مقال للكاتب موسى ولد أبنو
في الوقت الذي يتطاول فيه على نبي الإسلام رُؤَيّس، ارْويئيس حقير وغبي مثل ماكرون، لابد من التذكير بموقف نابليون. كان نابليون بونابرت يؤكد دائماً أنه في حماية النبي، وكان يعتز به وكان يقول: «لا ينتصر الفرنسيون ... إن لم يكن رئيسهم - بخاصة - في حماية الرسول». مذكرات نابليون.
كان نابليون بونابرت يعرف باسم الإمبراطور نابليون الأول. كان قائدا عسكريا وسياسيا وإمبراطور الفرنسيين في أوائل القرن التاسع عشر. نابليون يعتبر من أشهر وأذكى القادة العسكريين في التاريخ ومن أذكى السياسيين في عصره. خططه في الحرب طورت وغيرت الحروب في العالم وخططه العسكرية تعرف باسم "خطط نابليون". وهو الذي سن القانون المدني الفرنسي الذي يعرف باسم قانون نابليون والذي أخذت منه دول العالم قوانينها. ولحد الآن ما زالت نصوصه تشكل مصدر القوانين في فرنسا وكثير من الدول. عرف نابليون باهتمامه بقراءة تاريخ العرب وسيرة حياة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم. لكن، نادرًا ما يسهب المؤرخون في هذا الجانب من شخصية أيقونة الأمة الفرنسية هذه. لأي سبب؟
قضى نابليون فترة من مراهقته في قراءة القرآن، وكتب رواية عندما بلغ سن العشرين مستوحاة من شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعنوان قناع النبي، تحدث فيها عن قدر رجل متدين يدعو إلى النهوض بالشعوب. يقول المؤرخ الفرنسي فرانسوا شارل-رو، في دراسة بعنوان "السياسية الإسلامية لبونابرت" نشرتها مجلة "الدراسات النابليونية" العدد 24 بتاريخ 1925: إن «محمدا يثير إعجابه كمؤسس ديني وقائد ومشرّع. فسيرة ومذهب النبي كانا قد أثارا اهتمامه منذ زمن بعيد، وحتى قبل أن يعرف أن قدره سيقوده إلى مصر، بدأ يدرس تاريخ العرب، وقرأ القرآن وكان يحتفظ بنسخة منه في مكتبه أيام الحملة. استحوذ الإسلام على خياله من قبل أيام الحملة على مصر، وازداد اهتمامه به أثناءها وبعدها. وعاد بذاكرته أثناء اعتقاله إلى الدين الإسلامي، ومن بين الأحاديث التي أملاها في سانت هيلينا (منفاه)، توجد بضع صفحات هي الأكثر موضوعية وتعاطفا بين كل ما كُتب عن الإسلام في أي من لغات الغرب. لقد أشار نابليون بونابرت في أكثر من موضع إلى احترامه لله ونبي الإسلام والقرآن، كما أعلن انضمامه إلى الإسلام.»
الحملة الفرنسية على مصر
كان نابليون بونابرت على اتصال حقيقي بالإسلام لأول مرة عام 1798، خلال الحملة المصرية (1798-1801). عند وصوله، تأثر بثقافة البلد وخاصة التقاليد الإسلامية والصلاة والتعاليم القرآنية. وفي رسالة بتاريخ 28 أغسطس 1798، قال للشيخ المسيري: "أبلغني الجنرال كليبر بسلوكك وأنا راضٍ عنه. (...) آمل ألا تتأخر اللحظة عندما أكون قادرًا على جمع كل رجال البلد الحكماء والمثقفين، وإقامة نظام موحد، قائم على مبادئ القرآن، وهي الحقيقية التي وحدها يمكن أن تجعل البشر سعداء.» (رسالة إلى الشيخ المسيري، مراسلات نابليون بونابرت، 1861، الجزء 4، ص 420).
خلال الحملة الفرنسية على مصر تبلور موقف نابليون من الإسلام. أصدر بيانه الأول للجيش على متن سفينة القيادة "لوريان" (الشرق)، يلخص فيه دوافعه كما يلي، نقلا عن النص الوارد في مذكرات مواريه. «اعلموا أن الشعوب التي نحن بصدد العيش معها هي شعوب محمدية، وأول أسس إيمانهم هي شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لا تعارضوهم وعاملوهم مثلما عاملتم اليهود والإيطاليين، وراعوا مفتييّ ديارهم وأئمتهم كما راعيتم الأحبار والرهبان، وانظروا إلى احتفالياتهم وطقوسهم التي شرعها القرآن، وإلى مساجدهم، بنفس عين التسامح التي أوليتموها للأديرة والمعابد اليهودية ولدين موسى ويسوع المسيح.» وعندما نزل بجنوده إلى الأسكندرية، أصدر منشورا بدأ بهذه العبارات: «بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه... قد قيل لكم، إنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم، فذلك كذب صريح، فلا تصدقوه، وقولوا للمفترين إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين، وأعبد الله سبحانه وتعالى، وأحترم نبيه والقرآن العظيم.»
