يكلف الدكتور إبراهيم ولد الشيخ سيديا نفسه تنبيه المدونين إلى أخطائهم اللغوية، لا يحتمل الدكتور الذي يعمل أستاذا جامعيا وباحثا في الإمارات العربية أن يرى خطأ إملائيا أو نحويا أو صياغة صرفية غير أصيلة، وهو أكثر انزعاجا إذا سمع الأمر من متحدث رسمي أو غير رسمي.
ترقى الدكتور إبراهيم في سلالم أكاديمية ووظيفية متعددة، حين بدأ رحلته مع اللغة العربية طالبا في المدرسة وفي بيت أسرته التي ينتمي إليها عدد من كبار العلماء والشعراء واللغويين.
على السريع يتحدث الدكتور إبراهيم ولد الشيخ سيديا لموقع ريم آفريك عن تجربته مع التدقيق اللغوي، ودوافعه إلى التصحيح الدائم عبر الفيسبوك لما يكتب المدونون، وما تنشره المواقع.
نص المقابلة
- متى بدأتم رحلة التدقيق اللغوي المباشر وما الدافع إليه؟
- الدكتور ابراهيم الشيخ سيديا: رحلتي مع التدقيق اللغوي رحلة طويلة، غير أن مباشرتي له عبر الفيسبوك كانت من محطة القطار في مدينة فاس المغربية وقد وصلتها قادما من الرباط، إذ في أثناء انتظار وصول أستاذي الفاضل الدكتور عبدالله الغواسلي المراكشي الذي أصرّ على أن يقلني من المحطة إلى بيته العامر، وجدتُ منشورا لأحد شباب أسرتنا ينعي فيه أحد أبناء مدينتنا، فهالني ما فيه من أخطاء، فكتبتُ منبها له ومرشدا إلى الصواب؛ فكانت تلك البداية الفعلية.
أما البدايات الأولى فتعود إلى بواكير عملي معلما في مدينة كيفة، فقد كنتُ مواظبا على المرور في طريق عودتي مساء من المدرسة رقم (5) في كيفة بمقر الحزب الذي أصبح الآن يسمى حزب التكتل، وكان منسقه الجهوي حينها هو الدكتور خليلو ولد الدّدّة، وهو وقتها أستاذ للتاريخ في ثانوية كيفة، فكنا نقضي معا في مقر الحزب الفترة التي تسبق حلول الليل ليعود كل منا إلى أموره الخاصة، وذات مساء كنا نحضّر لمهرجان سياسي فتطوّعت بكتابة بعض الملصقات التي كان زملائي يُعدونها للتنويه بموعد المهرجان ومكانه، وقد تضمنت صيغة الملصق (وذلك في الساحة الواقعة قبالة ...) فأثبتُّ ألف (ذلك) في عدد من تلك الملصقات قبل أن يدخل أحد الزملاء المعلمين فيعلّق قائلا: من هذا الحمار الذي أثبتَ ألف (ذلك)، فأحرج ذلك التعليق زميلين هما من كان معي حينها فلم يجيباه، فما كان أمامي من بد سوى الاعتراف، فاعتذر المعلق بأنه كان يظنها كتابة أحد التلاميذ الذين كانوا يستعينون بهم في بعض الأحيان، وتجاوزنا الأمر سريعا غير أنه كان بداية لإيلائي اللغة العربية عناية خاصة كنتُ لفرط جهلي أظن أني في غنى عنها.
وهكذا كان ذلك التعليق من ذلك الزميل الفاضل شرارة أشعلت جذوة العناية بهذه اللغة الجليلة، فجزاه الله عني كل خير.
- هل من خيط ناظم لأغلب الأخطاء السائدة لدى المدونين والمتحدثين وماهي أبرز مجالات هذه الاخطاء؟
- إبراهيم ولد الشيخ سيديا: الخيط الناظم لأغلب الأخطاء التي ألقاها في منشورات الفيسبوك هو جهل اللغة العربية، وأعني به ما يقع من خلط لدى أغلبنا نحن الموريتانيين بين الحسّانية والعربية الفصيحة، وما قاد إليه ذلك من جهل مركّب جعل منا من يظن أن تحصيل اللغة العربية لا يستدعي بذل جهد في سبيل تعلمها، إذ هي أمر وراثي وتحصيل حاصل. وقد أدى ذلك إلى ضعف شديد في مستويات المدرسين، وأقصد بذلك المعلمين والأساتذة، ولعلّ أبرز مثال على ذلك هو ما ذكرتُ آنفًا من كوني قد أصبحت معلما مؤتمنا على تعليم الأجيال التي سيقوم عليها عماد هذا الوطن وأنا لا أعلم أن ألف (ذلك) محذوف، وهذا الأمر يذكرني أيضا بأحد أساتذة اللغة العربية شرح لنا في الصف الثالث الإعدادي أن (الأماعز) هي المعز البلدي الذي نراه في ساحة ثانوية بوتلميت!
