مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

مستشفى الشيخ + / محمدُّ سالم ابن جدُّ

يحكى أن أهل بيت من أقاربي أوتوا بسطة في القول (وفي العلم والجسم) كان لهم عامل لا يعجبهم أداؤه، ومن سوء حظه أن كان اسمه "الزايد" فقال صاحب البيت إنه لا يدري ما الذي يزيده "الزايد"! فقال أحد بنيه إنه زائد أحس، وقال آخر إنه زائد العيال، وقال آخر إنه زائد الهم، وقال آخر إنه ليس زائدا للمسلمين على كل حال.

تذكرت هؤلاء فترحمت على من مضى منهم ودعوت للباقي الوحيد بالحفظ حين قضيت ثلاثة أيام وثلاث ليال حسوما في المستشفى المنسوب إلى الشيخ زائد (رحمه الله) والذي بدأ بفضيحة منعت الإخوة الإماراتيين من تسلمه والإنفاق عليه كما كان مزمعا حين طلبوا إنشاء مستشفى حقيقي بمقاييس محددة وبذلوا أموالهم في ذلك بسخاء، فأنشأت السلطات الموريتانية "مستشفى" في الجيوب والمصارف وشيدت على الأرض ما لم يرضه الإماراتيون إسطبلا لخيولهم! ومن أراد تقدير خسارة الشعب الموريتاني يكفي أن يعلم أن الطائرات تهبط في مستشفى الشيخ زائد بالمغرب!
ولد المستشفى إذن فضيحة، وعاش على ذلك وابتلي بالشيخوخة المبكرة بسببه ويموت على ما عاش عليه. ورغم أن قياس المجهول على نظيره المعلوم أصل منطقي أصيل فسأقتصر على نماذج مما عايشته في قسم واحد فقط دون التطرق إلى غيره حتى إشعار آخر:
1. هرج ومرج وتجمهر من أناس مختلفين (رجال ونساء) خلته في البداية شجارا ثم تبين أنه على امرأة ضربها الطلق أمام قسم القبالة (يسمى هناك قسم أمراض النساء والتوليد!) ورجل يصيح: خرج رأسه! (يعني الجنين) ومصاحبو المرأة يحاولون صرف الفضوليين عنهم دون أن يفلحوا في ذلك، ولم يتدخل الحراس ولا القوابل ولا الممرضون إلا بعد لأي، لأن الوضع خارج القسم "لا يعنيهم"! وكأنهم اكتفوا بنصيبهم من "الوضع". بل كان بعضهم بين المتفرجين كما سمعت (لم أنظر إلى المشهد بعد جلاء حقيقته).
2. امرأة أمرت بالصوم (الطبي) ابتداء من منتصف الليل كما جرت به العادة، استعدادا لعملية جراحية لم تجر إلا مساء اليوم التالي (أخرجت من غرفة العمليات في حدود الساعة 18!) فكان عليها بذلك أن تتجرع معاناة مع معاناتها الأولى.
3. رجل يمنع من المبيت داخل القسم مع زوجه المحجوزة لأنه رجل! مع أن بين العاملين ومرافقي المرضى رجال. "على كل حال كل شيء له سبب" فربما لم يأت الرجل القلوب من أبوابها.
4. مجموعة مرضى بحاجة إلى أكياس دم، ولأن الأمر جِدٌّ طلب من مرافقيهن الاستعداد على جناح السرعة للتوجه إلى "بنك الدم" في سيارة إسعاف (وكنت أحدهم) وبعد انتظار طويل أبلغوا في الظهيرة بأن سيارة الإسعاف غير جاهزة (أو غير موجودة) وأن عليهم القيام بالمهمة بجهودهم الخاصة، فلم يكن أمامهم سوى التنقل بالطرق المتاحة في مهمة طالت قبل البدء وطالت أثناء التنفيذ. وفي "بنك الدم" كانت قصص أخرى.
لو طرح مستشفى الشيخ زائد على من ذكرتهم لتشعبت بهم الزيادات بين الإهمال والفساد والأوساخ والأمراض والنفقات.. إلخ، ..إلخ. وإن لم يعترضوا على كونه مستشفى؛ فالبنية هنا تدل على طلب ما صيغت منه (طلب الشفاء) وكثيرا ما يطلب المرء ما لا يناله، والغريق يتعلق بما وصلت إليه يده.
عند باب القسم ذاته (قسم "الوضع") وضعت قطة جراءها دون الحاجة إلى قابلة ولا ممرض ولا طبيب ولا علاج من أي نوع، ودون حضور زوج ولا أم ولا أخت ولا خالة ولا غيرهن. لم ترْشُ أحدا ولم تدفع ثمنا لشيء، ومع ذلك ترضع جراءها {آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان} ولولا رحمة الله التي وسعت كل شيء لما كانت معاناة بنات حواء شيئا يذكر بالمقارنة مع ما تعانيه القطة المنعّمة.
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجى ** هلكن إذن من جهلهن البهائم!

جمعة, 13/11/2015 - 15:01