المختار ولد داهى؛سفير سابق.
يسجل العديد من الأجانب الزائرين النابهين لموريتانيا دهشَتَهُمْ بظاهرة اهتمام و انشغال غالبية الموريتانيين بالشأن السياسي و منهم من يعتبر ذلك مؤشر وََعْيٍ و نضج و التزام و منهم من يصنفه دليل بطالة و عَطَالَةٍ و تخلف.!!
والراجحُ أن تزايد أعداد المنشغلين بالشأن السياسي يعود من جهة إلى تنامى الوعي و النضج و واجب الاهتمام بأمور الموريتانيين كما يُنْسَبُ من جهة أخرى إلى تأثير اعتبار الممارسة السياسية خلال الأربعينية الأخيرة “المنفذ-الفَرْضَpassage obligé ” للنفاذ إلى الحقوق و “الَسَّطْوِ”على الامتيازات و “الكَرَامَاتِ”.!!
و القارئ “لخارطة المصادر البشرية السياسية” بموريتانيا الُمُلِمُّ بالسيَّرِ الذاتية لأشخاصها يمكنه تصنيف السياسيين الموريتانيين إلى الطبقات الخمسة التالية:-
أولا-السياسيون مبدأً و احترافا: و هم السياسيون حقا و أغلب جيلهم الأول تَمَرَّنَ بالحركات السياسية السرية و كثير منهم ينتمى إلى خط إيديولوجي معين أُوذِيَّ و ابْتُلِيَّ فى سبيله كما يُنْمَى إلى هذه الفئة أقوامٌ آخرون غير مؤدلَجين لكن شيطان السياسة
“يجرى فى دمائهم”.
و هذا الصنف من السياسيين متواجد فى الموصوفين حاليا بالمعارضة و موجود بالمنعوتين حاليا بالموالاة و يُنسب أيضا لهذا الصنف “أشخاص-مراجع” غير منتمين للفسطاطين انتبذوا مكانا قصيا من الاصطفاف السياسي نظرا لعدم رضاهم عن ما يرونه تمييعاللمشهد السياسي؛
ثانيا-السياسيون اضطرارا و تَقِيَّةً: و يشمل هذا الصنف العديد من المنتمين إلى الحقل الإداري و “المجال الأَعْمَالِيِّ”
الذين يمارسون العمل السياسي اعتقادا منهم أن ذلك يجلب نفعاأو يدفع ضررا أو يحقق الجمع بين جلب النفع و دفع الضرر.
و أغلب منتسبى هذه الطبقة يمارسون السياسة -كُرْهًا لا بطولة- و هم مسؤولون عن استفحال العديد من المسلكيات التى شوهت الممارسة السياسية “كالانتجاع السياسي”و “شراء الذمم أيام المواسم الانتخابية” و “الولاء السياسي على حرف”،و “العلاقة الزبونية المؤقتة مع الناخبين”،…
ثالثا-السياسيون تجارة و طمعا: و هم مجاميع من “السياسيين الجدد”الذين لا يخفون أنهم يمارسون العمل السياسي خصوصا إبان المواسم الانتخابية تعبئة و حشدا و توجيها للناخبين سعيا لربط علاقات بنافذين و أصحاب رأي أو ملاك قرار يسعون من خلالها إلى الحصول على “امتيازات”و “كرامات” “استثمارية”و قد يبذلون فى سبيل ذلك أموالا طائلة.
رابعا-السياسيون فراغا و تسلية:يشاع على نطاق “غير ضيق”أن شيخا موريتانيا أوصى ابنه قائلا “يا بُنَيِّ إذا فشلت فى كل المهن و خذلك الحظ فى كل التجارب و صُدت الأبواب عنك صَدًّا فلا تبتئس فأفزع إلى ممارسة السياسة فإنها تملأ لك الفراغ و تنسيك ذكريات الإخفاقات المريرة”.
و لوصية هذا الشيخ أتباع عديدون كما أنه من الملاحظ لجوء العديد من المتقاعدين و منتسبى العمر الثالث إلى العمل السياسي المحلي تسلية و قتلا للفراغ و إعمارالما بقي من العمر بهذه الدار “غير الباقية”؛
خامسا- السياسيون مكاء و تصدية:تنشط فى موريتانيا طبقة من السياسيين المتخصصين فى “المديح و الهجاء” و التصدية و المُكَاء، حُوَّلٌ قُلَّبٌ، يبدلون جلودهم و مواقفهم و مواقعهم حسب تبدل مراكز القوة و النفوذ .
دَيْدَنُ و دَأْبُ هذه الفئة تمجيدُ و فرعنةُ الأشخاص -حكاما و محكوما بهم-و التَّصْدِيَّةُ لهم باليدين و “القدمين”و لو أن لي من الأمر شيئا لاعتبرت هذا النوع من الممارسة السياسية ضربا من “إذلال الإنسان و إهانته لنفسه بنفسه” و صنفته جريمة لا تتقادم و لسميته “جريمة الانتهاك الذاتي لحقوق الإنسان.
——————————————
*مقالٌ كتبَ منذ سنوات قرأته فأَلْفيتُهُ مازال راهنا صالحا للزمان و المكان.