إن الأخطار التي تواجه التراث الثقافي العالمي لا تقل أهمية عن الإرهاب والجريمة المنظمة والتطرف، لعلها الجملة التي تلخص رواية الكاتب محمد السالك ولد إبراهيم، الصادرة في لندن 2018، عن دار إي-كتب.
رواية أنجيل برنابا، هي رواية خيالية، متخيلة لرحلة في عوالم متعددة، كل عالم يمثل رمزية معينة، في كل واحد من تلك العوالم حياة ونظم مختلفة، مثلا الانتقال من الغرب حيث الاستقرار وتشجيع البحث العلمي، إلى القارة الإفريقية التي ترمز إلى الحياة الفطرية البسيطة والطبيعة البكر، إلى عالم الجريمة المنظمة والإرهاب والتطرف، حيث الخطر الذي يهدد البشرية جمعا، كما تصور لنا أنماطا مختلفة من التدين والطقوس الشعبية والأنظمة السلطوية التي تكره الناس على نسق ديني معين.
تتعدد الرمزية والرموز في الرواية -رمزية الإنجيل – رمزية البحث عن الحقيقة – وتعدد مظانها في الشرق والغرب وفي جبال آدرار حيث الطبيعة بكر وعلى سجيتها. تاريخ الإسلام، العادات والطقوس الاجتماعية (زيارة القبور والتبرك بالصالحين). الحمولة التاريخية لمعنوية الإمام الحضرامي المرادي.
ماهي رمزية هذا الكنز بالنسبة للبلد، هل هي خبراته البشرية المهاجرة، حيث الأرض حبلى بعوامل الطرد، أم هي إشارة إلى الثروات الطبيعية المستباحة من قبل الشركات العابرة للقارات تنهبها، من دون أن تكون لها عائد على الشعب.
ثم كيف تكون البشرية وفية لتاريخها، حيث تستعيد اليوم نفس بذور التعصب والتطرف وكأنها تستحضر حقب تاريخية عاشتها البشرية وسط سفك الدماء لأسباب تافهة إن لم تكن غبية، ثم ما دلالة التعصب العرقي والتطرف الديني، والتهميش والغبن والظلم في عالمنا اليوم.
تثير الرواية الكثير والعديد من الإشكالات وتطرحها للنقاش.
بحث في الانتروبولوجيا حين غاصت في تتبع أصول السكان في هذه الربوع، وهو بحث شائك لإندراس شواهده ومصادره. وكيف كان الدين عنصر توحيد لهذه الشعوب في هذه الأرض، في حين كان عنصر تفرقة واقتتال بين الكثير من الشعوب.
من خلال رواية انجيل برنابا الذي ينتقل من مكان إلى آخر ومن أشخاص إلى أشخاص، تأتي التساؤلات الكثيرة حول الرحلة السرميدية للبشرية التي بدأت منذ وجود الإنسان على أديم الأرض. الرواية رحلة في اللامتناهي لا تأبه بالزمن ولا تعترف بالمكان، فرحلة الدوران تنطلق من نقطة لتعود إليها هي رمزية تعبر عن تلك الرحلة السرمدية الوجودية التي عرفها الإنسان منذ وجوده ومازالت مستمرة دون انقطاع. ثم لم يفت الرواية لفت الانتباه إلى ما اقترفته يد الإنسان من فساد في البر والبحر. تسافر بنا الرواية في عوامل أخرى من الطرافة حيث نلتقي فيها بكل ما كنا نسمع عنه في الروايات والأساطير الشعبية.
الأسئلة التي تطرحها الرواية من دون أجوبة تعكس الحالة التي عليها واقع شعبنا ونمط التفكير عنده وعلاقته بباقي شعوب العالم، ولم يفت الرواية التأسف على ما يكاد يختفي من دور كانت تتطلع به شعوب المنطقة في خلق ترابط بين باقي الشعوب، حيث غاب ذلك الإشعاع الحضاري. حين أستبدل بعقدة التعصب للأنساب المستحدثة والتنكر لبعض الأصول في تناس تام للحقيقة الجينولوجية التي يجمع عليها الدارسون وهي أنه "لا يوجد عرق بشري نقي".
ثم إن الرواية تحاول لفت الانتباه إلى إمكانية وقف حمام الدم المسكوب في العالم لأسباب واهية وغير عقلانية. وذلك حين ترصد أن اللحظة التي يمر بها العالم اليوم، هي نفس اللحظة التي كان يمر بها، حيث نفس الأسباب التي أدت إلى النزاعات، وتوشك أن تعود من جديد بشكل فظيع، والأخطر من ذلك أن أدوات الصراع أكثر فتكا وتدميرا. وهي دعوة للإنسانية للعودة إلى رشدها والبحث عن ما يجمعها لا ما يفرقها.
وفي الختام وبنظرة تفاؤلية، تتنبأ الروية بمستقبل أفضل للعلم شرط أن يعترف بتعدده ويحتضن كل الثقافات ويتسع لكل الحضارات، ويقر بكل إسهاماتها رغم جميع اختلافاتها وتنظر إليها كقيمة إنسانية سامية وخالدة تتعالى في معانيها وكثافة دلالاتها الرمزية عن قيم التعصب والتطرف والرؤية الضيقة.
تأتي رواية انجيل برنابا التي تصور واقعنا حين نجد أنفسنا في عالم يؤثر فنا ولا يكاد يحس بوجودنا، وكيف السبيل إلى فهم الآخر والتعامل مع ثقافات مختلفة من أجل الوصول إلى حالة الاتزان والتصالح مع الذات والتاريخ، صورها لنا الكاتب محمد السالك ولد إبراهيم ولد أحمد بانم، ببساطة وسلاسة وتشويق.
أنصح وأدعو أن تعطى الرواية كل ما تستحق من التقدير والتشجيع، لما لها من دور في نقل الثقافة المحلية إلى العالمية.
د. محمد الأمين ولد إبراهيم
باحث في مجال العلوم السياسية