لما علم بونابرت من شيوخ الأزهر أنهم لا يعتزمون إقامة الاحتفال السنوي بالمولد النبوي، وتعلل الشيوخ بعدم توافر الأموال اللازمة، أعطاهم المبالغ الضرورية لإقامة الاحتفال وشارك الجيش الفرنسي في الاحتفال بالمولد النبوي وقدم عروضا عسكرية وحفلات موسيقية وأطلق ألعابا نارية. كما دأب القائد الفرنسي على مجالسة علماء الدين وشيوخ الأزهر، يسألهم عن أمور الدين. في رسالته إلى القائد مارمون، بتاريخ 28 أغسطس 1798، كتب نابليون بونابرت: «اذهب إلى الشيخ المسيري، وأبلغه أنني ألتقي رؤساء الشرع وهم زعماء القاهرة ثلاث أو أربع مرات كل عشرة أيام، لا يوجد شخص أكثر منّي اقتناعا بنقاء وقدسية الدين الإسلامي.» أبدى الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت تقديره للإسلام ومنحه الديوان المصري اسم "علي بونابرت".
اعترافات سانت هيلينا
يرى البعض أن موقف نابليون من الإسلام المعلن كان استراتيجية وخدعة تهدف إلى جعل المصريين يتقبلون المحتلين وجعل الشخصيات الدينية تتواصل معهم. لكن نظرته إلى الإسلام التي عبر عنها خلال منفاه في جزيرة سانت هيلينا (1815-1821) تدل على أن بونابرت كان مفتونا حقًا بالإسلام وبشخص محمد صلى الله عليه وسلم. هناك، وجد الوقت الكافي للنظر إلى الوراء في حياته. في مراسلاته، تحدث عن التوحيد والتصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فاعتبر أن اليهود أخطأوا برغبتهم في الحفاظ على رسالة موسى وحصرها في "شعب الله المختار" وأن المسيحية قد استولت عليها «مجموعة من السياسيين من روما» للسيطرة على الناس، وأنهم شوهوا وحدانية الله: «جعلوا شركاء لله وصاروا يعبدون ثلاثة بدلا من واحد». في نهاية تفكيره، يخلص الإمبراطور إلى الإسلام: «ثم أخيرًا، في مرحلة معينة من التاريخ، ظهر رجل يدعى محمد. وهذا الرجل قال نفس الشيء الذي قاله موسى وعيسى وسائر الأنبياء: لا يوجد إلا إله واحد. هذه كانت رسالة الإسلام. الإسلام هو الدين الحق. كلما قرأ الناس وصاروا أكثر ذكاءً، كلما أصبحوا أكثر دراية بالمنطق والعقل. سيتخلون عن عبادة الأصنام، وعن الطقوس التي تدعم الشرك، وسوف يدركون أن هناك إلهًا واحدًا فقط. وبالتالي، آمل ألا يمر وقت طويل حتى يسود الإسلام في العالم.» مراسلات نابوليون، يوميات سانت هيلينا، ج 5، ص 518. ويقول نابوليون في مكان آخر من يوميات سانت هيلينا: «أنا أفضل دين محمد لأنه أقل مدعاة للسخرية من ديننا.»
قدم نابليون بونابرت، أثناء نفيه القسري في جزيرة سانت هيلينا، آراءه ومعتقداته تجاه الأديان. من الواضح أن الإسلام، الذي واجهه في رحلته إلى مصر، هو أقربها إليه. أشاد نابليون بعبقرية محمد صلى الله عليه وسلم في إدخال الدين الإسلامي للجزيرة العربية في مذكراته قائلاً: «كان محمد رجلاً عظيماً. وخلال سنوات قليلة، احتل المسلمون نصف دول العالم، وانتزعوا أرواحاً كثيرة من عُباد الآلهة المزيفة، ونكسوا كثيراً من الأصنام، وهدَّموا من المعابد الوثنية في خمسة عشر عاماً أكثر مما حققه أتباع موسى وعيسى في خمسة عشر قرناً.» كان بونابرت يؤكد دائماً أنه في حماية النبي، وكان يعتز به وكان انحيازه له واضحاً.
يؤكد في مراسلاته أن «المجتمع بدون دين هو مثل سفينة بدون بوصلة». يقول الإمبراطور إن «الدين عنصر أساسي لفرنسا، وعامل سلام اجتماعي ضروري لتجنب تجاوزات العواطف. الدين رفعة الرجال، يعلن سمو الروح على المادة والنفس على الجسد.» نابليون بونابرت حملات مصر وسوريا 1798-1799 (أملاها بنفسه في سانت هيلينا على الجنرال برتران)، 1847، t.1، ص 206. ومن بين الأحاديث التي أملاها في منفاه: «لا ينتصر الفرنسيون ... إن لم يكن رئيسهم - بخاصة - في حماية الرسول».
إن نظرة نابليون بونابرت للإسلام تثير الاهتمام، لأنها ليست وجهة نظر رجل متدين بل وجهة نظر رجل دولة.