقافة والإعلام وبخصوص النطق باسم الحكومة فمن المتوقع أنه سيكون متحدثا جيدا. أيضا يمكن القول بأن اختيار الوزيرة توت منت خطري مفوضة للأمن الغذائي كان اختيارا مناسبا، فالوزيرة لها تجارب عديدة لاشك أنها ستعينها في مهتمها الجديدة. لكن في مقابل ذلك فإن هناك تعيينات أخرى لا علاقة لأصحابها بالقطاع الذي عينوا فيه، ولعل من أبرز الأمثلة في التعديل الوزاري الأخير هو تعيين آمال منت سيدي ولد الشيخ عبد الله وزيرة للتعليم العالي ..صحيح أن هذا التعيين حمل رسالة سياسية بالغة الأهمية، ولكن كان بالإمكان أن يتم تعيين آمال مفوضة لحقوق الإنسان والعلاقات المجتمع المدني، بدلا من وزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي فمثل ذلك التعيين كان سيكون أقرب لتجربتها في الاتحاد الإفريقي.
عن الوزير الأكثر ترحالا
يتمتع الوزير سيد أحمد ولد محمد بسمعة طيبة في مواقع التواصل الاجتماعي ولدى العديد من المهتمين بالشأن العام، ويرى كثيرون أنه من الوزراء الساعين فعلا للإصلاح، لكن المشكلة أن هذا الوزير لم يمنح الفرصة الكافية لإصلاح أي قطاع، وذلك بسبب ظهور اسمه في كل تعديل وزاري جديد، فقد مر هذا الوزير حتى الآن بثلاثة وزارات في أقل من سنتين.
لا يمكن تحقيق أي إصلاح في ظل عدم استقرار الوزراء وعدم استقرار الهيكلة الوزارية، ولا يمكن أن نتوقع أي إصلاح ما دامت الهيكلة الوزارية تتغير مع كل تعديل قريبا، وما دام الوزراء لا يمنحون فرصة زمنية تمكنهم من إصلاح قطاعاتهم.
الوزير إما أن يكون وزيرا قادرا على الإصلاح ففي هذه الحال يجب أن يمنح المزيد من الوقت لإصلاح قطاعه، وإما أن يكون فاشلا ففي هذه الحالة يجب أن يلفظ بعيدا خارج الحكومة، أما أن يمنح وزارة أخرى ليواصل فيها فشله، فذلك أمر يجب أن يتوقف.
فمثلا إذا كان وزير التنمية الريفية سابقا قد نجح في إدارته لقطاع التنمية الريفية فكان يجب منحه المزيد من الوقت لمواصلة إصلاحه الذي بدأه. أما إذا كان قد فشل فشلا ذريعا في إدارة قطاع التنمية الريفية، ولم يسلم في الوقت نفسه من بعض الشكوك حول تسييره المالي، فبأي منطق يتم تعيينه وزيرا للصيد؟ أليس قطاع الصيد من القطاعات الهامة التي يجب الالتفات إليها بشكل جدي خاصة بعد جائحة كورونا؟ ألا يحتاج هذا القطاع الحساس إلى وزير له سمعة جيدة في مجال التسيير؟
وزراء لا نعرف لماذا تم الاحتفاظ بهم؟
هناك وزراء لم يحققوا إنجازات تذكر في قطاعاتهم ومع ذلك تم الاحتفاظ بهم، ولعل المثال الأبرز هو وزير التهذيب الوطني وإصلاح التعليم، والذي كان قد تم تكليفه بإصلاح قطاع التعليم، أي القطاع الذي إذا لم يتم إصلاحه فلا معنى للحديث عن أي إصلاح آخر.
ربما تكون سمعة الوزير في مجال التسيير جيدة، وربما تكون لديه خطة إصلاحية..ربما يكون كل ذلك صحيحا، ولكن لا أهمية لكل ذلك إذا لم يتمكن الوزير من كسب ثقة الأساتذة والمعلمين، فلا إصلاح يمكن أن يتحقق في قطاع التعليم في ظل هذه الإضرابات الواسعة التي يقودها الأستاذة والمعلمون، والتي تكررت كثيرا خلال السنتين الماضيتين، بل إنها تزامنت مع التعديل الوزاري.
لا رسالة في التعديل لصالح المهتمين بمحاربة الفساد
لقد فتح النظام القائم واحدا من أكبر ملفات الفساد في تاريخ البلاد (ملف العشرية)، ومع ذلك فقد غابت عن التعديل الأخير أية إشارة توحي أن النظام قد فتح مثل ذلك الملف. لقد تم الاحتفاظ على الأقل بوزير سمعته غير جيدة في مجال التسيير، وتم تعيين آخر سمعته غير جيدة في مجال التسيير.
لقد كان من المفترض أن تتناغم التعديلات الوزارية والتعيينات مع الحرب المعلنة على الفساد، ولكن ذلك لم يحصل مع هذا التعديل، ونرجو له أن يحصل مستقبلا مع أي تعديل وزاري قادم.
التعديل الوزاري في نقاط سريعة:
ـ لقد أعطى التعديل الوزاري الأخير إشارات سياسية إيجابية تتناغم تماما مع خطاب إعلان ترشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛
ـ لقد أعطى التعديل الوزاري الأخير إشارات سياسية مطمئنة للأغلبية الداعمة للرئيس، قد لا تكون تلك الإشارات بالحجم الذي كان متوقعا، ولكنها مع ذلك كانت موجودة وواضحة؛
ـ لم يعط التعديل الوزاري الأخير أية إشارة لصالح شعار محاربة الفساد؛
ـ لم يكن هذا التعديل من ناحية الكم والكيف بحجم الآمال التي تولدت لدى الرأي العام الوطني بعد انتقاد رئيس الجمهورية ووزيره الأول للأداء الحكومي.
حفظ الله موريتانيا...