ولعلّ علاج هذا الضعف يستدعي التدقيق والتمحيص في مستويات المدرسين، حتى لا يتسرب إلى التعليم من ليس مؤهلا له.
- ينزعج بعض الناس من التدقيق اللغوي ويرونه تركيزا على شكليات لغوية ما رأيكم؟
- الدكتور إبراهيم ولد الشيخ سيديا: في ما يتعلق بالرد على من ينزعجون من التدقيق اللغوي معتبرين إياه مسألة شكلية، فهم لا يدركون حقيقة الهدف من اللغة أيًّا كانت، ذلك أن كون اللغات وجدت للتواصل يجعل أمرها بالغ الأهمية، إذ كيف يُتوصّل إلى هدف من دون الأخذ بالوسائل الموصلة إليه، فاللغة هي الوسيلة التي توصل إلى الهدف المنشود من الكتابة أو التحدث، فإذا كانت قاصرة قعدت بمستخدمها دون الوصول إلى هدفه التواصلي.
وقد لقيتُ منذ بدأت تصحيح منشورات الفيسبوك ردود فعل غاضبة من لدن بعض الذين صححت منشوراتهم، على الرغم من كوني أتجنب تحديد اسم كاتب المنشور عادة، لكني مقابل ذلك وجدت من سرّه التصحيح وتقبله بصدر رحب؛ وما ذلك إلا لكونه يدرك أنه المستفيد الأول من هذا التصحيح.
وقد اقترح علي بعض المشفقين مما رأوا من ردود فعل عنيفة على تصحيحاتي أن يكون التنبيه عبر الرسائل الخاصة، غير أني لم أستسغ ذلك النهج لكوني أسعى إلى هدف أسمى يُشيع ثقافة لغوية عامة، وهو هدف يهون دونه ما أقابل به شخصيا من ردود غير ودية، وإن كان أغلب أصحاب هذه الردود يصبحون مع مرور الوقت أكثر تقبلا للأمر، حتى إن منهم من أصبح الآن من أخص خواص أصدقائي، بل إن بعضهم أضفى على علاقته بي صفة التلمذة، غفر الله لنا وله.
- هل من طرائف واجهتموها في مسيرتكم مع التدقيق اللغوي؟
- الدكتور إبراهيم ولد الشيخ سيديا: أما أبرز ما لاقيتُ في هذا المجال من طرائف فهو وقوعي في الخطإ الذي أحذّر منه غيري، فقد وجدتني قبل أيام قلائل رافعا المثنى الواقع مفعولا به!
وهذا ما يؤكد ضرورة مراجعة ما يُكتب قبل الإقدام على نشره؛ فكم من خطإ يُتنبه إليه خلال النظرة الثانية أو الثالثة.
وهنا أيضا أذكر بضرورة العناية بالجانب التطبيقي، فكم من متقن للقواعد النظرية يستبين عجزه عند تطبيقها، أو تلتبس عليه التفاصيل كما هو الحال في ضوابط التاء المربوطة، فبعض العالمين بقواعد كتابتها يبسطها تلقائيا حين يجدها مسبوقة بالألف؛ ظنا منه أنها تاء جمع المؤنث السالم. فمثل هؤلاء ليسوا جاهلين قواعد الإملاء وإنما أُتُوا من كونهم لم يتريثوا لينزلوا الكلمة منزلتها.
وختاما، أجدد لكم شكري وتقديري لهذه اللفتة الكريمة التي أتحتم لي من خلالها مخاطبة قراء موقعكم الرائد في عنايته باللغة، ولا غروَ فالشيء من مأتاه لا يستغرَب.
وأغتنم هذه السانحة لأعتذر من خلالكم إلى كل من قد يكون أساء فهم هدفي من هذا العمل الذي أسأل الله أن يتقبله مني خدمة للغة كتابه العزيز.