إن الإرهاب ظاهرة تاريخية ضاربة الجذور في الزمن، وقد عرفتها المجتمعات البشرية عامة، وإذا كانت هذه الظاهرة في تزايد مطرد بفعل عوامل مختلفة، إلا أنها لم تأخذ منحى واحدا بل شهدت مدا وجزرا في حجمها ونوعها ومضمونها فلم يعرف الإرهاب مفهوما ودلالة واحدة، كما لم تنظر إليه من زاوية واحدة بسبب ما تحكم فيه من شحنات قيمية تارة وأيديولوجية أخرى وسياسية ثالثة، الشيء الذي لا ينفصل عن أسبابه وتأثيراته المختلفة.
وعموما استخدم الإرهاب كمفهوم للدلالة على شكل من أشكال الصراع الذي يعتبر العنف أحد مظاهره للتعبير عنه، والإرهاب يعد من أكثر المفاهيم التي سوقت وبشكل واسع، وأصبح بحد ذاته جزءا من الصراع وكل طرف من أطرافه يتهم خصمه بهذه التهمة –الإرهاب-، بما اكسب المفهوم غموضا وزاد في ضبابيته، فتعددت تعريفاته وتنوعت ويكفي أن نشير إلى أن إحدى الدراسات قد تضمنت 108 تعريفات لهذا المصطلح. أما الإرهابيون فقد تناول الباحثون ما يتراوح من 370-550 منظمة إرهابية تمارس أعمالها اليوم في أكثر من 60 دولة منتشرة في القارات الخمس.
ورغم ذلك ومحاولة لتقريب الصورة، نورد بعض التعريفات التي نرى أنها اشتركت في عناصر أساسية تلامس ماهية الظاهرة وجوهرها حيث يرى البعض أن الإرهاب عملية مركبة تتألف من ثلاث عناصر هي:
-فعل العنف أو التهديد باستخدامه.
-ردة الفعل العاطفية الناجمة عن أقصى درجات الخوف الذي أصاب الضحايا أو الضحايا المحتملين.
-التأثيرات التي تصيب المجتمع بسبب العنف أو التهديد باستخدامه أو نتائج الخوف.
ويرى بعض آخر أن الإرهاب هو الاستخدام التكتيكي للعنف، في سبيل خلق جو عام من الخوف والذعر لدى القسم الأكبر من الشعب. في حين يذهب قسم ثالث إلى اعتبار الإرهاب استخدام أو تهديد باستخدام القلق الناجم عن العنف غير الاعتيادي لمآرب سياسية، بقصد التأكيد على مواقف وسلوك مجموعة استهدفها العمل أكثر من استهداف الضحية مباشرة.
وهناك من يرى أن تتبع التعاريف المختلفة للإرهاب يفضي إلى استخلاص خصائص ثلاثة للإرهاب هي:
-استخدام العنف أو التهديدية
-إيجاد هجمات منظمة ومرتبة
-محاولة تحقيق أهداف سياسية
ومحاولات التعريف هذا لم تتجاوز في عمومها تلك المحددات التي حاول القانون الدولي إبرازها لتفصل بين قضيتي الشرعية والمشروعية في استخدام العنف مما سهل وقتها التقابل بين المقاومة والإرهاب خاصة في ضوء ما عرفته الاتفاقيات والمواثيق الدولية من تأكيد على حق تقرير المصير وحق المقاومة. ومما لاشك فيه أن ذلك كان في نسق للعلاقات الدولية مغاير لما هو معروف الآن وتحديدا بعد أحداث سبتمر 2001 . التي كان لها أثر فعال على قضية الإرهاب بتأثير الولايات المتحدة التي انطلقت في تعريفها الخاص للإرهاب على اعتباره "الاستخدام المدروس للعنف أو التهديد به لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو ذات طبيعة أيديولوجية من خلال التخويف أو الإكراه أو إثارة الذعر". وهو تعريف يبدو أن الأمم المتحدة تبنته دون أن تعلن ذلك صراحة في مواثيقها، إلا أن مقتنياته تبدو جلية في القرار 1373 الصادر في 28 سبتمبر 2001 الذي أدان الإرهاب وتجاهل الأسباب الحقيقية له، كما لم يعط أي أهمية لحق تقرير المصير وحق المقاومة في الوقت الذي لم يعط تعريفا لمفهوم الإرهاب الدولي ولا لمفهوم الإرهاب بشكل عام، كما لم يحدد مواصفات له.
وقد كانت لهذا القرار فاعلية خطيرة تجاوزت جميع ما كان قد اتخذ من قرارات دولية وما وقع من معاهدات بشأن الإرهاب.
