مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

رسالة من تحت الرماد إلى نُخَب التأزيم المغربية/أحمد محمد الدوه

تقول الأسطورة : "أن اجتماعا جمع استراتيجيين وخبراء من نمور الشرق الصينيين لمناقشة وتقييم أهم  الأسواق التي تستقطب صادرات الصين، وبعد نهاية الإجتماع خرج المؤتمرون بمخرجات تقول: بأن أهم سوق للصين هو إفريقيا وعليه قررت الصين دعم القطاع الصحي والتنمية وتنشيط التكاثر السكاني في القارة السمراء حتى تحافظ على أهم أسواقها، وهكذا عَبَرَت الصين وأصبحت من أهم الأقطاب الإقتصادية على الكرة". انتهى الاستشهاد. 

لم تكن موريتانيا عبر تاريخها من الدول التي يمكن أن تُصَنف كتابع لكيان ما؛ فلا موقعها كبوابة للعالم العربي على إفريقيا؛ ولإفريقيا السمراء على الشمال الإفريقي، ما ولد لديها أكثر من نزعة، ولا تكوينتها السكانية كبدو محاربين بَرتهم الصحراء؛ ونَحتتهم سَمومها، يمكن أن تضعهم في موقع التابع أيا كان ذلك المتبوع أو في أي جهة يقع.

وعبر التاريخ استطاع سكان شنقيط و"تيدرة" أن يتزعموا كيانات خارج محيطهم الجغرافي "بناءً لمراكش وانتصارا في الزلاقة" لكن العكس لم يحصل، وحتى الاستعمار الفرنسي كان يعامل محاربي البدو معاملة الند طوال مقامه الذي لم يُعمّر في موريتانيا، بحكم أن "رنيه كاييه" و" كزافييه" استطاعوا أن يفكوا شفرة النفسية البدوية مبكرا ليستخلصوا أن التحكم في صاحبها كتابع يعد أمرا مستحيلا ؛ وأن المصالح الفرنسية تقتضي وجودا في موريتانيا كي يشكل ربطا بين مستعمراتها في الشمال والجنوب، وبالتالي لابد من مسايسة السكان المحليين والرضوخ لمعاملتهم بشكل استثنائي لأن المصلحة الفرنسية تقتضي ذلك.

وعلى غرار الفرنسيين رضي أكثر ملوك المغرب عزوفا عن الواقعية بحكم الأمر الواقع رغم نزعته التوسعية، حينما اصطدمت رغبته بإيجاد منفذ على إفريقيا السمراء برغبة "البيظان" في إقامة دولتهم على أرض المنارة والرباط؛ ورضخ في آخر حياته بأن يتحكم "البيظان" في منفذه على الأسواق الإفريقية؛ وذلك بحكم معرفته بهم وإدراكه الجيد أن الموريتانيين سيصونون مصالح مملكته حفاظا على العهد وانتصارا لأواصر الأخوة والجيرة مادام يعاملهم بنيدية واحترام، وأن تلك المصالح ستتم حمايتها بنفس الآليات التي تُحمى بها مصالح موريتانيا مادام الود والإحترام قائمين، وأنه في حال ما انعدم ذلك الود والندية؛ فإن تلك المصالح ستصبح في خبر كان.

وبوصف الملك محمد السادس وريثا للعرش العلوي ومتمكنا من ناصية أصول لعبته، فقد حافظ على ذلك المعيار من التعاطي وعززه، حتى وصل لمراحل رائدة، وانعكس ذلك بشكل إيجابي على الشعبين والدولتين الجارتين؛ لكن المؤدلجة قلوبهم وأصحاب الأجندات العابرة للحدود والمراهقات السياسية، طالما قرأوا النصوص دون إدراك لمعناها؛ وقلما أمسك أحدهم بمقود العمل الحكومي في رحلة وسلمت من رعونات الأدلجة المهلكة.

جَهل المؤدلجة قلوبهم أو تناسوا أن الموريتانيين في نظمهم المعيشية التقليدية شعب لاحم تُعد الخضروات بالنسبة مكملا كماليا؛ ويمتلك ثورة حيوانية تغطي احتياجاته واحتياجات بعض جيرانه، وأن بعض الأسواق في المغرب، تعتمد على استيراد المواشي من موريتانيا وليس العكس، وأن عملاق العجائن الفرنسية (grand moulins ) يتنشن مذ عدة عقود على اتفاق يمكنه من تغطية السوق الموريتاني بمشتقات القمح.

عجز مراهقو الفهم أن يدركوا أن حوض نهر السينغال يمكن أن يغطي، جميع احتياجات موريتانيا الغذائية - وسيتم ذلك قريبا بحول الله- خصوصا في ظل المراهقات التي تصدر منهم من حين لآخر.

نسي أصحاب الأجندات العابرة للحدود أن بدائل معبر "الكركرات" لدى موريتانيا أكثر من أن تحصى برا، وبحرا وجوا مع جودة أعلى وأسعار منخفضة؛ لكن هناك من يُعَد هذا المعبر منفذه الوحيد لأن صادراته في أغلبها لا تناسب معايير شمال المتوسط؛ وبالتالي فإن جنوبه هو متنفسها اليتيم؛ وأنه في حال تزاحمت الرعونات عند المعبر فإن إغلاقه من الجانب الموريتاني يعد مسألة إجراء وتوقيع فقط لا غير.

نسي "الإخوة" في المغرب أن لكل شعب نزعته الثقافية والتي يبني عليها تعاطيه مع الأمور؛ وأن علاقات موريتانيا مبنية على المثل الشعبي(نبغي لك بغيك يغير مانكره لك كرهك) وأن موريتانيا التزمت الحياد "الإيجابي" في قضية الصحراء، وأن علاقاتها مع المغرب لايمكن أن تكون على حساب علاقاتها مع أي من الإخوة والعكس صحيح، وأن موريتانيا التزمت هذا المنهج منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي، وأن أي اختلال فيه يستحيل أن يكون من الجانب الموريتاني لأن الأمر يعد أحد ثوابت السياسة الخارجية لديها وليس في خانة المتغيرات.

وممايجب أن يدركه كل "الإخوة" و "الأخوات" أن موريتانيا بلد مستقل منفتح على الجميع؛ بإمكان الكل أن يزوره، وأن يلتقي بأي مسؤول فيه، وأن قراراته نابعة من داخله، لايمكن أن تتأثر بأي ضغوط، وأن الدول لا تدار بعقلية "تعدد الزوجات" إن تحسنت علاقتك بإحداهن ظنت الأخرى أن الأمر سيكون على حسابها.

 

إعلامي موريتاني

أحد, 04/04/2021 - 15:23