من سَخَف القول وشَطَط الرأي أن يتورط مهتمون من إعلاميين ونشطاء على الفيس بوك في معارك فرعية وحوارات هامشية، من حين لآخر تطالعنا به صفحات التواصل الاجتماعي. ومهما بدت باطلة في المبتدأ والخبر، ومهما فهمنا المهمة من وراء نشرها وتعميمها، فإنها صارت شواغل المتابعين والفضوليين. وهو ما يستدعى التعليق عليها والذي يتمناه الساعون إلى إثارتها ليكسبوا نصيبهم من تداول أسمائهم في حقل الرأي والسياسة، بعد أن عز عليهم تثبيتها في عالم التدافع والكينونة وصناعة الحياة والتأثير في حلبة الصراع، وإرهاصات التأسيس والتشكيل والميلاد والمزاحمة والتحولات العميقة في المجتمع والسلطة. لقد شكلت هذه المقاربات تحديا لافتا ومخاضا عسيرا قبل مراهقة هؤلاء الفكرية وترحالهم السياسي وتطوافهم القاري.
وضعت هذه الأصوات نفسها في موضع لا تحسد عليه، عندما ارتضت تأدية أدوار قذرة في ترديد اتهامات لم تسلم منها القمة، وطالت أغلب أركان حكم فخامة رئيس الجمهورية: محمد ولد الشيخ الغزواني، ومثل رأس الحربة في هذه الدعاية السقيمة والتراشق الممول والمكشوف معالي وزير الدفاع الوطني الفريق: حنن ولد سيدي، وكان للمؤسسة العسكرية نصيبها الوافر من الغمز والتسفيه وتعميق الشقوق. ولوضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بمسمياتها، فإن الفارس الجواد: حنن ولد سيدي خليق أن يحوز هذه الزعامة لأنه من معدن في الرجال غير معدن السواد، لذا سيظل جديرا بالهيبة والإعظام، خليق بأن يحسب له كل حساب، للذي يحوز من العبقرية والفراسة والخبرة.
إن سجل هذه الأصوات عريض في التعاسة قديم في السقوط. وإن أصحاب البصر والبصيرة بغيرتهم وصرامتهم وشكيمتهم لن يقبلو إضرام النار في أهم ثوابت ومقدسات المجتمع الموريتاني و(صمام أمان وحدتهم واعتزازهم)، أقصد: المؤسسة العسكرية. فبعد أن مل هؤلاء من كبيرة (العرب والبربر)، والترويج للشرخ والتفريق والتفتيت، عمدو إلى فِرْيَة(لحراطين والبيظان)، ومرة إلى القبائل والجهات. وكأن الدفع باتجاه خلخلة الوحدة الوطنية بهشاشة المجتمع المعلومة، هو آخر إبداعاتهم وإضافاتهم النضالية. لن تصنعو استرابة ولن تنالوا من العلاقة الحميمة والثقة الطبيعية بين قادة المؤسسة العسكرية، وستنجو بفضل عقيدة منتسبيها وحكمة رموزها من الاستثمار في الضغائن القبلية وحساسية الجهات، وبث الكيد والوقيعة، رغم ما يوضع من الألغام وما يثار من الفتنة. إن رئيس الجمهورية: محمد ولد الشيخ الغزواني يعرف بالبديهة الصائبة والشرعية المستحقة من ينتدب من كبار معاونيه لعظائم الأمور ولأي المواقف يصلحون، وبأي الأعمال يضطلعون.
أما محاولة التقارب وإثبات أن للشيطان دخل في ما كان وما آل إليه الوضع من تصدع وتكدير للعلاقة، فهو هروب من الواقع واستجلاب شفقة متأخر، وابحثوا إن شئتم في نازلة المرجعية وملكية الأحزاب السياسية، وذكرى الاستقلال في اكحوجت وما صحبها، وتطور الأحداث لاحقا. إن المؤسسة العسكرية في نظر عقلاء المجتمع ونخبته أثبت من أن تنال منها الأقاويل المغرضة والحملات المسعورة والمستغربة. لحسن الحظ أن للموريتانيين ذاكرة يميزون بها الخبيث من الطيب، والشحم من الورم بلغة أبي الطيب المتنبي، ويثقون في تجربتهم الديمقراطية التي وضعت حدا لوازع الغرور والوهم، وأخضعت مرضى النفوس لسلطة القانون وواقع الحال بعيدا عن التطاول. أما قصة الحب والكره في الجيش، فإنما يبكى على الحب النساء، ولكن عدل وإنصاف بتعبير: عبد الملك بن مروان. وروافد شخصية الوزير الفريق الأديب الأريب: حنن ولد سيدي، موروثة على ما يضاهى ذلك من الإعداد والتكوين وحنكة الأيام. وتفسير التغييرات العسكرية أبرمه ووقعه قوم عايشوا المختار ولد داداه، وتتلمذوا على: المصطفى ولد محمد السالك، وأديا أمادو مادو، وأحمد ولد عبد الله، والشيخ ولد بيده، وامبارك ولد بونه مختار، وفياه ولد معيوف، ومحمد محمود ولد أحمد لولي، وجدو ولد السالك، واتيام الحاج، وآن مامادو بايالي، وأحمد ولد بوسيف، وأحمد سالم ولد سيدي، ومحمد ولد سيد أحمد لكحل، وان ولد عبد المالك، وأخذوا عنهم أدبيات القوات المسلحة، وواكبوا عن وعي وفهم مسار النشأة وآثار الحرب وصراع الإخوة.
لقد أَطٌَر قادة المؤسسة العسكرية الآن أجيالا من الضباط وضباط الصف والجنود، وأشرفوا على تكوينها في: لعيون وتكانت، وأطار وروصو، والنعمة واكجوجت، قبل أن يضجر أحدهم أن في موريتانيا فئات محاربة وقبائل حكمت لعصور وصنعت أوضاعا سياسية واجتماعية معينة، واستمدت منزلتها من تاريخ أفرادها، وأيامها وأخبارها بلغة ابن خلدون. ونظر الناس إليها تصنيفا وتعريفا بوصفها قمة الهرم الاجتماعي من حيث النفوذ والارستقراطية.
إن موريتانيا لن يجرها ناعق ولا مخنث مطمور لفخ تجنبته قديما بصرف النظر عن طلقاته وصراخه الممول والمفتعل، وقضية أن هناك أزمة إنما هي منعدمة، والتخليط الذي يروج له لا ينطلى على أحد، وسيخمد ولن يحرك ساكنا. والطريف أن قيم الوفاء والعدل والإخلاص لا تقبل المناكفة والتلبيس، مهما خبثت طوية فلان أو علان، وأن أثر الصديق عميق، وأن المرء على دين خليله،
أما الصديق الغبي المعتوه فهو شؤم على نفسه قبل أقرانه. وما فتئ الوزير الفريق: حنن ولد سيدي يُشْعِر الملأ دائما أن روح العمل في الصبر، وأن روح الصبر في العزم. إن نفس الرجل أسمى من المادة الدنيئة، ولن يَكبر عليه شيء ما دام متصلا بالله، متجردا لخدمة بلده بسِمَة الجندية وصراحة القائد العبقري الملهم، وما فتئ مُبْغِضوه عن عمل الخير قالين.