يعقوب ولد السيف
قرار المجلس الدستوري رقم 2020/003 بخصوص مطابقة مقترح القانون النظامي المصادق عليه من طرف الجمعية الوطنية بتاريخ 27 يوليو 2020 الذي يعدل ويكمل القانون النظامي 2008/ 021 الصادر بتاريخ 30 إبريل 2008 المتعلق بمحكمة العدل السامية، للدستور:
- تمت مداولته بتاريخ 12-08-2020
-وهو لما ينشر بعد بالجريدة الرسمية رغم صدور ستة أعداد منها منذ تاريخ تلك المداولة!
- توصلت الوكالة الموريتانية للأنباء بنسخة من "مقرر" يوم الخميس الخامس من نوفمبر 2020 تتضمن تأكيد المجلس لمطابقة مقترح القانون النظامي للدستور، وقامت الوكالة بنشر نص القرار، وليس مجرد خبر عنه على تمام الساعة 19:58:12!
- على اعتبار تاريخ قرار المجلس بالمطابقة يفترض أن يكون رئيس الجمهورية قد أصدر القانون وتم نشره فى أحد أعداد الجريدة الرسمية التى صدرت فى 15 و30 أغشت أو 15 و30 سبتمبر أو 15 و30 أكتوبر!
- عدم إصدار القانون فى الآجال المحددة يسمح بإثارة تقاعس أو امتناع رئيس الجمهورية عن القيام بمسؤولياته الدستورية؛ ما يبرر اتهامه بالخيانة العظمى خصوصا مع تعلق الأمر بامتناع معطل لإقامة مؤسسة دستورية:
حدد الدستور ثمانية أيام على الأقل وثلاثين يوما على الأكثر لقيام رئيس الجمهورية بإصدار القوانين العادية (المادة 70 /دستور) مفسحا بتلك الآجال صراحة: لتمكين الرئيس من طلب قراءة ثانية للنص. وضمنا: لإتاحة الفرصة لمباشرة ثلث النواب لمسطرة الإحالة الاختيارية (المادة 86).
ولأن مبرر منح رئيس الجمهورية أجلا لإصدار القوانين العادية غائب حال القوانين النظامية لإلزامية تقديمها للمجلس الدستوري، فإن التراخي بين قرار إعلان مطابقتها وإصدارها يغدو غير وارد. مع أنه فى حالة مقترح القانون النظامي المتعلق بمحكمة العدل السامية مضى على اعتماد قرار المطابقة ثلاثة أشهر حتى حينه، ما يتجاوز كل أجل إصدار نص عليه الدستور، ولا زال الانتظار سيد الموقف بالنسبة لإصداره!
- تأخير المجلس الدستوري لإذاعة قرار المطابقة ينقل وجهة المسؤولية لجهة غير رئيس الجمهورية:
قد تكون المجلس الدستوري نفسه: إذا كان قد رأى فى الاختلاف بين النص العربي والفرنسي ل (المادة 32) من مقترح القانون سببا لتعليق الإصدار لحين رفع سبب تحفظ المجلس، ثم قبل بنسخة تفي بذلك، لكن تعديلها لم يقم به نواب الجمعية الوطنية وبالضرورة جاء خارج مسطرة الإحالة الرسمية التى هى شرط قبول التعهد، فيكون قبول المجلس بتعديل من ذلك القبيل تخل عن مسؤولياته فى رقابة الدستورية، بل وبمثابة تمالئ مع جهة سواء كانت حكومية أو برلمانية غير ذات صفة على الدستور والقوانين بما فيها القوانين الخاصة به.
- المسؤولية متعلقة احتمالا إما:
بالسلطة التنفيذية: برئيس الجمهورية حال تعلق الأمر بالامتناع عن الإصدار، أو بالحكومة إذا كانت صححت بمبادرة منها الخلل الحاصل بين نسختي النص؛
وإما بالسلطة التشريعية: إذا كانت جهة إدارية فى البرلمان من أزال التباين بين النصين دون الرجوع للنواب، أو بسائر النواب حال التزامهم السكوت على اعتماد نسخة غير التى تمت المصادقة عليها وإرسالها للمجلس الدستوري عند طلب فحص المطابقة؛
المسؤولية متعلقة قطعيا بالمجلس الدستوري؛ فهذا التجاوز فى المساطر والاختصاص لا يتم دون مباركته!
الخشية حقيقة أن يكون الأمر تم بعلم الجميع وصمت الجميع أو موافقته
- المجلس الدستوري أضعف الأطراف موقفا؛ والدليل صيغة نشر القرار وتاريخ نشره، والأهم من ذلك ما شاب محتواه من خلل:
-دستور 20 يوليو الذي وصفه القرار بالمراجع هو دستور معاد العمل به حتى إذا ثبت عمد إلى تعديله؛ حيث نصت المادة الأولى من القانون الدستوري رقم 2006 -014 الصادر بتاريخ 12 يوليو 2006 على:" يعاد العمل بدستور 20 يوليو 1991 بصفته دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية ..."
-استخدم القرار في تأسيساته مواد من الدستور (67-92) التى عرفت التعديل، بل وكان تعديلها سبب وجود مقترح القانون المعروض على المجلس، ودون استخدام وصفها ب "الجديدة"
-لأن البرلمان أحال القانون النظامي 2008-021 كاملا و ليس فقط المواد التى طالها التعديل أو تمت إضافتها ، فقد تعامل القرار مع مقترح القانون المعروض للمطابقة وكأنه تأسيسي مع أنه مجرد تعديل ؛ يفترض أن ينصب الاستعراض فيه على ما طرأ من تعديل لا ما كان المجلس نفسه قد أقر مطابقته فى القانون المعدل : ( "حيث أن المشرع احترم نص المادة 92 من الدستور وذلك بإقراره مبدأ الفصل بين مختلف أجهزة المحكمة، مع احترامه لضمانات وحقوق الدفاع"
– "حيث أن مشروع القانون النظامي أحال إلى تطبيق قانون الإجراءات الجنائية أمام محكمة العدل السامية وخصوصا فيما يتعلق بضمانات الدفاع"
– "حيث أن مضمون المقترح محل الدراسة يفي بمتطلبات المحاكمة العادلة ولا يشوبه ما يخالف الدستور")
إن ذلك المذهب هو الذي دفع لعدم تعرض القرار لكل مقتضى من مقتضيات مقترح تعديل وتكميل القانون النظامي على حدة لتقرير دستوريته من عدمها، والتمترس خلف تأسيسات عامة قد تكون مهمة لتقرير دستوريه أي نص مماثل لا هذا النص بعينه.
قرار المجلس الدستوري رقم 2020-003 يليق به وصف "الخارج على القانون" زمانا ومكانا ومقتضيات، وإرهاصات تأسيس محكمة العدل السامية لا تبشر بقرب ميلاد طال انتظاره لدولة القانون.