د.محمدعالي الهاشمي
مثلما الأرض كروية تدور حول نفسها حتى يتعاقب الليل والنهار، فإن أفعال المرء أيضاً تدور حول فاعلها تمطره بأفعاله سواء عمل خيراً أو شراً، فالعادل عز وجل يذيق الإنسان الكأس نفسه لكل من أذاقه للآخرين، سواء حلاوة الكأس أو مرارته، فافعل ما شئت كما تدين تدان، فلا ينتظر من حصر قوته وقدرته على البطش والظلم وأذى الآخرين بأن الأيام والسنين قد تمحي من ذاكرتها ذلك الشر أبداً، فالشر لا ينسى، ولابد بأن يمر الإنسان بمراحل الحياة الطفولة والشباب والشيخوخة، القوة والضعف، تحمل الأيام في طياتها الشر والخير والسعادة والشقاء والتعب والراحة وتذيق من أساء الإساءة والظالم الظلم والسلام لكل من سعى لها بسلام، هو كأس متى ما أذقت الآخرين مرارة الشراب لابد وأن تدور الأيام لتشرب من كأس من سقيت له، وهكذا الأيام في تداولها، كذلك الخير، فالحصاد من بذرة العمل، فمن يزرع شوكاً يحصد شوكاً ومن يزرع ورداً يحصد ورداً، وهكذا فالجزاء من جنس العمل، فمثلما الشر يبقى في ذاكرة الأيام فإن الخير أيضاً لا يمكن أن يمحى، فستجد الخير الذي عكفت على نثره أو زرعه أو سقيته في الوقت الذي تحتاجه وأنت بأمس الحاجة إليه، ستجد الخير الذي صنعته أمامك يداوي جراحك ليكون بلسماً تماماً كما صنعته للآخرين، فما يصنعه المرء من خير وشر لا يصنعه لغيره وإنما يصنعه لنفسه أيضاً، يراه في طبق من ذهب أو طبق من ويلات الظلم والأذى.
أمثلة كثيرة تمر بنا في الحياة أحياناً نكون نحن أبطالها أو جزء منها وأحياناً يسردها لنا أصحابها أو ربما نشاهدها أو نسمع عنها، كما هو حال زعيم العشريه اللذي ظن بأن الكرسي الذي يجلس عليه خالداً مكتوباً باسمه يستغل المنصب في ظلم وأذى الآخرين يستمد قوته وجبروته وبطشه من هذا الكرسي فكم من مسؤول تمت اهانته وكم من مشؤوم تمت ترقيتهم بامتيازات خاصه حسب مزاجه، توزيع مشاريع الدوله ، وتوظيف أقرباءه وأصدقاءه في مناصب عليا وركن أصحاب الكفاءة جانباً، ترك أتباعه يسرحون بمزاجهم في العمل يهددون أو يسرقون اللقمة من الآخرين، وغيرها من نهب في حقوق المواطنون وحقوق المجتمع وكأن لم يمر عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، ،
قد تكون-كشخص-مبهوراً في يوم من الأيام بالكم الكبير من الناس حولك، بمن يتبسم في وجهك، ومن يهب لك، ومن يحاول التقرب منك. لكن الإبهار الأكبر يكون حينما تكون واقعاً في مصاب جلل، هنا قد تكتشف حقيقة الناس وأصل معادنهم.
أصحاب المراكز والسلطة والقرار والنفوذ والجاه والغنى، يتحلق حولهم الكثير من الناس، وترى مجالسهم مكتظة عامرة، تضم أشكالاً وألواناً مختلفة من الناس، لكن بمجرد انحسار العامل الذي يجعل هذا الشخص مميزاً، ترى الجموع تنفك وتبتعد عنه، ولا يتبقى حوله إلا أفراد مقربون من عائلته .
تذكرون طبعاً المثل الشهير «الصديق وقت الضيق»؟!
في زمننا هذا الصديق المخلص بات من الأساطير التي يندر وجودها، لدينا اليوم أصدقاء المصلحة، وأصدقاء المنصب، والذين سرعان ما يختفون من حياتنا إن انتهت الحاجة لنا.
اليوم لا تجد الصديق عند الضيق، بل تنصدم بحقيقة أشخاص كنت تكن لهم الاحترام والتقدير، ولربما سعيت لهم أكثر مما سعيت لأهلك وأقربائك وحتى إخوانك، تنصدم بتحول الشخص إلى إنسان لا يعرف، وكأنه لم يصادفك يوماً، ولم يطلب منك مساعدة أو خدمة ما.
لا تستغرب اخي ، فهذا حال الدنيا، ولم ينظم الإمام الشافعي بيت الشعر عبثاً، فالشدائد والمصائب هي من تفرز لنا الأصدقاء والأعداء، هي التي تفرز لنا المخلص في علاقته وقربه، والمنافق المتملق في صداقته.
وإن كان اصحاب الأفعال السيئه يظنون بأن الأيام لا تدور لتريهم مرارة الكأس فإنهم في غفلة، والغافل لابد وأن تصفعه الأيام ليستشعر مرارة من أساء لهم أو ظلمهم وهكذا تتعاقب الأدوار، ولا يظن الظالم بأن الله ينسى أو أن الله تجاوز عن الظلم بركعتين، لقول الله عز وجل «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين»، الحياة لا تدوم والعمر قصير مهما بلغ الإنسان من العمر، فافعل ما شئت كما تدين تدان.