وعلى ما تقدم ومن خلال ما ورد من تعريفات لدى الكتاب والمنظمات الإقليمية والدولية، يمكن أن نعرف الإرهاب على أنه "الاستخدام المنظم لإثارة الذعر باعتباره وسيلة من وسائل الإكراه، والاستخدام المرتب لوسائل الخوف أو العنف المفاجئ ضد الحكومات والأماكن العامة أو الأفراد لتحقيق أهداف سياسية".
ومهما يكن فإن أي تعريف للإرهاب، لا يمكن أن ينفصل عن أسبابه ودوافعه التي تتداخل بدورها مع تأثيراته وعواقبه، وهذه الأسباب نفسها تفعل فعلها في تحديد تمايزات وتجليات مختلفة للإرهاب، تجعله يصنف في ضوئها، حيث تبدو له أوجه متعددة منها ما تقوم به الأنظمة السياسية.
كما حدث في ألمانيا النازية، وما قام به نظام بول نوت في كمبوديا، ومنها ما تقوم به منظمات شعبية كما حدث في الولايات المتحدة إبان الحرب الأهلية، ومنها الإرهاب الأيديولوجي الذي مارسه العدميون والفوضويون في فرنسا وإيطاليا وغيرها في القرن التاسع عشر والخ.
وأسباب الإرهاب مفضية إلى تلمس تأثيراته، على الصعد كافة بما فيها الدولة والمجتمع، إذ تتمثل الأسباب السياسية في الهيمنة على الآخر والتميز العنصري، والتدخل في شؤون الآخرين، واستخدام القوة من الدول الأضعف. ويشمل الأسباب الاقتصادية غياب التوازن في النظام الاقتصادي، استغلال الدول الأجنبية لثروات الدول النامية، وفرض نظم وقوانين لا تخدم مصالح الأضعف، أما الأسباب الاجتماعية فتتضمن انتهاك حقوق الإنسان، والحرمان والجوع.... الخ.
إن تأثير هذه الأسباب والعوامل، لا يتوقف عند الدفع بالظاهرة إلى السطح، بل يترتب نتائج وعواقب ترسم هي ملامحها وعادة تتشابه، وتتماثل معها سواء على صعيد المجتمع أو الدولة...ومن أبرز تلك المخلفات ما هو نفسي، حيث يخلف الإرهاب حالة من الذعر والخوف لدى عامة الناس، ومنها ما هو اقتصادي، فتتمثل في الأضرار التي تلحق بالاقتصاد ونظمه، ومنها ما هو سياسي وأبرز تجلياته عدم الاستقرار، ومنها ما هو اجتماعي لما يحدثه الإرهاب من نتائج خطيرة على المجتمع كالبطالة والفقر.
وعن الحديث عن تأثيرات الإرهاب على الدولة والمجتمع، ومثلما أشرنا سابقا لابد نستحضر القرار 1373، الذي تجلت فاعليته في قوته إلتزامية التي يلقى بها على جميع الدول تبعات تنفيذه، فقد كان له أثر مباشر على الدول من خلال الحد من سيادتها، لأن مقتضيات هذا القرار وتنفيذ يجعل إمكانية التدخل لفرض العقوبات على الأشخاص، كتجميد الأرصدة والحد من حرياتهم خاصة حرية التنقل، وإلزام الدول تقديم تقارير عن الإجراءات المتخذة لتنفيذ هذا القرار، كلها مؤشرات ونتائج تترتب عن مسألة الإرهاب والحرب عليه.
ولا تقتصر تجليات تأثير الإرهاب على الدولة، على ما تقدم بل تتعدى ذلك إلى تبرير تقليص المكتسبات على صعيد الحريات العامة ليس فقط في دول العالم الثالث، وإنما حتى في الدول المتقدمة، ولعل الكل يتذكر قرار إنشاء وزارة للداخلية في الولايات المتحدة، والسماح للمخابرات بالتصنت على المكالمات الهاتفية وغيرها.
مما يعني حدوث ردة وعودة إلى الدولة البوليسية.
ومن تأثيرات الإرهاب إضعاف الكيانات السياسية والاجتماعية الهشة أصلا وتعريفها لخطر التفكك بالحرب الأهلية. ولقد تنوعت أساليب وممارسات الإرهاب الذي أصبح أداة وأسلوبا سريا وعلنيا، منظما وعفويا، عنف السلطات أو عنف الجماعات المعارضة، وتجلي ذلك في استهداف مواقع سياحية واغتيال شخصيات سياسية وفكرية ودينية عامة، أو رجال أمن وشرطة، وذلك بهدف شل النشاط الاقتصادي وخلق حالة من الفلتات الأمني، كما تحدث مواجهات مسلحة بين أجهزة الأمن والجماعات المسلحة يسقط خلالها قتلى من الطرفين... الخ.
مداخلة للمرحوم الدكتور محمد ولد أحمد بمب في ندوة نظمها منتدى ابن خلدون للثقافة والحوار وللإعلام والتنمية تحت عنوان "العنف... إشكالية المفاهيم ومقاربات التصدي"